رحل عاشق الإسكندرية، وساحر ليالي القاهرة، لحق برفيق دربه وتوأمه الفني "الشيخ إمام"، وبقيت انشودة "مصر ياما يا بهية" شاهدة على عشق هذين الرجلين لمصر، واختلاط حبات العرق السمراء بتراب الأرض، ورائحة مقاهي وسط البلد، وأكوام أوراق المثقفين واليساريين وأولاد البلد والباعة الجائلين. رحل "الفاجومي" و"شاعر العامية" و"سفير الفقراء" بالأمم المتحدة و"شاعر التمرد على النكسة" الشاعر أحمد فؤاد نجم عن عمر ناهز ال84 عامًا، بعد صراع مع المرض والحكومات والأنظمة المصرية والعربية، بدءًا من "ناصر" وحتى "مرسي"، مرورًا ب"السادات" و"مبارك". "أحمد فؤاد نجم" المولود في 23 مايو 1929 بقرية "كفر أبو نجم" التابعة ل"أبو حماد/ الشرقية"، الوالدة "فلاحة مصرية" والوالد "شرطي"، والأبناء (17 ولد وبنت) لم يتبق منهم سوى "أحمد" وخمسة آخرين، التحق ب"الكُتّاب" ثم بالمدارس، لكن وفاة الوالد و انتقاله لبيت خاله بالزقازيق أثر عليه، وألحقوه ب"ملجأ الأيتام"، وكان صديقه بالملجأ "العندليب - عبد الحليم حافظ". "رعاية البهايم" و"العمل بالكامب الانجليزي"، مهن صغيرة عمل بها "عم نجم" في بداية حياته بعد خروجه من "الملجأ" في عمر ال17، كما عمل أيضًا "مكوجي" و"ترزي" و"بنّا" و"لاعيب كورة"، وخلال انتقاله من مهنة إلى أخرى كان يختلط أكثر وأكثر بالفقراء و "الأرزوقية"، وفي نفس الوقت يتعلم "القراءة والكتابة" بشكل جيد ومتمرس، بعد أن التحق بالعمل في "مطابع الشيوعيين" في "فايد/ الإسماعيلية"، وهي المجموعة المقاومة للاحتلال الإنجليزي لمدن القناة. "صرخة البداية" كمعارض جاءت في وجه "قائد الكامب الإنجليزي"؛ فكان "نجم" وقتها يعمل ك(بائع)، واحتجزت بضاعته داخل المعسكر بعد اشتراكه في مظاهرات ضمت آلاف العمال، وساومه مسئول المعسكر في أخذ بضاعته والتوقف عن التظاهر، أو الرحيل وفقدان بضاعته ورأسماله؛ فآثر الرحيل و فقدان أمواله، ولا أن يفقد كرامته ووطنيته، ليعمل بعدها "عطشجي - عامل بالقطار" في هيئة السكك الحديدية. بعد 23 يوليو، تنسم "نجم" بعضا من نسيم الحرية والمساواة بين طبقات الشعب، إلا أن هذا الانسجام لم يدم طويلًا، وحدث الصدام بين "ناصر والشيوعيين" في 1959، وفيها اعتقل "نجم و4 من زملائه"، واحتجز داخل أحد اقسام الشرطة، وتعرض للضرب والتعذيب حتى رأى أحد أصدقائه يموت أمام عينيه، ووجهت إليهم تهمة إثارة الشغب وتحريض الجماهير على التظاهر. "إبداع من داخل زنزانة قراميدان"، فبعد سجنه لثلاث سنوات بتهمة التزوير، اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها "المجلس الأعلى للفنون و الآداب"، وفاز فيها بالجائزة، ليصدر ديوانه الشعري الأول "صور من الحياة والسجن"، وساعدته الكاتبة الصحفية و الأيبة "سهير القلماوي" بكتابة مقدمة الديوان، فاشتهر بدعمها ووقوفها بجانبه. بعد خروجه من السجن عُين موظف بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، مقيما في غرفة على سطح أحد البيوت ب"بولاق الدكرور"، بعدها تعرف على "الشيخ إمام"، ليكونا معا أشهر ثنائي مبدع في الشعر والتلحين و الغناء العامي في مصر، وامتدت مسيرتهما سويا منذ ستينات القرن الماضي و حتى رحيل "إمام"، رغم فترات الانفصال والاختلاف والعودة. "أول سجناء للأغنية في مصر"؛ فأشعار "نجم" وألحان وغناء "إمام" بعد النكسة كانت نقدًا لاذعًا للسلطة والقيادة العسكرية، وألقت بهما أغانيهما في السجن من جديد، ليتحولا بعدها إلا الإنشاد حبًا ودعمًا لمصر لتستفيق من نكستها، وتخرج "مصر ياما يا بهية" أيقونة "نجم والشيخ إمام". "نجم ونوارة وإبراهيم عيسى وحزب الوفد"، كلمات مفتاحية شكّلت موقف هام في حياة "عم نجم"، ففي منتصف 2010 انضم "فؤاد نجم" لحزب الوفد، وشاهد فترة انتخابات الحزب برئاسة "الدكتور السيد البدوي"، إلا أن بعد هذه الانتخابات حدثت أزمة الصحفي "إبراهيم عيسى - رئيس تحرير صحيفة الدستور"، ومقاله الأشهر "الآلهة لا تمرض"، وأزمة الصحفي مع "مبارك"، وخلالها؛ قام الدكتور "السيد البدوي" بفصل "عيسى" من رئاسة تحرير الجريدة، وكان "البدوي" قد اشترى "الدستور" في تلك السنة، فما كان من "عم نجم" إلا أن استقال من "الوفد" وتضامن مع "نوارة - ابنته" الصحفية في "الدستور" في تضامنها وزملائها مع "عيسى". تزوج "عم نجم" أكثر من مرة، أولها من "فاطمة منصور" منجبا منها "عفاف"، وتزوج من الصحفية الكاتبة "صافيناز كاظم"، منجبًا منها ابنته "نوارة" التي سماها "نوارة الانتصار" بعد ميلادها أثناء أحداث "حرب أكتوبر"، كما تزوج من المطربة "عزة بلبع"، و الجزائرية "سونيا مكيوي"، وأخيرًا من "أميمة عبد الوهاب".