يترنح الاقتصاد الهش في قطاع غزة الفلسطيني بين سلسلة من الأزمات بفعل التوتر الحاد في العلاقة بين حركة ''حماس'' الإسلامية والنظام المصري الجديد. ودفعت الأزمة إلى انخفاض قياسي في القدرة الإنتاجية لقطاعات الصناعة في غزة وارتفاع حاد في معدلات الفقر والبطالة بين سكانه وفق مسؤولين ومراقبين اقتصاديين. وكان اقتصاد غزة يعتمد على أنفاق أرضية على الحدود مع مصر طوال سنوات الحصار غير أن حملة أمنية واسعة للجيش المصري أدت إلى إغلاق أكثر من 95% من الأنفاق وتوقف ما تصفه سلطات حماس بشريان الحياة. ويقدر حاتم عويضة وكيل وزارة الاقتصاد في حكومة حماس المقالة، تراجع معدل النمو في الناتج المحلي في قطاع غزة بنسبة 3 في المئة بفعل الحملة المصرية ضد أنفاق التهريب. ويقارن عويضة، هذا التراجع الحاصل في الناتج المحلي مع معدل النمو الذي تحقق العام الماضي بمقدار 13.5 في المئة و25 في المئة للعام الذي سبقه. وحسب عويضة، فإنه من المتوقع أن يصل معدل البطالة مع نهاية العام الجاري إلى 43 في المئة في حال استمرار الإجراءات المصرية على أنفاق التهريب بعد أن تراجع إلى 27 في المئة خلال العامين الماضيين. وتقول حكومة حماس إن الاقتصاد المحلي في غزة تكبد خسائر بقيمة 230 مليون دولار شهريا منذ أحداث 30 حزيران/يونيو الماضي في مصر والحملة المصرية لإغلاق أنفاق التهريب. وظلت الأنفاق محل اعتماد لتوريد 40% من احتياجات قطاع غزة الأساسية من مواد إنشائية ومواد خام ومستلزمات الإنتاج، في مقابل سماح إسرائيل بتوريد ما لا يتجاوز 35 إلى 40% من احتياجات القطاع، غالبيتها مواد استهلاكية لا يبنى عليها في تنمية وتطوير الاقتصاد. ويعاني السكان المحليون في غزة من آثار الحملة المصرية إذ ينقطع التيار الكهربائي لفترات طويلة بسبب توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل بسبب نفاد الوقود الذي كان يتم تهريبه عبر الأنفاق. وتصطف المركبات والشاحنات أمام محطات الوقود لساعات طويلة بسبب وقف تهريب الوقود المصري إلى القطاع الساحلي بشكل كبير، وسط شكاوي من سعر الوقود المورد من إسرائيل بسعر مضاعف. ويقول علي الحايك نائب رئيس الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، إن القطاعات الصناعية العاملة في غزة تأثرت بشكل كبير، وانخفضت طاقتها الإنتاجية بنسبة 90% من طاقتها الفعلية نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي لفترة 12 ساعة متواصلة يومياً. وأشار الحايك إلى أن أزمة الكهرباء دفعت بالعديد من أصحاب المصانع إلى تسريح عمالة كبيرة من هذه المصانع التي أصبحت شبه مغلقة منذ اشتداد أزمة انقطاع الكهرباء المتواصلة منذ شهر. ولفت إلى أن أزمة الكهرباء ألقت على كاهل الصناعي الفلسطيني بأعباء شراء السولار الإسرائيلي، ما زاد من تكاليف الإنتاج في هذه المصانع في ظل الركود الذي لا يسمح أصلا بترويج ما يتم إنتاجه. وبين أن قطاعات صناعية مهمة وحيوية تأثرت بشكل مباشر جراء انقطاع التيار الكهربائي، منها قطاع الصناعات الغذائية الذي تأثر نتيجة اضطرار بعض أصحاب المصانع إلى الاعتماد على الوقود الإسرائيلي المرتفع السعر، ما أضاف تكلفة إضافية على الإنتاج، بينما استبدل آخرون منهم ذلك بتغيير فترات العمل لتتلاءم مع أوقات توفر الكهرباء لمدة تصل إلى أقل من ست ساعات، ما يعني أن المصانع تعمل بشكل متقطع وغير منتظم. ويعد قطاع الإنشاءات الأكثر تضررا من أزمة إغلاق أنفاق التهريب بعد أن كانت مواد البناء تمثل المورد الرئيسي القادم عبر الأنفاق. وفيما سمحت إسرائيل في 22 من أيلول/ سبتمبر الماضي بإدخال مواد بناء لصالح التجار المحليين في غزة لأول مرة منذ منتصف عام 2007، إلا أنها ألغت ذلك بعد ثلاثة أسابيع فقط إثر اكتشافها نفقا أرضيا تم حفره من جنوب القطاع تجاه الأراضي الإسرائيلية. وقال مسؤولون محليون إن المنع المصري والإسرائيلي لإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة دفع إلى توقف شبه تام لقطاع الإنشاءات وحركة العمران في القطاع. إذ فيما واصل عدد محدود من الأنفاق العمل أو استأنفت نشاطها فإن ملاكها يتجنبون تهريب الأسمنت ومواد البناء الأخرى، نظرا لثقل أوزانها وصعوبة إدخالها، مع تفضيلهم تهريب سلع صغيرة وخفيفة. وقال نبيل أبو معيلق نقيب المقاولين في غزة، إن أزمة منع إدخال مواد البناء ''عطلت العمل الاستثماري العقاري والمشاريع الأخرى في القطاع بشكل كلي بسبب العجز الحاد في المواد الإنشائية المتوفرة في السوق''. وذكر أبو معليق، أن جميع المشاريع المحلية للأعمار وحتى المشاريع التي ترعاها الأممالمتحدة ومؤسسات دولية أخرى في غزة توقفت بشكل كامل بسبب أزمة منع دخول مواد البناء. ويقول خبراء إن من شأن استمرار حظر دخول مواد البناء تكبد اقتصاد غزة الهمش المزيد من الخسائر وتكريس واقع الفجوة المستمرة لقطاع الإنشاءات بين زيادة الطلب على المساكن وقلة المعروض منها. ويواجه قطاع غزة عجزا كبيرا في الحاجة إلى وحدات سكنية يصل عددها إلى أكثر من 91 ألف، فيما لم يتم تغطية سوى 14 في المئة منها خلال العامين الماضيين. إلى جانب ذلك حذرت مؤسسات دولية مرارا من حالة البنية التحتية المهترئة لقطاع غزة الذي يكتظ بأكثر من مليون ونصف نسمة، وحاجته إلى مشاريع ضخمة وتدفق منتظم لمواد البناء لإنعاشه. وشهد قطاع الإنشاءات في غزة طفرة نوعية خلال عامي 2011 و2012 نتيجة لازدهار مواد البناء عبر أنفاق التهريب مع مصر، وحينها ساهم مع قطاعي الخدمات والإدارة العامة بنسبة 70 في المئة من الناتج المحلي الذي سجل ارتفاعا في النمو خلال العامين المذكورين بنسبة 23 في المئة. ويقول الخبير الاقتصادي من غزة عمر شعبان، إن اقتصاد غزة شهد تعطلا حادا لكافة قطاعاته الإنتاجية تقريبا خلال النصف الثاني من العام المنقضي بفعل الأزمة مع مصر. وأشار شعبان، إلى أن أبرز قطاعات اقتصاد غزة الإنشائية يتمثل في قطاع الأعمار الذي كان يعتمد على مواد البناء المهربة من مصر، علما أن هذا القطاع يستوعب نحو 40% من الأيدي العاملة في غزة. وبين أن انقطاع توريد الوقود المهرب من مصر إلى غزة تسبب بشلل شبه كلي في قطاعات الاقتصاد المختلفة خصوصا في ظل أزمة تفاقم انقطاع التيار الكهربائي. وأشار شعبان إلى أنه ترتب على ذلك ارتفاع قياسي في معدلات البطالة والفقر وهو أمر يقول إنه سيكون مرشحا للتفاقم خلال العام المقبل في حال استمرار أزمة الانقسام الداخلي مع الضفة الغربية وعدم التمكن من إيجاد آليات عمل رسمية لمعابر قطاع غزة. وتذرعت إسرائيل مرارا في حظرها لإدخال مواد البناء إلى غزة باستخدامها من قبل جماعات مسلحة في بناء أنفاق عدائية لشن هجمات ضدها. وتقول حماس ومنظمات حقوقية محلية، إن إسرائيل تستخدم ذرائع أمنية واهية لتشديد حصار غزة.