الدستور فى ألمانىا ىحمى الصحافة وأبناء المهنة ىصححون الأخطاء المواطن يدفع 71 يورو شهرياً لاستقلال الإعلام ليبعده عن أموال الحكومة وصلنا برلين بداية الأسبوع الماضي.. قبل السفر قالوا لنا.. احترسوا »الدنيا برد« هناك.. فغمرتنا الشمس بدفئها في مطار شوينفيلد الدولي.. فقال لنا أصدقاؤنا الألمان.. أتيتم ومعكم شمس القاهرة!! كانت الدعوة موجهة من أكاديمية الدويتش فيله الألمانية، لحضور ورشة عمل حول الصحافة والإعلام بين الحرية والمسئولية، ضمن لفيف من الزملاء بنقابة الصحفيين ولجنة الإعلام بمجلس الشعب والصحف القومية والخاصة والقنوات الفضائية والمواقع الالكترونية ومثلما تعد ألمانيا من أكبر اقتصاديات العالم.. تعتبر أيضاً عملاقاً في مجال الإعلام، فالمواطن الألماني ينفق الكثير من المال والوقت في استهلاك ملايين النسخ من الجرائد والمجلات ومتابعة القنوات والإذاعات. والمثير للإعجاب في بلد »اخترعت« الإعلام الحكومي الموجه، علي يدي جوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر.. إنها لا تملك الآن في ظل الديمقراطية أي وسائل إعلام تابعة للحكومة.. والأكثر من هذا أن الدستور الألماني ينص في بدايته علي ضمان حرية الصحافة.. ومع ذلك فهي حرية منضبطة ومسئولة إذا تعرفنا علي خريطة الإعلام في ألمانيا يمكننا أن نطلق عليها بلد »حرية الإعلام«.. حيث يصدر بها يوميا نحو ً 933 جريدة، ما بين صحيفة محلية تخص 61 ولاية تضمها ألمانيا، أو جريدة تتوزع علي مستوي الدولة، تقوم جميعها بتوزيع 12 مليون نسخة علي رأسها صحيفة »بيلد« التي توزع وحدها 4 ملايين نسخة يومياً، بجانب فرانكفورتر ألجامينة ودي فيلت وزود دويتشه. وبجانب كل ذلك هناك مليون و008 ألف نسخة تتوزع أسبوعياً من جرائد ومجلات شهيرة مثل دير شبيجل وشتيرن وفوكوس ودي تسايت وبونته، فالمجتمع الألماني يصدر نحو 004 جريدة، ويبلغ المتوسط اليومي لقراءة الصحف عند المواطن الألماني حوالي 53 دقيقة علي الأقل وفقاً لمجلس الصحافة الألماني وهو هيئة مستقلة تتكون من اتحاد الناشرين والصحفيين الألمان، وهدفه تقويم الأداء المهني في الصحف، وضمان عدم انحرافه عن الأخلاقيات المهنية المعروفة التي تضمن نزاهة العمل الصحفي وإخلاصه للمهنة وللصالح العام. ورغم ان المواطن الألماني يقضي ساعات طويلة في العمل، فإن متوسط ساعات المشاهدة لكل فرد تزيد قليلاً علي 4 ساعات يومياً والاستماع للإذاعة حوالي 081 دقيقة يومياً أيضاً. وتوجد في ألمانيا 212 قناة، 071 منها يبث محلياً علي مستوي الولايات، بجانب 02 قناة عمومية تشاهدها كل ألمانيا »قنوات مستقلة تدار بأموال عامة« و22 قناة خاصة ناطقة فقط بالألمانية، وفوق كل ذلك هناك الفضائيات الدولية التي يستقبلها الألمان، حيث ان 09٪ من الشعب يملك أطباقا فضائية تستقبل تلك القنوات. ويحتم القانون الألماني ضرورة الإفصاح عن مصادر تمويل الإعلام الخاص سواء كانت في صورة جرائد أو قنوات تليفزيونية أو إذاعية والتضليل في ذلك يعرض للجنايات، في ضوء سياسة عامة تؤكد حق المجتمع في المعرفة والوضوح وعدم الكذب أو التضليل أو الغموض. أما الإعلام العمومي فهو غير حكومي ويعمل باستقلالية تامة وفق القواعد المهنية لمهنة الإعلام رغم انه يدار بأموال عامة يضخها فيه البرلمان وذلك علي غرار هيئة الإذاعة البريطانية، ويأتي علي رأس هذه المؤسسات الدويتش فيله التي تأسست عام 0691 وظلت هي المهيمنة علي الساحة الإعلامية تليفزيونياً وإذاعياً في ألمانيا حتي عام 4891 عندما تم الترخيص لأول إذاعة خاصة وأول قناة تليفزيونية خاصة أيضاً، بجانب اتحاد هيئات التليفزيون والإذاعة العمومية »إيه. آر. دي« الذي تأسس عام 0591 والتليفزيون الثاني عام 1691. أما عن عدد مستخدمي الانترنت في ألمانيا فهم يزيدون علي 56 مليوناً و521 ألف مستخدم مما يجعل ألمانيا في المركز الخامس علي العالم من حيث انتشار الانترنت بعد الصين والولاياتالمتحدة واليابان والبرازيل وتسبق الهند وكل دول أوروبا. إعلام بدون فوضي والسؤال الآن: إذا كان الإعلام الألماني بهذه الكثافة.. فما الضمانات التي يوفرها الدستور الألماني لحرية الإعلام، في إطار الديمقراطية التي تتمتع بها البلاد؟ تأتي الإجابة علي لسان كريستوف لانتس مدير الإعلام الدولي بمؤسسة الدويتش فيله قائلاً: كفل الدستور الألماني هذه الحرية في صدارته، وبالتحديد في المادة الخامسة التي تضم فقرتين.. تنص الأولي علي أن لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالكلمة والكتابة والصورة، كما أن له الحق في تحصيل معرفته من المصادر المفتوحة للعامة دون إعاقة، ويجب ضمان حرية الصحافة وحرية الإدلاء بالأنباء الصحفية من خلال محطات الإرسال والإذاعة ولا يجوز إخضاعها للرقابة. ولكن استقلال الإعلام مستحيل إذا كان تمويله من الحكومة، فما الضمانات التي تحقق للدويتش فيله كجهاز إعلامي عمومي يدار بأموال عامة استقلاله؟ يجيب لانتس مؤكداً أن من يملك التمويل هو من يملك السلطة، كأنه يجسد المثل المصري الشهير »اطعم الفم تستحي العين«، فإذا قامت الحكومة كما يقول مدير الإعلام الدولي بتمويل البث ستسيطر علي محتواه، ومن هنا نرفض التمويل الحكومي، ونؤكد علي استقلال المؤسسة سواء في الميزانية أو الإدارة أو المحتوي المقدم للجمهور. والحل ان كل مواطن ألماني يسدد بالفعل اشتراكا شهريا قيمته 71 يورو تحقق أكثر من 8 مليارات يورو سنوياً تغطي تكاليف الإعلام العمومي كله، وهذا المبلغ لا تحدده الحكومة ولا المؤسسات الإعلامية، ولكن تقرره لجنة مستقلة من الخبراء في مختلف المجالات وباستشارة البرلمان. أما الجرائد والقنوات الخاصة فهي تعتمد في تمويلها علي الكيانات الاقتصادية الكبري التي تنشر صراحة مصادر تمويلها. التزام ذاتي لكن حقوق الصحافة وواجباتها ليست مطلقة كما تؤكد إيلا فاسينك مديرة الاتصال بمجلس الصحافة الألماني.. فهناك حقوق للصحفي وعليه أيضاً واجبات أثناء تأدية عمله. وتوضح ذلك قائلة: الأصل في الدستور واضح وهو أن الرقابة محظورة علي الصحفي طالما يؤدي عمله بأمانة ونزاهة، ولذلك كافح الصحفيون محاولة إصدار قانون فيدرالي يحد من حرية الصحافة، رغم وجود قوانين محدودة في الولايات تنظم عمل الصحف كشركات ولا تتدخل في حرية النشر. كما يحق للصحفي الاحتفاظ بمصادر معلوماته وعدم إفشاء أسرارها أو الكشف عنها، كما يتمتع بالحق في التزام الحكومة بالرد علي استفساراته، ولا تستطيع الحكومة أيضاً مصادرة أي جريدة، فإذا وقع الصحفي في أي خطأ مهني تقوم النقابة التابع لها بمحاسبته، بجانب حساب مجلس الصحافة الألماني لجهة النشر، مع كفالة حق المتضرر في الرد أو رفع دعوي قضائية ضد الناشر. ومن بين تلك الأخطاء التي يقع فيها الصحفي إثارة الشائعات أو انتهاك الخصوصية أو الكرامة الإنسانية أو نشر صور غير لائقة، أو نشر أخبار تحث علي التمييز أو أي فعل مؤثم بموجب القانون العام. ولأن المجلس مكون من جمعيات الناشرين ونقابات الصحفيين فهو يعد أحد أدوات التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة أي أن أبناء المهنة أنفسهم هم الذين يصححون الأخطاء التي يقع فيها زملاؤهم بدون تدخل من باقي السلطات أو قوانين استثنائية تفرض الحبس. وبخني شكراً وتأسس المجلس عام 6591 علي غرار مجلس الصحافة البريطاني، لتجنب صدور قانون فيدرالي لتنظيم الصحافة، حيث ثار الجدل وقتها لأهمية وجود قانون كان سيكون فيه أدوات للحد من حرية الصحفي، ويتكون المجلس من 83 عضواً نصفهم من الناشرين ونصفهم من الصحفيين وينصب اهتمامه علي صيانة سمعة الصحافة الألمانية ودعم حريتها وتسهيل وصول الصحفيين إلي مصادر الأخبار وتفعيل دور ميثاق الشرف الصحفي، واستقبال شكاوي المواطنين من الصحافة. وحول هذه النقطة تقول فاسينك: في العام الماضي 1102 استقبل المجلس ألفا و004 شكوي حول موضوعات نشرتها الصحف الألمانية، قمنا بالتحقيق فيها وثبت أن 07٪ منها صحيح، ففي إحدي الحالات تقدمت قارئة تشكو من صورة غلاف إحدي المجلات لشخصية عامة شهيرة علي فراش المرض في غرفة الانعاش.. وهكذا. وفيما يتعلق بالعقوبات التي يفرضها المجلس بعد التحقق من الشكاوي تقول: لا نملك سلطة قضائية تفرض غرامات مثلاً.. لكننا نصدر تقارير للتوبيخ والصحف ملزمة بنشرها.. فإذا امتنعت الصحيفة المخطئة عن النشر نشرته باقي الصحف. اللعب ممنوع وعلي غرار مجلس الصحافة الألماني بالنسبة للصحف والمجلات.. هناك مؤسسات تقوم بالتنظيم الذاتي للإعلام المرئي والمسموع بما يقوم أداء العاملين فيه ويرفع مهنيتهم ويمنع التدخل في المحتوي الذي يقدمونه للمواطنين. كما يقول د. هانز هيجه مدير مجلس الإعلام الخاص بولايتي برلين وبراندنبورج مضيفاً أن تنظيم الإعلام الخاص يتم بطريقة لا مركزية حتي لا نفتح الباب للديكتاتورية أو السلطوية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإعلام. ويعمل مجلس الإعلام الخاص من أجل هدفين محددين.. الأول منع الاحتكار أو انفراد قناة محددة بساعات المشاهدة، فإذا تعدت قناة أو شبكة 03٪ من نسب التلقي لدي المشاهدين قد ترغم علي بيع إحدي قنواتها حتي »لا تلعب في دماغ المشاهد وحدها«، أما الهدف الثاني فهو المهنة والتدريب. ويعيب الإعلام الخاص كما يقول د. هيجه الاهتمام بالتسلية والترفيه علي حساب المواد الجادة والثقافة والتنمية، كما يمثل البث التليفزيوني عبر الانترنت أحد أهم بواعث القلق لدينا نظراً لصعوبة متابعة ما يقدم من خلاله في إطار حماية الأحداثوالصغار.