رغم بُعد المسافة بين سيوة والعاصمة مرسى مطروح، وكونها واحة حدودية تقع في جنوبي المحافظة، وعانت كثيرًا من ضعف الخدمات لسنوات طويلة بسبب موقعها الجغرافي، إلا أنها كانت في بؤرة اهتمام الدولة المصرية في الآونة الأخيرة، التي أخذت في الاعتبار أولوية الاهتمام بواحة "سيوة" أو واحة آمون كبير آلهة الحضارة الفرعونية، لكونها منطقة غنية بالموارد الطبيعة، كما أنها ذات طبيعة سياحية خلابة يتوافد عليها السياح من كل بلد، لذا كان لا بد من تعليم السكان المحليين مع محو أميتهم وتأهليهم للتعامل مع مختلف الثقافات، وقد قابل ذلك العديد من العقبات والصعاب في البداية، نظرًا لكون أغلب سكان الواحة يعملون في الزراعة. من محو الأمية إلى التدريس قصة الشاب مستور التي يجب أخذ صاحبها كنموذج للرجل المجتهد، إذ بدأ بعد انقطاع عن الدراسة لفترة طويلة، واتجه إلى فصول محو الأمية وتعلم القراءة والكتابة، والتحق بالمراحل التعليمية المختلفة كالإعدادية والثانوية، ثم حصل على بكالوريوس التربية، فأصدر له الفريق محمد الشحات - محافظ مطروح آنذاك، قرارًا استثنائيًا بتعيينه مدرسًا، حيث أصبح الآن مدير مدرسة ابتدائية بقرية "الجارة". كانوا عمال وأصبحوا سكرتارية يقول شريف السنوسي، إنه تسلم منصب مدير مشروع محو الأمية بسيوة منذ عام 1991 إلى 2012، مشيرًا إلى أنه في هذه الفترة حصلت سيوة على المركز الأول ثلاث مرات على مستوى المحافظة. ويضيف: "محو الأمية تركت أثرًا إيجابيًا في المجتمع السيوي"، ويتذكر: "حينها كان أكثر من عشرة أشخاص أميين يعملون عمالًا بالمدارس ولا يجيدون القراءة ولا الكتابة، لكن بعد دخولهم فصول محو الأمية حصلوا على الشهادة، وأكملوا التعليم وعملوا بوظائف السكرتارية في المدارس نفسها". إقبال السيدات والفتيات ويكمل السنوسي أنه في الفترة من 1990 إلى بداية عام 2000 كانت نسبة الأمية بسيوة مرتفعة جدًا، خاصة وسط الفتيات بسبب حرمانهم من التعليم سواء من يكتفي بالابتدائية أو الإعدادية لتعليم بناته، حيث عانت الواحة من ظاهرة الأمية، مردفًا: "قاومناها بقدر الإمكان وبالمجهودات المتوفرة، إذ كانت السيدات يتوافدن على فصول محو الأمية". من أجل حفظ القرأن وتأدية الحج ومن ضمن السيدات أتت واحدة لتمحو أميتها وتتعلم القراءة والكتابة وأمور دينها كي تتمكن من الذهاب إلى الحج، إذ كان الإنجاز بعد ثلاثة أشهر أو أقل وتعلمت القراءة والكتابة، وفي خلال 6 أشهر حفظت سورتي البقرة وآل عمران، ثم ذهبت إلى الحج، وتم تكريمها بعد فوزها بلقب الأم المثالية حينها. التعلم على لمبة الجاز بعد سن ال40 فتحي محمد موسى، من قرية جعفر بسيوة، يتحدث عن قصة والده الذي عانى من أجل التعلم بسبب جده، فيقول إن قريته كانت تفتقر للخدمات الأساسية، حيث كان والده محبًا للتعليم، لكن الإمكانيات المحدودة تحول دون تعلمه، لكنه سهر على لمبات الجاز، رغم أباه كان يرى أن التعليم مضيعة للوقت، وإشغال لمبات الجاز للإضاءة إهدار لها. ويكمل: "ظل والدي في الأمية إلى أن بلغ سن ال40، وسمع عن محو الأمية، فدخل فصولها دون علم جدي، وكانت القراءة فترة مسائية بعد العودة من المزرعة، وبعد أن تعلم القراءة والكتابة وساعد جدي في بيع المحاصيل، وعمل الحسابات الخاصة بها، أيقن جدي أن التعليم مهم وأنه كان يحرمه من التعليم دون معرفة بعوائده في القضاء على الجهل وعدم الاستعانة بأحد من الخارج لعمل الحسابات وبيع الثمار، وقام جدي بإعطاء والدي أكبر مزرعة للنخيل لكي يتمكن من تعليمنا، وها نحن أخوين واحد بكالوريوس تجارة والآخر بكالوريوس زراعة". 175% نسبة المستهدف يقول عادل عبدالمنعم مسلم، مدير مشروع محو الأمية بمطروح، إن المحافظة حققت المركز الأول على مستوى الجمهورية في محاربة الأمية، والأعداد المستهدفة في الفترة من أول يناير حتى آخر مارس 2015 وبنسبة 175%، حسب التقرير الإحصائي لمركز المعلومات بمجلس الوزراء، مضيفًا أن المستهدف خلال تلك الفترة كان 882 أميًا، وكان الإقبال بلغ 1543 فردًا. الفتيات أكثر إقبالًا ويكمل مسلم: "أما لو تحدثنا عن سيوة فأذكر حينها عندما توليت منصبي، فذهبت وقدمت دعوات لحضور التدريب على كيفية معاملة الأميين، فتفاجأت بحضور عدد كبير من الفتيات اللائي رغبن في المشاركة لمحو أمية الواحة، وتم تدريبهن، والتأكيد على الفروقات بين تعليم الصغار والكبار، إذ تم تدريب 16 معلمة، و4 معلمين". ويشير إلى أن الأمية موجودة بالمحافظة، ولكن سيوة الآن أصبحت أقل المراكز أمية بالنسبة للفتيات، ويرجع ذلك لاهتمامهن بشؤون الدين ورغبتهن في حفظ القرآن الكريم، كما تم عقد الامتحانات الفورية لبعض الأهالي الذين يجيدون القراءة والكتابة. ويتابع: "العقبات التي تواجه الأميين بالواحة هي الحالة الاقتصادية، بسبب فكرة أن الرجل لا يستطيع ترك عمله ويذهب للتعلم"، لافتًا إلى أن قصة قرية الجارة التي استطاع جميع سكانها رغم بعد المسافة بينها وبين سيوة أبلغ مثال لذلك، حيث أصروا إلى تحولها لقرية بلا أمية.