سعر الدولار أمام الجنيه الإثنين 19-5-2025 في البنوك    الجرافات الإسرائيلية تهدم سور المستشفى الإندونيسي في قطاع غزة    موعد مباراة ليفربول وبرايتون في الدوري الإنجليزي.. القنوات الناقلة والمعلق    الأغنام والماعز.. أسعار الأضاحي 2025 في أسواق الشرقية (فيديو)    عطل فني بمطار باريس أورلي يتسبب في إلغاء رحلات لليوم الثاني    بعد فرز الأصوات.. رئيس بلدية بوخارست دان يفوز بانتخابات الرئاسة    المجلس الرئاسي في ليبيا يشكل لجنة هدنة بدعم أممي    تفاصيل حرائق مروعة اندلعت فى إسرائيل وسر توقف حركة القطارات    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 19-5-2025 مع بداية التعاملات    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يتلقى خسارة مذلة أمام أورلاندو سيتي    بيان هام بشأن حالة الطقس اليوم الإثنين 19-5-2025    عمرو دياب وحماقي والعسيلي.. نجوم الغناء من العرض الخاص ل المشروع x    هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر .. دار الإفتاء توضح    اليوم.. الرئيس السيسي يلتقي نظيره اللبناني    من بين 138 دولة.. العراق تحتل المرتبة ال3 عالميًا في مكافحة المخدرات    بتهمة فعل فاضح، حجز حمادة عزو مشجع مالية كفر الزيات    خلل فني.. ما سبب تأخر فتح بوابات مفيض سد النهضة؟    نجل عبد الرحمن أبو زهرة يشكر للرئيس السيسي بعد اتصاله للاطمئنان على حالة والده الصحية    شيرينجهام: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة وبأقل التكاليف    تأجيل محاكمة المتهمين بإنهاء حياة نجل سفير سابق بالشيخ زايد    فرنسا تطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات لقطاع غزة بشكل فوري وواسع دون أي عوائق    تعرف على موعد طرح كراسات شروط حجز 15 ألف وحدة سكنية بمشروع "سكن لكل المصريين"    تحرير سعر الدقيق.. هل سيكون بداية رفع الدعم عن الخبز؟    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم أعلى كوبري الفنجري    ملف يلا كورة.. أزمة عبد الله السعيد.. قرارات رابطة الأندية.. وهزيمة منتخب الشباب    ترامب يعرب عن حزنه بعد الإعلان عن إصابة بايدن بسرطان البروستاتا    الانَ.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 بمحافظة المنيا ل الصف الثالث الابتدائي    محمد رمضان يعلق على زيارة فريق «big time fund» لفيلم «أسد».. ماذا قال؟    بعد إصابة بايدن.. ماذا تعرف عن سرطان البروستاتا؟    الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بمرور 1700 سنة على مجمع نيقية- صور    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    تقرير التنمية في مصر: توصيات بالاستثمار في التعليم والصحة وإعداد خارطة طريق لإصلاح الحوكمة    مصرع شابين غرقا أثناء الاستحمام داخل ترعة بقنا صور    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    رسميًا.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي بعد قرار المركزي الأخير    القومى للاتصالات يعلن شراكة جديدة لتأهيل كوادر مصرفية رقمية على أحدث التقنيات    في أول زيارة رسمية لمصر.. كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    أحمد العوضي يثير الجدل بصورة «شبيهه»: «اتخطفت سيكا.. شبيه جامد ده!»    أكرم القصاص: نتنياهو لم ينجح فى تحويل غزة لمكان غير صالح للحياة    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    الأهلي ضد الزمالك.. مباراة فاصلة أم التأهل لنهائي دوري السلة    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم التهرب من دفع الضرائب ؟


تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
الضريبة: هي مقدار محدد من المال تفرضه الدولة في أموال المواطنين، دون أن يقابل ذلك نفعٌ مخصوص، فتُفْرَض على المِلْك والعَمَل والدخْل نظير خدمات والتزامات تقوم بها الدولة لصالح المجموع، وهي تختلف باختلاف القوانين والأحوال.
وولي الأمر يجوز له أن يفرض ضرائب عادلة في تقديرها وفي جبايتها إلى جوار الزكاة؛ وذلك لتغطية النفقات العامة والحاجات اللازمة للأمة، باعتبار أن ولي الأمر هو القائم على مصالح الأمة التي تستلزم نفقات تحتاج إلى وجود مورد ثابت، لاسيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه مهام الدولة واتسعت مرافقها.
وولي الأمر في عصرنا هو مجموعة المؤسسات التشريعية وفقًا للنظام الحديث، فإن الدولة لها ما يسمى بالموازنة العامة، والتي يجتمع فيها الإيرادات العامة، والنفقات العامة، وإذا كانت النفقات العامة للدولة أكبر من الإيرادات العامة؛ فإن ذلك معناه عجز في ميزانية الدولة يتعين عليها تعويضُه بعدة سبل منها فرض الضرائب.
إلا أنه ينبغي أن يُراعَى في فرض الضرائب عدمُ زيادة أعباء محدودي الدخل وزيادة فقرهم، وأن تُحصَّل الضرائبُ أصالةً من الفئات التي لا يجهدها ذلك؛ كطبقة المستثمرين، ورجال الأعمال الذين يجب عليهم المساهمة في واجبهم تجاه الدولة.
وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أوَّل مَن اجتهد في فرض أموال تُؤْخَذ من الناس من غير زكاة أموالهم؛ لتحقيق المصالح العامة؛ كالخراج، فالخراج واجب على كل من بيده أرض خراجية نامية، سواء أكان مسلمًا أم كافرًا، صغيرًا أم كبيرًا، عاقلا أم مجنونًا، رجلا أم امرأة؛ وذلك لأن الخراج مئونة الأرض النامية، وهم في حصول النماء سواء.
وقيام سيدنا عمر رضي الله عنه بفرض ضريبة الخراج على الأراضي كان لمصالح عامة ظهرت له؛ منها:
الحاجة لإيجاد مورد مالي ثابت للأمة الإسلامية بأجيالها المتعاقبة، وتوزيع الثروة وعدم حصرها في فئة معينة، وعمارة الأرض بالزراعة وعدم تعطيلها.
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: "وإنما كان الخراج في عهد عمر رضي الله عنه"، يعني: أنه لم يكن في الإسلام قبل خلافة عمر رضي الله عنه، فضريبة الخراج لم تكن مفروضة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في عهد خليفته الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفَعَلَ عمرُ رضي الله عنه ذلك بعد استشارته لكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار.
والإسلام لا يمنع فرض الضرائب؛ فقد تقرَّر في الشريعة الإسلامية أن في مال المسلم حقًّا سوى الزكاة؛ ويدل على ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}.. [البقرة : 177].
فالآية قد جُمِعَ فيها بين إيتاء المال على حبه وبين إيتاء الزكاة بالعَطْفِ المقتضِي للمُغايرة، وهذا دليل على أن في المال حقًّا سوَى الزكاة لتصح المُغايرة. انظر: "تفسير الفخر الرازي" (5/216، ط. دار إحياء التراث العربي) وما بعدها.
وأخرج الترمذي والدارمي في "سننيهما" عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الزكاة فقال: «إِنَّ فِي المَالِ لحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ» ثم تلا هذه الآية التي في سورة البقرة {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ}.
قال القرطبي في "تفسيره" (2/242، ط. دار الكتب المصرية) بعد ذكره للحديث المذكور: [والحديث وإن كان فيه مقال فقد دلَّ على صحته معنى ما في الآية نفسها من قوله تعالى: {وَأقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}، فذكر الزكاة مع الصلاة، وذلك دليل على أن المراد بقوله: {وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ} ليس الزكاة المفروضة، فإن ذلك يكون تكرارًا والله أعلم].
وقد ورد هذا المعنى -مِن أن في المال حقًّا سوى الزكاة- عن عدد من الصحابة: كعمر، وعلي، وأبي ذر، وعائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن بن علي رضي الله عنهم، ومن التابعين: كالشعبي، ومجاهد، وطاوس، وعطاء. انظر: "المحلى بالآثار" لابن حزم (4/283، ط. دار الفكر).
وعلى ذلك فقد ثبت في مال المسلم الغني حقٌّ غير الزكاة، لاسيما في ظل احتياج المجتمع إلى ذلك، وهذا هو المعنى الحقيقي للتكافل والتضامن الاجتماعي.
فالتضامن الاجتماعي فريضة على المجموع، وليس المراد من التضامن الاجتماعي ما قد يتبادر إلى ذهن البعض؛ من مواساة الفقراء والمحتاجين فقط، بل مرادنا ما هو أعم من ذلك؛ من حق المجتمع على الفرد في التعاون على إقامة مصالح الدولة كافة، ولجماعة المسلمين حق في مال الفرد؛ لأنه لم يكسب ماله إلا بها، وهي التي ساهمت من قريب ومن بعيد، وعن قصد وغير قصد، في تكوين ثروة الغني، وهي التي بدونها لا تتم معيشته كإنسان في المدينة.
فإذا كان في الدولة الإسلامية محتاجون لم تكفهم الزكاة، أو كانت مصلحة الجماعة وتأمينها عسكريًّا أو اقتصاديًّا تتطلب مالًا لتحقيقها، أو كان دِين الله ودعوته وتبليغ رسالته يحتاج إلى مال لإقامة ذلك، ولم يوجد في موارد الدولة ولا خزائنها ما يكفي لذلك، فإن الواجب الذي يحتمه الإسلام أن تُفْرَض في أموال الأغنياء ما يحقِّق هذه الأمور؛ لأن تحقيقها واجب على ولاة الأمر في المسلمين ولا يتم هذا الواجب إلا بالمال، ولا مال بغير فرض الضرائب، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
وكذلك فإن من القواعد الفقهية الكلية المقررة عند العلماء: "أنه يُتَحَمَّلُ الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، و"أنه يجب تحمل الضرر الأدنى لدفع ضرر أعلى وأشد" انظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجيم الحنفي ص (74، 75).
ولا ريب أن هذه القواعد الفقهية لا يؤدي إعمالها إلى إباحة الضرائب فحسب، بل يُحتم فَرْضها وأخْذها، تحقيقًا لمصالح الأمة والدولة، ودرءًا للمفاسد والأضرار والأخطار عنها.
يقول ابن حزم في "المحلى" (4/281، ط. دار الفكر): [وفَرْضٌ على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويُجْبِرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم].
ومن القواعد المقررة أيضًا: "أن الضرورة تُقَدَّر بقدرها"، فيجب ألا يتجاوز بالضرورة القدر الضروري، وأن يراعَى في وضعها وطُرُق تحصيلها ما يخفف وقعها على الأفراد.
فالأساس في الضرائب هو تكوين مال للدولة تستعين به على القيام بواجباتها، والوفاء بالتزاماتها، فالأموال التي تُجبَى من الضرائب تنفق في المرافق العامة التي يعود نفعها على أفراد المجتمع كافة، كالدفاع والأمن والقضاء والتعليم والصحة والنقل والمواصلات والري والصرف، وغيرها من المصالح التي يستفيد منها مجموع المواطنين ورعايا الدولة، من قريب أو من بعيد.
ومما لا شك فيه أن أخْذ الضريبة من الأفراد فيه استيلاء على جزء من مالهم وحرمان لهم من التمتع به، وهذا الحرمان إنما رُخِّص فيه لأن الضرورة قضت به؛ إذ لا يمكن القيام بالمصالح العامة بدونه، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
ولو تركت الدول في عصرنا دون ضرائب تنفق منها، لكان ذلك مؤديًا إلى خلخلة اقتصادها، وضعف كيانها من كل نواحيه، فضلا عن الأخطار العسكرية عليها، فلقد أصبح التسليح ونفقات الجيوش في عصرنا مما يحتاج إلى موارد هائلة من المال.
ومع هذا لم تعد القوة مقصورة على السلاح والجيوش؛ إذ لابد لتحقيق القوة من التفوق في شتى جوانب الحياة العلمية والصناعية والاقتصادية، وكل هذا يحتاج إلى المال، ولا سبيل إلى ذلك إلا بفرض الضرائب باعتبارها نوعًا من الجهاد بالمال.
وحيث إن ما سبق ذِكْره من أمور -كالدفاع والأمن والقضاء والتعليم والصحة والنقل والمواصلات والري والصرف وغير ذلك- ضروري لا يمكن الاستغناء عنه للدولة الإسلامية ولأي دولة، فمن أين للدولة أن تنفق على هذه المرافق وإقامة هذه المصالح؟
ومصارف الزكاة محدودة محصورة في الأصناف الثمانية التي حددها القرآن، ولقد كان للزكاة بيت مال خاص، أي: ميزانية مستقلة، فقال الفقهاء: لا يجوز صرف الزكاة إلى غير مَن ذَكَر اللهُ تعالى من بناء المساجد، والجسور، والقناطر، والسقايات، والمدارس، وتمهيد الطرق، وشق الأنهار، وسد البثوق. انظر: "المغني" (2/497، ط. مكتبة القاهرة).
ولم يُجَوِّزوا كذلك أن يخلط مال الزكاة بأموال موارد أخرى، لتصرف في مصارفها الشرعية المنصوصة، فلا تداخل بين أموال الزكاة وأموال الضرائب، فإن لِكُلٍّ مصادره ومصارفه، فلا تغني الزكاة عن الضرائب ولا الضرائب عن الزكاة.
وقد أقرَّ جماعة من فقهاء المذاهب المتبوعة الضرائب، لكنهم لم يطلقوا عليها اسم "الضرائب"، فسمَّاها بعض الحنفية "النوائب" جمع نائبة، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان، بحق أو بباطل.
جاء في "حاشية رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (5/330، ط. دار الفكر) في بيان معنى "النوائب": [ما يكون بحقٍّ كأجرة الحراس، وَكَرْيِ النهر المشترك، والمال الموظف لتجهيز الجيش، وفداء الأسرى إذا لم يكن في بيت المال شيء وغيرهما مما هو بحق، فالكفالة به جائزة بالاتفاق؛ لأنها واجبة على كل مسلمٍ مُوسِر بإيجاب طاعة ولي الأمر فيما فيه مصلحة المسلمين ولم يلزم بيت المال أو لزمه ولا شيء فيه. وإن أريد بها ما ليس بحقٍّ كالجبايات الموظفة على الناس في زماننا ببلاد فارس على الخيَّاط والصَّبَّاغ وغيرهم للسلطان في كل يوم أو شهر، فإنها ظلم].
وقد نقل العلامة ابن عابدين أيضًا (2/336-337) عن أبي جعفر البلخي قوله: [ما يَضْرِبُه السلطانُ على الرعية مصلحةً لهم يصير دَيْنًا واجبًا وحقًّا مُستحقًّا كالخراج، وقال مشايخنا: وكل ما يضربه الإمام عليهم لمصلحة لهم فالجواب هكذا، حتى أجرة الحرَّاسين لحفظ الطريق، واللصوص (أي: ما يُحتاج من نفقات لحفظ الطريق وأمنه وحراسته)، ونصب الدروب، وأبواب السكك، وهذا يُعْرَف ولا يُعْرَف خوف الفتنة، ثم قال: فعلى هذا ما يؤخذ في خوارزم من العامة لإصلاح مسناة الجيحون أو الربض ونحوه من مصالح العامة دَيْنٌ واجبٌ لا يجوز الامتناع عنه وليس بظلم، ولكن يعلم هذا الجواب للعمل به وكف اللسان عن السلطان وسعاته فيه لا للتشهير، حتى لا يتجاسروا في الزيادة على القدر المستحق].
ومِن المالكية يقول الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (2/619، ط. دار ابن عفان): [إنا إذا قدرنا إمامًا مطاعًا مُفتقِرًا إلى تكثير الجنود؛ لسدِّ الثغور، وحماية المُلك المتسع الأقطار، وخلا بيت المال عن المال، وارتفعت حاجات الجند إلى ما لا يكفيهم، فللإمام إذا كان عدلًا أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيًا لهم في الحال، إلى أن يظهر مال في بيت المال..
وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين لاتساع مال بيت المال في زمانهم بخلاف زماننا، فإن القضية فيه أحرى، ووجه المصلحة هنا ظاهر؛ فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك لانْحلَّ النظام، وبطلت شوكة الإمام، وصارت ديارُنا عرضة لاستيلاء الكفار].
ومن الشافعية يقول الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص 177، ط. دار الكتب العلمية): [إذا خلت الأيدي من الأموال، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق العسكر، واشتغلوا بالكسب لخيف دخول الكفار بلاد الإسلام، أو خيف ثوران الفتنة من أهل العَرامة (أي: أهل الفساد) في بلاد الإسلام، فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند].
وقد تَكلَّم عنها الشيخ ابن تيمية بما يفيد إقراره لبعض ما يأخذه السلطان، باعتباره من الجهاد بالمال الواجب على الأغنياء، وسماها ب"الكلف السلطانية" أي: التكليفات المالية التي يلزم بها السلطان رعيته أو طائفة منهم. انظر: "مجموع الفتاوى" (30/182) وما بعدها.
أما ما ورد من أحاديث في ذم المكس، كحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ» أخرجه أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"، والدارمي في "سننه"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". فليس فيها نصٌّ في منع مطلق الضريبة؛ لأن كلمة (المكس) لا يراد بها معنًى واحد محدد لغةً أو شرعًا.
فيمكن حمل ما جاء في صاحب المكس على الموظف العامل على الزكاة، الذي يظلم في عمله ويعتدي على أرباب الأموال؛ فيأخذ منهم ما ليس من حقه بغير رضا منهم، وذلك لمصلحته الخاصة، لا لمصلحة المسلمين العامة، فإنه يغل من مال الله الذي جمعه، وهذا المال حق الفقراء والمساكين وسائر المستحقين.
وقيل: تُحمَل كلمة [المكس] على معنى آخر، وهو: الضرائب الجائرة التي كانت تسود العالم قبل ظهور الإسلام، فقد كانت تؤخذ بغير حق، وتنفق في غيرحق، ولا توزع أعباؤها بالعدل، ولم تكن تؤخذ من المواطنين حسب قدرتهم على الدفع، بل كثيرًا ما كان يُعفَى الأغنياء محاباةً، ويُرهَق الفقراءُ عدوانًا.
وهذا النوع هو ما يطلق عليه اسم [المكس] الذي جاء فيه ذلك الوعيد الشديد؛ قال الإمام الذهبي في "الكبائر" (ص 115، ط. دار الندوة الجديدة): [المكَّاس ويسمى محصِّل هذه الضريبة (المكَّاس) أو (الماكس) أو (صاحب المكس) أو (العشَّار) من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم، فإنه يأخذ ما لا يستحق، ويعطيه لمن لا يستحق].
أما الضرائب التي تُفْرض لتغطي نفقات الميزانية، وتسد حاجات البلاد من الإنتاج والخدمات، وتقيم مصالح الأمة العامة العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وتنهض بالشعب في جميع الميادين، حتى يتعلم كل جاهل، ويعمل كل عاطل، ويشبع كل جائع، ويأمن كل خائف، ويعالج كل مريض- فإنها واجبة، وللدولة الحق في فرضها وأخْذها من الرعية حسب المصلحة وبقدر الحاجة.
أما الجمارك: فهي نوع من الضرائب المالية تُوضع على بضائع تدخل لبلاد المسلمين تقررها الدولة، وما يجمع من هذه الضرائب يدخل خزينة الدولة للمصالح العامة، ومن هذه المصالح: تشجيع البضائع والمنتجات المحلية لصالح المواطن والمستهلك، ففرضها فيه حماية للسوق المحلي، وهي نوع من الضرائب السابق ذكرها.
يتبين مما سبق أنه لا يجوز التهرب من الضرائب والجمارك، ولا يجوز دفع الرشوة لإنقاصهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.