هنا... على هذا الرصيف وفى نفسى المكان بشارع مديرية التربية والتعليم بمحافظة أسيوط، تجلس "نجاة" كل صباح منذ السادسة صباحا، وحتى منتصف النهار، تبيع المناديل للمارة. صامتة ملامحها تائهة لا تسمع لها صوتا كعادة معظم الباعة الذين يروجون لبضاعتهم برنين الصوت وحلو الكلمات، ولكنها اختارت رغما عنها أن تترك صمتها يتحدث وشرودها يجذب من حولها، فربما لم تجد بعد حروفا تعبر عما يسكن بداخلها من وجع أو قاموسا يحوى بداخله تفسيرا ل آلاف الكلمات التى تسكن أعماقها. نجاة عبدالعزيز محمد، أم لستة أبناء أكبرهم فتاة فى الصف الرابع الابتدائي، تراكمت عليها الديون وتكالبت عليها مصائب الحياة، وحول مشكلتها تروى نجاة:" تركنى زوجى وفر هاربا حينما تثقالت علينا الديون، ولم نستطع ردها ألقى علىّ يمين الطلاق ولم يمنحني ورقة رسمية، ولهذا لا أنا زوجة ولا أنا مطلقة، ولا أستطيع الحصول على معاش، ونظرا لقسوة ظروف الحياة جعلت أولادي يلتحقون بمدارس الفصل الواحد لأنني لا أقوى على مصاريف المدارس، وقمت بإخراج إحدى بناتى من المدرسة لتساعدنى فى بيع المناديل، فنحن محرمون من كل شيئ وحتى التموين لا أحصل عليه ولا أعرف كيف استخرج بطاقته وأجيئ كل يوم من قرية الزاوية إلى مدينة أسيوط لبيع المناديل مع أنها لا تسد الرمق وليس لدى مصدر دخل غيرها. تكمل نجاة: زوجى أو طليقى من الأساس لا يعمل وهو على باب الله، هو نفسه لم يقوى على تحمل ملاحقة الديون وتركنا ورحل فماذا عساى أنا أن أفعل وأنا امرأة لا سند لى ولا معين؟ وتضيف اليوم أتحمل وحدي عبء أسرة من ستة أبناء وأنا ولأنني ضمنت زوجى فى قرض ولم أسدد بعض الأقساط فأنا الآن بانتظار الحبس لأنني لا استطيع سداد مبلغ 1125 جنيها، ففى 2 مارس القادم، إما الدفع أو الحبس، فلقد فر هو هاربا وأنا الضامن، ولا أعرف أين سيذهب أبنائي الستة إن كان مصيري الحبس؟؟!! فأنا وحدي ليس لدى من يرعى أبنائى "معنديش حد غير ربنا". وتحلم نجاة أن تسدد ديونها وأن تجد معاشا شهريا أو كشك، تأكل منه وتعيش كما يعيش البشر، "نفسى أعيش زى أى أم وسط عيالى أخدهم فى حضنى وأسرح شعر بناتى". وأنهت حديثها بجملة واحدة كررتها بدموعها "2/3 يا الدفع يا الحبس... يا الدفع يا الحبس".