دائما أجدها جالسة في طريقي سواء في ذهابي أو إيابي إلي العمل .. تبيع أكياس المناديل .. في يوم مددت لها جنيهاً علي سبيل المساعدة وهممت بالمغادرة إذ بها تبادرني "المنديل يابيه .. أنا مش شحاتة" .. تصبب وجهي عرقاً وعدت اليها وجلست بجوارها ما هي حكايتك يا أمي ؟ .. وما اسمك ؟ قالت : اسمي نعيمة أو نعمات .. لا يهم الاسم ولكني مواطنه من تراب هذا الوطن كنت أسكن أنا وزوجي الذي توفاه الله في حادث سيارة .. في احدي قري محافظة قنا .. ترك لي 3 بنات لم يترك لنا معاشاً فهو لم يكن موظفاً ولم أبحث عن ذلك فالجيران كانوا يقومون بالواجب .. من يطبخ يبعت لنا مما يأكله .. هكذا الجار للجار كما قال سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم. اكملت . لم نشعر يوماً بالوحدة .. كل يوم عندنا أحدي الجارات تواسيني وتعطيني من كل ما يوجد في منزلها .. فالجار عندنا في الصعيد يا ابني كان يعطي الجار مما لدية إذا كان عنده "جاموسة" نشرب معه اللبن ونأكل بيضا من دجاج زوجته التي تربيه علي سطح منزلها ونأخذ قمحاً مما ينتج من المحصول الذي زرعة. هكذا عشنا .. وتربينا .. ولن اكذب عليك إذا قلنا لك إننا كنا نأكل لحماً اكثر من كل الجيران ان كل جار يطبخ يرسل لنا مما يأكله.. وعندما بدأ الحال يتغير حيث بدأت هذه العادات تندثر شيئاً فشيئاً والسبب ضيق العيش علي الجميع فلم يعد الغني غنياً .. تغير حال القرية .. اختفت الماشية من المنازل .. لم يعد الفلاح يستيقظ مبكراً .. هجر الغيط .. وظهرت المقاهي وانتشرت وبدأ الشباب يتعلم السهر وبين هذه الظواهر الجديدة علي المجتمع .. ضعنا نحن الفقراء .. لم نعد نري ما كنا نراه وتكمل في حزن وأسمي . أخذت بناتي واتجهت إلي القاهرة لعلي أجد فرصاً جديدة للعمل خاصة بعد زواج احدي بناتي وخطبة الثانية من القاهرة لكن للاسف في القاهرة وجدت مجتمعاً مختلفاً كثيراً عن الصعيد الجميع في حاله .. لا أحد يسأل عن أحد .. والحمد لله تزوجت الوسطي وأيضا الصغري وأصبحت بمفردي ولا أحتاج الكثير غير دواء السكر .. ولهذا فأنا أبيع المناديل لكي أعيش وقد يتكفل المقتدرون بالدواء .. فالمرض هو الذي يذل الفقراء أمثالنا والأسعار ترتفع كل يوم ولانستطيع أن نلحقها هذا غير أن بناتي الثلاث حصلن علي شهادة متوسطة .. وللأسف الحكومة لاتسأل عنهن .. ويبدو أن الوظائف للاغنياء فقط ولذلك نحن نطلب من الحكومة العدل والانصاف فقط.