''الصحف نفير السلام، وصوت الأمن وسيف الحق القاطع، ومجيرة المظلومين، وشكيمة الظالم، فهي تهز عروش القياصرة وتدك معاقل الظالمين''. كلمات وصف بها الروائي العالمي تولستوي الصحافة وما تمتلكه من قوة، واليوم في عيد الصحافة العالمي، الصحفيون يتسائلون ''أيمكن لهذه القوة أن تكون ذات تأثير بلا حرية تمكنها من ممارسة دورها''. منذ أيام خرجت علينا منظمة ''فريدوم هاوس'' الحقوقية، بتقريرها السنوي عن حرية الصحافة على مستوى العالم لعام 2012، أشارت فيه إلى تراجعت مصر إلى فئة الدول ''غير الحرة''. وعلى الصعيد المحلي فقد شهدت الآونة الأخيرة تعالي أصوات وإضرابات واعتصامات واحتجاجات في صفوف الصحفيين، مطالبين ب''حرية الصحافة''. ولكن ماذا يَقصد الصحفيون بمطلب حرية الصحافة؟، تقول نجلاء العمري مدير مكتب هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي بالقاهرة، '' إن مفهوم الحرية واسع، لكن يمكن أن تتحقق حرية الصحافة من خلال نص دستوري واضح عن الإعلام المرئي والإعلام المكتوب على أن يفرق بين كل منهما، ووضع قوانين أهمها قانون الحق في المعلومة، وهو القانون المعمول به في كل دول العالم، وهناك دولتين عربيتين تسبق مصر في ذلك هما تونس والأردن، بالإضافة إلى تنظيم ممارسة المهنة، على أن يكون هذا التنظيم قائم على الأسس السابقة، فضلًا عن اخلاقيات المهنة''. و ربما يتساءل كُثر وبماذا يضر المجتمع إذا قيدت الصحافة، تجيب الكاتبة فتحية العسال، '' يضار بالديكتاتورية، وحرمان سماع الكلمة، وحرمان سماع الحق؛ لان الصحافة هي لسان حال الشعب، وإذا قطعنا لسان الصحافة، نكون بذلك قطعنا لسان الشعب، وجنينا على عقله، وفكره، وتقدمه؛ لان حرية الصحافة من حرية الشعب والعكس صحيح''. في إحصائية للجنة الدولية لحماية حقوق الصحفيين حول الانتهاكات ضد الصحفيين في مصر، من الفترة بين مايو 2012 وحتى مايو 2013، قالت فيها '' شهيدًا، و 78 حالة اعتداء جسدي، و600 بلاغ ضد الصحفيين والإعلاميين''. وإذا كانت ثورة يناير قامت لأجل الديمقراطية التي تأتي متلازمة مع حرية الصحافة فلما لا تشرع الدولة القوانين الموفرة لحرية الصحافة، ولم الخوف من أن يحصل الصحفيين على الحرية كاملة؟، يقول أحمد سبيع، الصحفي والقيادي بحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين،'' نحن في مرحلة تحول ديمقراطي، تكمن خطورتها في إن كل جهة تحاول ان تأخذ مساحة لها على أرض الواقع، والصحافة إحدى هذه الجهات، ونحن لا نعارض حرية الصحافة وإنما لدينا إشكالية كبيرة تكمن في سيطرة رأس المال على الصحف، حيث يتدخل في عملها ويوجهها، كما إننا نحتاج إلى بنية مجتمعية قوية، وتنظيم ذاتي للمهنة، بحيث يكون هناك رقابة من المجتمع المدني على وسائل الإعلام، وجهات تقيم وتصحح المسار''، مؤكدًا أنه إذا كانت هناك ضوابط تقيم وتحاسب رئيس الجمهورية، والحكومة، وأعضاء مجلس الشعب المنتخبين، والقضاة أنفسهم، فالصحافة ليست في منأى عن ذلك، وليس هناك أحد فوق رأسه ريشة، لذا نأمل أن نتعامل مع إعلام بضوابط. يقودنا هذا إلى سؤال وهو ماذا إذا أخطأ الصحفي؟ كيف يعاقب؟، خاصة في ضوء رفض أغلبية الصحفيين لدستور مصر بعد ثورة يناير، وكان من أهم أسباب رفضهم له، إنه لم ينص صراحة على إلغاء عقوبة الحبس للصحفيين، معتبريه يفتح الباب لاستمرار هذه العقوبة التي يعارضها الصحفيون جميعًا. لكن لما الصحفيون خاصة؟ أهم فوق القانون؟. تقول مدير مكتب بي بي سي، ''في بريطانيا حين يتجاوز الصحفي يحاسب وفقًا للقانون الجنائي العام كأي مواطن، ولا يوجد ما يعرف بجرائم النشر''، مشيرة إلى إنه من الخطأ استثناء عقوبة الحبس عن الصحفيين فجريمة مثل السب والقذف يعاقب عليها أي مواطن. وكانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير نشرت تقرير فيديو يهدف إلى توثيق معظم حالات الانتهاك الجسدي التي وقعت ضد الصحفيين والمصورين المصريين منذ بداية عام 2013 وحتى مارس من العام ذاته، قالت فيه ''إن الاعتداءات على الصحفيين أسفرت خلال هذه المدة عن 53 حالة انتهاك جسدي ضد الصحفيين والمصورين''، لكن لنعتبر إن الصحفي حصل على الحرية كاملة والقوانين الحامية لها، فماذا يضمن له الا يتعرض لمثل هذه الاعتداءات؟. تقول العمري، ''هذا وهم، لا يمكن أن نتصور إننا إذا وضعنا نص دستوري سليم وقوانين حامية لحرية الصحافة، أن تتوقف الاعتداءات ضد الصحفيين، فالإعلام كاشف ومحاسب للسلطة الحاكمة وأيضا للمعارضة، لذا فهناك تعارض مصالح والإعلام في صراع دائم مع السلطات''، واستشهدت بتعرض ال بي بي سي للعديد من الأزمات من قبل عدد من الحكومات، وأكدت إن حائط الصد في هذا الشأن يأتي عندما تصبح وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وسائل إعلام مستقلة تعبر وتدافع عن نفسها، بالإضافة إلى قيام الصحفيين بالدفاع عن نفسهم. أخيرًا هل من سبيل يضمن تحقيق كلا طرفي المعادلة وهما حرية الصحافة ومسؤوليتها، أذكر إنه منذ أيام قدم استاذ الصحافة بكلية الإعلام بسيوني حمادة، مشروع ميثاق شرف مهني للصحفيين، يتضمن 65 التزام على عاتق الصحفي، أهمهم ألا يدعي أو يتهم أحد بلا دليل، وألا يعمم في إصدار الأحكام، كما قدم الميثاق العقوبات التي يحاسب بها الصحفي عند وقوعه في الخطأ تبدأ من تغريمه ماليًا وحتى شطبه من العمل الصحفي. بقي سؤال، هل من الممكن ان يدخل ميثاق كهذا حيز النقاش والتطبيق، بتأكيد إجابة هذا السؤال لدي أطراف هي السلطة ونقابة الصحفيين.