مقعد خشبي أو حصير يفترشونه، تظل الوجوه ساعات ناظرة لتلك الخيوط التي اصطفت بدقة، والأيدي ممسكة بأخرى حريرية تحمل ألواناً سبق أن صبغوها، تسري بها في خفة وسرعة المعتاد على فعل ذلك، وكأنها تعزف على إحدى آلات الهارب الموسيقية أو القانون. الأيدي مختلفة لصغار وكبار ونساء ورجال، الجميع يتداخل بالخيوط في النول الذي احتجز مكانه ضمن محتويات المنزل الأساسية، ليشكلوا في النهاية إحدى قطع السجاد التي اشتهرت بها قرية ''ساقية أبو شعرة''. على البر الغربي لفرع دمياط 60 كم شمال القاهرة تقع ساقية ''أبو شعرة''، يحدها شرقا نهر النيل فرع دمياط وغربا قرية سنتريس وشمالا قرية الفرعونية وجنوباً قرية شنواي ويبلغ عدد سكانها نحو 30 ألف نسمة . الوضع بالقرية معتاد فيه أن ترى الأبناء يسارعون بالعودة للجلوس على النول مع الأب أو الأم، وربما تجد الأسرة كاملة تجلس على النول؛ فهي المهنة المتوارثة عبر الأجيال في قرية ''آشمون'' التابع لمحافظة المنوفية، فأغلب سكانها يعملون في صناعة السجاد اليدوي الحريري وهى من أشهر المناطق المصنعة والمصدرة له إلى الخارج له على مدار تاريخها، ولعل أرض القصور الملكية افترشت بسجاد حرير صنع أهل القرية . وإن كانت ''ساقية أبو شعرة'' تعد من القرى المصرية القديمة التي تحاول الاحتفاظ بصناعة السجاد، غير أن ترك أبنائها لتلك المهنة والعمل بأخرى، أصبح يهدد المهنة التي كان العمل بها منتظماً لعله يتخذ من الشق الأول من اسم القرية ''ساقية'' صفة له، بل ويزيد من فرص التحدي أمامها. وداخل القرية كان ''عادل شعبان'' - أحد العاملين بصناعة السجاد بالقرية - والذي قال إن مهنة صناعة السجاد متوارثة من الأجداد وداخل كل منزل يوجد نول يختلف حجمه من منزل لأخر يعمل بالمهنة جميع أفراد الأسرة ويتعلمها الأطفال من سن 4 سنوات لمساعدة الأهل لصعوبة المهنة. مابين 5-8 ساعات يومياً يقضي أهل ''أبو شعرة'' أمام نول السجاد، وإن كانت نسبة العاملين بالمهنة انخفضت من 80 % إلى 30 % خاصة بعد إهمال المسؤولين في الشئون الاجتماعية ووصول سعر المواد الخام إلى مبالغ هائلة، على حد قول شعبان. وعن سعر المواد الخام المستخدمة في صناعة السجاد أوضح ''شعبان'' أن سعر الحرير الخام الذي تعتمد عليه الصناعة وصل إلى 400 جنيه بعد أن كان 200 جنيه، وأن متر السجادة الواحدة يحتاج إلى 4 كيلو حرير. ولا يتوقف جهد صناعة السجاد على هذا النحو بل يحتاج الأمر وفقاً ل'' شعبان'' لأن يقوموا بشراء الحرير خام وصبغه في المنازل حسب الألوان التي تحتاجها السجادة ويستغرق صنع متر واحد من السجاد نحو شهرين والسجادة الكاملة نحو 4 شهور، لتبدأ بعدها معاناة التسويق . ''محمد صابر'' أحد أهالي القرية العاملين بالسجاد قال إنهم يواجهون مشاكل كبيرة من الحصول على الخامات وحتى تسويق المنتج فهم يقومون بتسويق المنتج بأنفسهم في المناطق السياحية بالهرم والحسين ويجدون صعوبة كبيرة في بيعه للتجار لقلة أعداد السياح وتراكم الإنتاج . ولأنه ربما لا يعلم الكثير كيف يتم صناعة السجاد لذلك أوضح '' صابر'' أنه يتم تصنيع السجادة على أربع مراحل تبدأ بإعداد النول من خلال تثبيت الخيوط التي يتم نسج السجادة عليها ثم تأتي المرحلة الثانية باختيار تصميم السجادة، وتفريغ هذا الرسم إلى ألوان على ورق الرسم البياني ليسير عليها العمال أثناء عملية التصنيع، لتأتي مرحلة صباغة خيوط الحرير البيضاء للحصول على الألوان المطلوبة وتتعلق المرحلة الأخيرة بإعداد السجادة للبيع من خلال غسلها وكيها وتغليفها. أما ''إبراهيم محمد'' يعمل بالمهنة منذ 28 عاماً منذ أن كان عمره 6 سنوات لأنه لا يوجد وظائف، قال إن المهنة تحتاج إلى تركيز كبير وعلى مدار السنوات تضعف البصر مشيراً إلى تخلى الشئون الاجتماعية عن دعمهم منذ سنوات طويلة بعد أن كانت مهمتها الأساسية هي جلب المواد الخام وتسويق المنتجات. لا تختلف حركة يدها في تحريك الخيوط على النول عن الكبار فهي أتقنت الصنعة مثلهم، وتربت عليها منذ سن الرابعة؛ '' حبيبة عادل'' ابنة السنوات التسع هي أصغر صانعة سجاد بالقرية، تعلمت المهنة منذ 5 سنوات خلال 6 أشهر هي وشقيقتها ''فاطمة'' التي تبلغ 12 عاماً، وهى تعمل ساعة يومياً بدلا من والدها. وعلى الرغم من حرص أباء قرية '' أبو شعرة'' على تعليم أبناءهم المهنة التي ورثوها عن الأجداد غير أنهم يتمنوا ألا يرثون معاناتها التي يشكون منها خاصة بعد ثورة 25 يناير، وهو ما أكده '' حمادة خالد''؛ حيث قال إن صناعة السجاد تأثرت بعد ثورة 25 يناير لارتباطها بالسياحة وانصرف الكثير من السائحين عن زيارة القرية مما أدى إلى انهيار الصناعة. وتابع أن أكثر من 50 % من أمهر الصناع الذين عملوا في هذه المهنة والتي كانت في وقت من الأوقات ضمن برامج السياحة لشركات السياحة العالمية هجروها بحثاً عن عمل يعينهم علي ظروف المعيشة الصعبة. وأشار ''خالد'' إلى أنه تم إنشاء جمعية تعاونية للعاملين بالسجاد وإشهارها عام 1991 وكان مهمتها التعامل مع الشئون الاجتماعية ولكن اختفى نشاطها منذ عام 1995 لكنهم ''لا نعلم عنها شيء''.