لم يدر ببال أسرة بسيطة يعمل الأب فيها ''ساعاتي'' و''مأذونا'' لأهل قريته، أن الصبي المولود لهم في 14 أكتوبر 1906 أن شانه سيرتفع في مجال الدعوة الإسلامية والمعارضة السياسية، وتصل فكرته ''الجماعة'' عبر الأجيال إلى سدة الحكم في مصر والدول المجاورة. ''الإمام''، ''الشيخ''، ''الداعي''، المعلم''، ''المرشد الأول''، ''الشهيد''، ''حسن البنا''.. عد من الألقاب ما شئت؛ فهذا الرجل مهما اختلفت الآراء أو اتفقت حوله إلا أن أثره الممتد حتى اليوم و''مشروع النهضة'' الذي حلم به وقت تأسيس ''جماعة الإخوان المسلمين'' وظل قائماً عبر الأجيال يستحق الإشادة بحق. ''حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتي''، ولد في المحمودية - البحيرة، وتميز منذ صغره بالنبوغ الدراسي والميل للقيادة بين أقرانه، وعندما التحق ''بمدرسة المعلمين'' بدمنهور أنشأ ''الجمعية الحصافية الخيرية'' لنشر الدعوة الإسلامية للأخلاق والفضيلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات، فضلاً عن منافسة ''الرسائل التبشيرية'' المنتشرة آنذاك في مدارس الرعاة والمستشفيات وغيرها. ينتقل ''البنا'' للقاهرة'' للالتحاق بمدرسة ''دار العلوم''، ويشترك في ''جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية'' ويتتلمذ على أيدي شيوخ كبار أمثال ''محمد زهران و عبد الوهاب الحصافي'' وغيرهم، ويتبلور داخله حلم ''أن يكون معلماً مرشداً'' وسيلته ''تعليم الدين والخطابة والحوار والتأليف والتجول والسياحة''. يتخرج ''البنا'' ويكون ''الأول على دفعته'' عام 1927، ويعمل ''معلماً'' بالإسماعيلية، وفي العام التالي تتأسس ''جماعة الإخوان المسلمين'' بعد معاهدة ''البنا، زكي المغربي، فؤاد إبراهيم، إسماعيل عز، حافظ عبد الحميد، عبد الرحمن حسب الله، أحمد الحصري''، ويبدأ ''البنا'' في خوض الانتخابات بإحدى دوائر القاهرة ولكنه لم يفز وقتها يبدأ نجم ''الإخوان'' في الصعود، وينضم لها العديد والعديد من الرجال والشباب خلال محافظات الجمهورية، وتبدأ في ''مناطحة'' الأحزاب السياسية وقتها و معارضتها بقوة رفضا لتواجد الاحتلال على أرض مصر، وتشترك ''كتيبة'' منها في ''حرب فلسطين''. يعلن ''النقراشي باشا'' رئيس الوزراء في ديسمبر 1948 ''حل جماعة الإخوان'' لأول مرة في تاريخها، ومصادرة أموالها واعتقال قياداتها من بينهم شقيقي ''البنا''، وتبدأ عمليات ''الاغتيال'' ويشهد ''البهو الفرعوني'' بمبنى البرلمان اغتيال ''أحمد ماهر باشا'' على يد ''محمود العيسوي''، وتشكك الجماعة لاحقاً في انتسابه لهم وتزعم انضمامه ''للحزب الوطني'' وقتها. ويرد ''البوليس'' على كل هذا ''بتصفية البنا شخصيا''، ويغتال ''المرشد الأول'' في مثل هذا اليوم 12 فبراير 1949 مساء السبت، برصاصات أمام مكتبه و برفقة ''رئيس جمعية الشبان المسلمين''، وتفيض روحه بمستشفى ''قصر العيني''، وتشيع جنازته تحت تهديدات أمنية باعتقال مشيعيها، ولا يرافقه سوى ''مكرم عبيد'' باشا والقليل من أهله إلى مثواه الأخير، وتبقى مقولته الخالدة ''لهذا خلق الله الندم'' رفيقته بعد كفاح طويل انتهى ''بالرصاص''. أنتج ''البنا'' عدد كبير من الكتابات والمؤلفات منها ''مقاصد القرآن الكريم، الرسائل، مذكرات الدعوة والداعية ''وهي سيرة ذاتية تروي حياته''، المرأة المسلمة، السلام في الإسلام، وغيرها''، وتستمر ''الجماعة'' مشروعه الأكبر في العمل في الظل والنور تارة بالتحالف مع الحكومات وتارة ضدها. وبعد أكثر من نصف قرن على اغتيال ''البنا'' يصل رعيل من أبناء ''جماعة الإخوان المسلمين'' ذات التنظيم الدولي إلى سدة الحكم في مصر وتونس و المغرب وقطاع غزة وغيرها.