حذر تقرير لمؤسسة القدس الدولية من أن المدينة المقدسة تقف اليوم على مفترق طرق حيث تعصف بها رياح التهويد محاولة سلخها عن تاريخها العربي والإسلامي وصبغها بطابع يهودي غريب عن أرضها وأهلها ومقدساتها. وأشار التقرير الذي أطلقته المؤسسة اليوم في بيروت في مؤتمر صحفي بعنوان ''تقرير حال القدس 2012: مسار الأحداث والمآلات'' إلى أن الذين يقبضون على الجمر من أهل المدينة المقدسيون يحاولون إنقاذ المدينة من حبائل التهويد الملتفة حول هويتها يرفدهم أهالي الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948. واعتبر مدير عام مؤسسة القدس الدولية ياسين حمود أن تطور الأحداث كما شهدها عام 2012 المنصرم معطوفا على ضعف المواقف العربية والإسلامية وتراخي المواقف الدولية وميلها إلى الموازنة بين استرضاء إسرائيل من جهة وضرورة عدم السكوت على انتهاكاتها المتمادية كل ذلك يشير إلى أن المخاطر التي تنتظر القدس ليست بأقل مما كانت عليه في السنوات الماضية لا بل هي مخاطر متراكمة أسس لها الاحتلال الإسرائيلي عبر ممارسات عمرها من عمر احتلاله للمدينة المقدسة. ولفت التقرير إلى أنه في إطار محاولات السيطرة على الأقصى جنوح سلطات الاحتلال إلى فكرة تقسيم المسجد كحل عملي مؤقت ريثما يتحقق حلمها في إقامة ''المعبد'' المزعوم على أنقاض قبة الصخرة. وأوضح التقرير أن فكرة التقسيم خرجت إلى العلن بشكل كبير بلغ حدا متقدما من خلال الحفريات التي تحاكي مدينة يهودية تحت المسجد وقد بلغ عددها حوالي 47 موقعا والكنس التي تزرع في محيطه وقد كان آخرها إقرار بناء ''كنيس بيت الجوهر'' في أقصى غرب ساحة البراق و''كنيس جوهرة إسرائيل'' الذي لا يبعد عن الأقصى أكثر من 200 متر علاوة على كونه مقاما على أنقاض مصلى إسلامي مصادر. ويضاف إلى ذلك التضييق المستمر على عمار المسجد الأقصى وفرض شروط تقلص من أعدادهم وتواجدهم في المسجد خصوصا أن عمارة المسجد بالمصلين والمرابطين أثبتت أنها درع الحماية الذي لم تتمكن سلطات الاحتلال من تحييده عن المسجد إلى الآن، حسب التقرير. وأشار تقرير مؤسسة القدس الدولية إلى تزايد الضغوط على المقدسيين ولاسيما من خلال اتساع حالات الفقر لتتجاوز 77 في المئة وتزايد سياسات الإفقار كما تتجلى من خلال واقع يدين فيه أكثر من 75\% من أرباب الأسر المقدسية لبلدية الاحتلال على شكل ضرائب ورسوم وغرامات وفوائد متراكمة. ومن الممارسات الأخرى التي تلجأ إليها سلطات الاحتلال كما يشير إليها التقرير التحكم في حرية الحركة وإغلاق الحواجز. وأكد التقرير أن الزحف اليهودي إلى قلب الأحياء العربية لم يهدأ حيث تمكن المتطرفون اليهود من الاستحواذ على عقارات جديدة في عمق الأحياء العربية كذلك لم تستكن جرائم الكراهية والعنصرية التي مارسها مستوطنون بحق المقدسيين وفوق ذلك كله لم يسلم مسيحيو القدس من السياسات الاحتلالية وظهرت قضية فواتير المياه المترتبة على كنيسة القيامة وارتداداتها حيث حاول الاحتلال ومؤسساته إغراق الكنيسة بديون كبيرة مما أدى إلى تهديد رجال الدين المسيحيين بإغلاق الكنيسة إذا استمر ابتزاز الاحتلال للمسيحيين. واعتبر التقرير أن حصول فلسطين على صفة دولة مراقب لا يكفي لقلب الموازين ولابد من تعزيزها بخطوات متماسكة تساعد الفلسطينيين على حمل ملف الاستيطان وغيره إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولاحظ تناقض الموقف الأوروبي حيث لا تنفك الدول الأوروبية تندد بالاستيطان في وقت تصل قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من المستوطنات غير الشرعية المقامة في الضفة الغربية بما فيها شرق القدس إلى حوالي 300 مليون دولار أي ما يعادل 15 ضعف ما تستورده من الفلسطينيين. وعن ملامح المرحلة المقبلة، أبرز التقرير ما يمكن أن يؤول إليه المشهد المقدسي الذي يتجه إلى المزيد من المخاطر خصوصا مع تعزيز الأصوات المتطرفة المنادية بتقسيم المسجد الأقصى وبناء ''المعبد'' والاعتراف ب ''حق'' اليهود في الصلاة هناك. ويؤكد تقرير مؤسسة القدس الدولية أن القدس ستتعرض إلى مزيد من الاعتداءات الممنهجة والتي سيتناوب على تنفيذها المتطرفون اليهود والجمعيات الاستيطانية وبلدية الاحتلال في القدس وحكومة الاحتلال. ويرى التقرير أن محاولات الاحتلال لطرد المقدسيين ستستمر وربما تفلح في نهاية المطاف خصوصا في حي البستان جنوب الأقصى ومحاولات تثبيت الوجود اليهودي في المسجد الأقصى لن تتوقف ومن المحتمل أن ينجح الاحتلال في تكريس سياسة السماح لليهود في الصلاة في المسجد الاقصى بشكل فردي وجماعي ولاسيما في ظل تصاعد متوقع للغطاء السياسي والديني والقانوني الإسرائيلي لمثل هكذا مخططات. وأشار التقرير إلى أن احتمال تصاعد الاعتداءات في المرحلة المقبلة واضح من استمرار وتيرتها المتصاعدة على نحو مضطرد منذ بداية عام 2013 حيث استمرت سياسة هدم منازل المقدسيين وتوزيع اخطارات الهدم واقتحامات الأقصى التي لم تهدأ. واشار التقرير إلى أن الاقتحامات هذه تكللت أخيرا باقتحام عضو ''الكنيست'' من حزب الليكود المتطرف موشيه فيجلن للمسجد الأقصى في 5 فبراير الجاري بمناسبة افتتاح دورة ''الكنيست'' ال(19) فيما سبق ذلك ظهور الفيلم الذي أنتجته وزارة الخارجية الإسرائيلية والذي تتلاشى فيه قبة الصخرة ليظهر مكانها ''المعبد'' المزعوم. ولفت إلى أن عام 2013 حمل تباشير تقدم في الصمود حيث عكست القرى التي أنشأها ناشطون فلسطينيون في القدس كقرية باب الشمس وباب الكرامة وصمود الزيتون رفض المجتمع المقدسي للممارسات الاحتلالية وفي مقدمها الاستيطان. وشدد على أن طبيعة الصراع مع الاحتلال متعددة الأوجه فهي معركة سياسية ودينية واقتصادية وإعلامية واجتماعية وتنموية وغير ذلك ولابد من صياغة استراتيجية عملية تراعي تعدد أوجه الصراع مع الاحتلال بحيث تقوم كل شريحة في الأمة العربية والإسلامية بدورها وواجبها تجاه القدس.