لم تكن ثمة فرصة للسلام اصلا لكي يضيعها بنيامين نتنياهو في واشنطن. فليس هناك عملية سلام تستحق الذكر لتحيى. مع ذلك، كان لنتنياهو الخيار بين ان يجعل الامور افضل مما كانت عليه او ان يزيدها سوءا - فاختار ان يزيدها سوءا. لم يكن بمقدور المرء معرفة هذا الشيء لو كانت علاقته الوحيدة بالصراع الدائر بين الفلسطينيين واسرائيل تتلخص برؤية نتنياهو وهو يتحدث امام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في العاصمة الامريكية. فاعضاء الكونغرس الامريكي ليسوا فقط مؤيدين لاسرائيل - كاغلبية الامريكيين - ولكنهم يؤمنون بنظرة نتنياهو الخاصة كما بين ذلك ردهم على خطابه. ففي الحقيقة، لا يجرؤ نتنياهو حتى ان يحلم بأن يحظى في بلاده - التي له فيها منتقدون كثيرون - باستقبال كالذي حظي به في الكونغرس الامريكي. بدا على اعضاء الكونغرس انهم يهيمون بنتنياهو، اما هو فيحبهم فعلا. فقد ضحكوا على النكت التي رواها، وصدقوا اقواله عن ولائه وصداقته للولايات المتحدة وهبوا واقفين عندما قال لقد تخلصتم من بن لادن. والاهم من هذا وذاك، اقتنعوا بنظرته عن امن اسرائيل. وقف اعضاء الكونغرس لتحية نتنياهو والتصفيق والتهليل له 30 مرة اثناء خطابه، كان اكثرها حماسا عندما عدد ما يجب ان يتقبله الفلسطينيون من اجل التوصل الى حل. قال رئيس الحكومة الاسرائيلية: إن القدس لن تقسم ابدا، بل ستبقى عاصمة موحدة لاسرائيل. (الفلسطينيون يطالبون بالقدسالشرقية عاصمة لدولتهم). كما طالب نتنياهو بوجود عسكري اسرائيلي على حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية مع الاردن. (الفلسطينيون يريدون ان يسيطروا هم على حدود دولتهم). كما رفض نتنياهو فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي شردوا منها عام 1948. (كانت عودة عدد محدود من اللاجئين احدى اسس المفاوضات التي دارت لعقود بين الجانبين. وكان من المفهوم ان يحل هذا الموضوع بالتفاوض وليس من خلال تصريحات احادية الجانب). تكلم نتنياهو عن تنازلات مؤلمة سيقوم بها من اجل السلام، وقد انتقده بعض اليمينيين الاسرائيليين لقوله إن بعض المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لن ينتهي بها المقام في اسرائيل، الا انه لم يقدم من التنازلات ما يكفي للتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين بل كان بعيدا جدا عن تقديم هكذا تنازلات. وفي حقيقة الامر، فإن سلفه ايهود اولمرت قدم اكثر منه بكثير. الا ان الفلسطينيين، الذين كانوا يعلمون ان ايام اولمرت باتت معدودة نتيجة فضائح الفساد التي كانت تلاحقه، قرروا تجاهل العروض التي تقدم بها. لذلك، فلم يكن من المحتمل ابدا ان يرضوا بما قدمه لهم نتنياهو، وهو اقل بكثير مما قدمه اولمرت. الانكى من ذلك كله لهجة التحدي التي استخدمها. فحتى عندما تكلم عن تنازل اسرائيل عن اراض احتلتها واستوطنتها بطريقة لاشرعية عام 1967 فعل ذلك بلهجة لا تخلو من تحدي. فقال لاعضاء الكونغرس - مستخدما تسمية العهد القديم - عليكم ان تفهموا ما يلي: في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ليس اليهود هم المحتلون الاجانب. اما رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فكان ان اسرائيل ليس لديها ما يمكن البناء عليه. وقال عباس إنه لو لم يتحقق اي تقدم بحلول سبتمبر / ايلول المقبل، فإنه سيمضي قدما بخطته في التوجه الى الاممالمتحدة للحصول على اعترافها بدولة فلسطينية. الا ان اسرائيل والولاياتالمتحدة رفضتا هذه الفكرة، والمرجح انهما ستضغطان على الدول الاوروبية لتنحى نفس المنحى. ولكن الفلسطينيين قد يتمتعون بقدر اكبر من التعاطف في اوروبا. على اية حال، فإن الاستقبال الحار الذي حظي به نتنياهو من لدن الكونغرس يبين سبب شعوره بقدر من القوة السياسية تجعله لا يتجاهل دعوة الرئيس اوباما لانسحاب اسرائيل الى حدود عام 1967 فحسب بل ان يرفضها كليا. اختار نتنياهو ان يحول جلسة لالتقاط الصور مع الرئيس اوباما قبل توجه الاخير الى اوروبا ليلقي محاضرة عن حدود 1967 واسباب اعتباره اياها حدودا لا يمكن الدفاع عنها. وشوهد الرئيس اوباما وهو يقف غاضبا يستمع الى رئيس الحكومة الاسرائيلية اثناء تكلمه. فاوباما يعتقد ان التغيرات التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط لا بد ان تؤثر على اسرائيل، وان على الاخيرة ان تتخذ خطوات جريئة لدرء مخاطر ازمات اخطر في المستقبل. الا ان نتنياهو اختار ان يعتمد نظرة لامن اسرائيل يعتقد انها كانت فعالة في الماضي، ولم يبد عليه انه يستوعب ان الشرق الاوسط الجديد الذي يولد الآن يتطلب طريقة جديدة في التفكير للتعامل معه. الذي سيحدث الآن على الاغلب هو ان الولاياتالمتحدة واسرائيل ستجلسان جانبا كمتفرجتين بينما يتغير العالم العربي امام اعينهما. المفارقة تكمن في ان الولاياتالمتحدة بعيدة عن مسرح الاحداث، وقوية للحد الذي تستطيع ان تعزل نفسها عن تأثيرات ما يحدث وسيحدث.