أكثر من 6 آلاف ضريح في مصر منهم 213 بقنا.. 50% منها زائف 2850 مولدًا يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة لماذا نطلق على كل معاق أو طيب لقب شيخ؟ وكيف تحولت كرامات الأولياء لشعوذة وهمية باسم التصوف؟ الأوقاف تعترف ب45 ضريحًا في المحافظة وتترك الباقي ل"النصابين"
ما بين نيل البركة والتقرب لأولياء الله، وبين النصب والتربح باسم أصحاب المقامات، نجد أن أموال كثير من البسطاء المتعلقين بالصوفية غالبًا ما ينتهي بها الحال إلى جيوب القائمين على الأضرحة التي يشكك مؤرخون وأدباء مصريون في تاريخها وطريقة نشأتها، بل إن مسؤولا كبيرًا في وزارة الأوقاف، رفض كشف هويته، يذكر أن نحو خمسين بالمئة من الأضرحة في مصر زائفة. ويصل عدد الأضرحة والمقامات الدينية في مصر بوجه عام إلى نحو 6 آلاف ضريح مسجل بالأوقاف، وما يقرب من مثلهم او أكثر لا نعرف متى وأين جاء صاحب الكرامات هنا، "وعلم شيخ" وهى الجملة الشهيرة لأبناء الصعيد، للتعبير عن وجود كرامة لشخص أو وليّ. محافظة الأولياء القرى فى قنا هي أكثر الأماكن التي يوجد بها أضرحة، وقد لا تخلوا قرية من ضريح لشيخ يمنح البركة والكرامة، كما اعتاد المواطنون في حدود ثقافتهم، إطلاق لقب وليّ أو شيخ على أي شخص معاق أو طيب القلب، كما أن العديد من المشايخ أطلقوا الأمثلة علي القرى التي لا ضريح لها ببخل أهلها، وخلوها من البركة. يتجاوز عدد الأضرحة في قنا 213 ضريحًا ينتشرون في أنحاء المحافظة بمدنها وقراها ونجوعها، يقبل على زيارتها آلاف المواطنين على مدار أيام السنة، وبعض أصحاب هذه الأضرحة جاء وافدًا إلى قنا واستقر ودفن بها وأشهرهم سيدي عبد الرحيم القنائي،الملقب بقطب قنا، وعبد الله القرشي، وأبو الحسن الصباغ ببندر قنا، وابن دقيق العيد، والنجار بقوص، والأمير ضرار وأخوته بنجع حمادي، والشيخ السنجق بمركز دشنا، وغيرهم كثير يعتبرهم أهل قنا أولياء، وإلى جانب ذلك تعتمد الأوقاف وجود 45 ضريحًا بمحافظة قنا داخل مساجد تابعة لهيئة الأوقاف، وهناك غيرهم الكثير غير المسجل لديهم. حقيقة الأضرحة "الأضرحة في مصر زائفة، لا يوجد بها رفات للموتى، وهناك من يتربحون من ورائها إلى حد الثراء، ويقيمون الموالد كل عام حولها، وصناديق النذور، وإقناع الناس بأنها لأشخاص ذوي كرامات وقادرين على حل جميع المشكلات"، هذا ما ذكره بعض المؤرخين عن حقيقة الأضرحة الموجودة في مصر، ويقول الدكتور محمود إبراهيم، أستاذ الأثار والفنون الإسلامية بجامعة القاهرة، إن أساس إنشاء أي ضريح يعود في الأساس إلى منام يراه أحد المشهورين بالتدين أن آخرًا يطلب منه أن يبني له مقامًا، فيُبني له المقام الذي غالبًا لا يحتوي على رفات الولي. ويتابع كلامه بأن هناك نوع آخر من الأضرحة دفن فيها أصحابها بالفعل، فالمساجد الملحق بها أضرحة كالسلطان حسن، وبرقوق، والغوري، وغيرهم هم من شيدوها في حياتهم، إذ إنهم كانوا سلاطين فأرادوا الحفاظ على هيبتهم وشخصيتهم بعد وفاتهم بدفن أجسادهم في مكان لائق. الولي والعارف بالله ويقول سعد محمد آدم، إمام جامع السيد عبد الرحيم القنائي، الفرق بين الشيخ والولي والعارف بالله كبير، كما كُتب علي جدران العديد من المقامات، فالشيخ هو الرجل القائم علي أمور الدين، وهي أولي الدرجات التي يصل لها رجل الدين، أما كلمة ولي فهو الذي تولاه الله، وهو شخص ملتزم بكافة تعاليم الدين، فكأنها تأتي من مبدأ "احفظ الله يحفظك"، بينما العارف بالله هو الأعلى درجة، أما الوالي فهو الذي تذوق الكرامات، وذاق لذة القرب من الله. ويشير آدم إلي أنه من الصعب اكتشاف الولي في هذه الأيام بسبب المغريات ومصاعب الحياة، أما الأولياء في زمانهم، فكانت لهم حلقات يدرسون فيها علوم الدين أمثال السيد عبد الله القرشي، والذي خلط العديد من الأهالي بينه وبين نظيره عبد الله القرشي في فلسطين، ولكن لكل منهم تاريخ، وله قصة مشهورة مع الشيخ عبد الرحيم القنائي، عندما قدم لزيارته وكأنه زميل يزور زميله، فأبقاه خارج الباب ثلاثة أيام وعندما أحسن النية أنه مريد يريد الشيخ أذن له بالدخول.
الكثير من الأهالي على اختلاف الثقافات المتوارثة يخلطون بين من أولياء الله الصالحين وتاريخهم، ومنهم من يحرف في تاريخ هؤلاء، وهو سبب كثرة الشائعات، هذا إلى جانب عدم وجود مراجع معتمدة أو روايات لأمَّات الكتب عن تاريخ أولياء الله، ويوضح آدم أن الله يخفي ثلاثًا في ثلاث رحمته في طاعته، وغضبه في عصاينه، وأوليائه في خلقه، وأن زيارة المقامات هو شيء استقر في النفس. لا حجاب بين العبد وربه بينما تختلف حول ذلك منار محمود عبد اللطيف، أحد المثقفين، حاصلة علي إجازة في القرآن الكريم، قائلة قبل أن أعرض لهذه المسائل أبين أن دعوى "الواسطة" للأئمة غريبة على نصوص الإسلام، بل هي منكرة، لأنها عين دين المشركين، وقد بعث الرسل لتخليص البشرية من هذا الشرك. وليس بين المسلم في عبادته لربه ودعائه له حجب تمنعه، ولا واسطة تحجبه، يقول تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]، ويقول "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر :60]. وتذكر أن أهل العلم قالوا إن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كَفَرَ إجماعًا؛ لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام الذين قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3]. يتفق معها هاني البشبيشي، رئيس قسم الحديث والتفسير، بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة جنوب الوادي، قالًا إن الذهاب للموالد والزيارات التي يقصدها العديد من الأهالي خاصة في قري الصعيد مكروه أيضا، إذ إن شد الرحال لا يكون إلا لثلاث، المسجد الحرام ومسجد رسول الله والمسجد الأقصى، كما أوصى الرسول، فضلًا عن أن ذلك كله يعد أصغر الشرك، وإن ذلك يستوجب توبة ومغفرة وعدم الاستمرار فيه. حصيلة النذور وفي حوار سابق مع صحيفة "الأخبار" كشف وزير الأوقاف الأسبق عن أن حصيلة "النذور" في الفترة من 1/7 /2005 إلى 30/6/2006 بلغت 52 مليونًا و67 ألفًا و579 جنيها، ولو أضفنا ما ينفقه المصريون خلال الموالد على اللهو والمأكولات؛ تتبين الضخامة المادية لعوائد الأضرحة والموالد. كما يرصد عالم الاجتماع الراحل سيد عويس في كتابه الشهير "موسوعة المجتمع المصري"، "أن مصر تضم حوالي 2850 مولدا للأولياء الصالحين، يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة"، ولا يتقيد أهالي كل قرية ومدينة بوليهم المحلي، إذ أسقط المصريون حاجز المكان، بتوجه سكان أسوان إلى طنطا للاحتفال بمولد "السيد البدوي"، وبتوجه سكان الإسكندرية للاحتفال بمولد "سيدي أبو الحجاج" بالأقصر، وسكان حلوان للاحتفال بمولد القديسة دميانة بالبحيرة، وسكان البحيرة للاحتفال بمولد سيدي مار برسوم العريان بالقاهرة.