تحل الذكرى الثالثة والأربعين لإحراق المسجد الأقصى يوم الثلاثاء القادم مع حرب شرسة تحاك ضد مدينة القدس بشكل عام والمسجد الأقصى بشكل خاص. و أشارت مؤسسة الأقصى إلى أن هناك مقترح احتلالي خطير له تبعات وآثار كارثية على مصير المسجد الأقصى، وجاء هذا الإعلان نتيجة تصريحات رئيس الائتلاف الحكومي وعضو الكنيست عن حزب "الليكود "زئيف الكين" التي أكد فيها على ضرورة فرض الوجود يهودي في المسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية ومنع المسلمين من دخوله، هذا على غرار ما يحدث في المسجد الإبراهيمي. ودعت مؤسسة الأقصى العالم الإسلامي والعربي والفلسطيني إلى تحرك فوري وعاجل لمنع تنفيذ مثل هذا السيناريو الخطير كما دعت المؤسسة أهل القدس والداخل ومن يستطيع الوصول إلى الأقصى من أهل الضفة الغربية إلى تكثيف شد الرحال والرباط الدائم والباكر في المسجد الأقصى. واعتبرت مؤسسة الأقصى أن ما يمر به المسجد الأقصى هو لحظات مصيرية واعتداء محتمل لا يقل خطراً وحجما عن جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 1969.
ويذكر بان مجموعة من المتطرفين الاسرائيلييم قاموا بعدد من الحملات العدوانية على المسجد الأقصى عام 1969، وتمت هذه الحملات بإيعاز وتشجيع من الدوائر السياسية والأمنية "الإسرائيلية" الرسمية، إذ أحرق المتطرفون "الإسرائيليون" المسجد بطريقة لا يمكن لسلطات الاحتلال أن تكون بمنأى أو معزل عنها، حيث قامت هذه السلطات بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق وحاولت منع المقدسيين وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية من الوصول إلى المنطقة والقيام بعملية الإطفاء. وكاد الحريق أن يلتهم قبة المسجد المبارك لولا استماتة هؤلاء الأبرار في عملية الإطفاء لكن بعد أن أتى على منبر المسجد وسقوف ثلاثة من أروقته وجزءٍ كبير من سطحه الجنوبي. وفي محاولة للتغطية على ذلك ادعت "إسرائيل" يومها أن "ماساً كهربائياً تسبب في الحريق"، إلا أن تقارير المهندسين الفلسطينيين دحضت ذلك الإدعاء وأكدت أنه تم بفعل أيد مجرمة وهو الأمر الذي أجبر قادة العدو على التراجع عن ادعائهم وتحويل الشبهة إلى شاب أسترالي يدعى دينيس مايكل وليام موهان. واعتقلت "إسرائيل" ذلك الشاب وكان يهوديا أستراليا وتظاهرت بأنها ستقدمه للمحاكمة في عملية احتيال التفافية لامتصاص غضبة الفلسطينيين و العرب.
وفى محاولة للالتفاف على العدالة أطلقت إسرائيل سراح هذا الشاب والذي اتهمته بحريق المسجد الأقصى متذرعة بأنه كان "معتوها".
وقد أثار إرتكاب "إسرائيل" جريمة حرق المسجد الأقصى والتعامل معها بطريقة استفزازية عدداً كبيراً في الأوساط العربية والإسلامية وخاصة الفلسطينية لما يمثله المسجد كمكان ديني مقدس وواحد من أبرز معالم الحضارة الإنسانية الأمر الذي فرض على مجلس الأمن الدولي إصدار قراره الشهير الذي حمل الرقم 271.
وفي ذلك القرار أدان المجلس "إسرائيل" لتدنيسها المسجد ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة، وعبر القرار عن حزن المجلس للضرر الفادح الذي ألحقه الحريق بالمسجد في ظل الاحتلال"الإسرائيلي" ودعاها من جديد إلى التقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري. كما دعاها إلى الامتناع عن إعاقة عمل المجلس الإسلامي في المدينة المعني بصيانة وإصلاح وترميم الأماكن المقدسة الإسلامية. و أجمع الباحثون والمحللون العرب على أن حريق المسجد الأقصى المتعمد يعد محطة رئيسية من محطات الإرهاب "الإسرائيلي" وحلقة بارزة من حلقات المسلسل "الإسرائيلي" المستمر للممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية بحق الفلسطينيين وأملاكهم وأوقافهم وأماكن عباداتهم الإسلامية والمسيحية تحت سمع وبصر العالم أجمع. ومنذ وقوع الشطر الشرقي لمدينة القدس في قبضة الاحتلال وحتى اللحظة الراهنة لم يوقف "الإسرائيليون" مجازرهم الإجرامية بحق المصلين في المسجد الأقصى الشريف ولم يكفوا عن محاولة اقتحامه والتهديد بهدمه ونسفه بالمتفجرات وضربه بالصواريخ لإقامة هيكلهم المزعوم فوق أنقاضه. وكانت مجزرة عام 1990 واحدة من المجازر البربرية التي ارتكبها هؤلاء، والتي هدر "الإسرائيليون" فيها دم 22 فلسطينياً غدراً وهم في لحظات التضرع إلى الله.
ولم يوقف "الإسرائيليون" الحفريات حول المسجد المبارك وفي باطن أرضه وفي الأماكن المحيطة به لحظة واحدة، فقد تواصلت الحفريات بشكل محموم بذريعة البحث والتنقيب عن آثار هيكل سليمان وذرائع أخرى واهية. ولم تستثن الحفريات بيتا عربيا أو مدرسة أو دار علم يملكها عربي، وبموازاة ذلك دأبوا منذ عام 1968 على حفر الأنفاق تحت الحرم القدسي الشريف. ففي ذلك العام شرعوا بحفر نفق عميق وطويل أدخلوا إليه سفر التوراة وشيدوا في داخله كنيساً يهودياً. ويذكر بان عملية حفر الأنفاق بلغت ذروتها في سبتمبر 1996، عندما أقدموا على حفر نفق يمر أسفل السور العربي للمسجد ويربط بين حائط البراق وطريق الآلام الأمر الذي أثار في حفيظة المقدسيين وأشعل موجة من المواجهات المسلحة التي اتسعت رقعتها لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأسفرت تلك المواجهات عن سقوط 65 فلسطينياً و 15 جندياً إسرائيلياً، وذلك في ظل تنامي الحديث عن السلام الكاذب الذي تواتر على خلفيته مؤتمر مدريد المشئوم واتفاقية أوسلو.
كما فشلت مجموعات يهودية متطرفة رافقها حاخامات ونواب "إسرائيليون" يمينيون وشخصيات "إسرائيلية" شعبية في اقتحام المسجد بشكل جماعي في أغسطس عام 2005 عبر باب الأسباط بعد أن تصدى لها حراسه والمرابطون بداخله ومن وحوله.
وليلة التاسع من أغسطس من نفس العام تكررت المحاولة عبر بابي حطة والسلسلة إلا أنها منيت بالفشل أيضاً، ومنذ الرابع عشر من ذات الشهر والعام الذي توافق مع ذكرى ما يسمونه "خراب الهيكل الثاني" استأنف المتطرفون اليهود محاولات اقتحام المسجد جماعيا وفرديا. وفي واحدة من تلك المحاولات الإجرامية، ألقت الشرطة "الإسرائيلية" القبض على متطرفين حاولا الدخول إليه عبر بابين مختلفين. وتكررت في الأعوام الخمسة الماضية المحاولات بشكل مكثف ومتواصل وترافقت تلك المحاولات مع تهديدات شرسة وحاقدة من أعضاء في الكنيست "الإسرائيلي" وزعماء أحزاب طالبوا فيها بتدمير المسجد انتقاما لقتلاهم و"تحرير" أسراهم لدى المقاومتين الفلسطينية واللبنانية. كما قامت "إسرائيل" بافتتاح ما أسمته "كنيس الخراب" على بعد بضعة أمتار من المسجد الأقصى تهيئة لتحقيق الحلم الإسرائيلي في إقامة الهيكل اليهودي المزعوم على أنقاض الأقصى. وهذا الآمر كان وما زال موضع استنكار دولي صارخ عبرت عنه سلسلة من القرارات الدولية المتلاحقة التي صدرت عن منظمة الأممالمتحدة، فضلاً عن فيض من بيانات الشجب والإدانة التي أطلقها قادة عالميون إلى جانب الرفض العربي والإسلامي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص والذي ما برح يعبر عن نفسه بشتى الأساليب والوسائل التي يجيزها القانون الدولي بما في ذلك ممارسة المقاومة المسلحة والقيام بالانتفاضات الشعبية التي كان آخرها انتفاضة الأقصى المباركة التي تفجرت في 28 سبتمبر 2000 والتي تمكنت من دحر الاحتلال وفرضت عليه الانكفاء عن قطاع غزة في 17 أغسطس 2005.
وشكل ذلك الاقتحام لساحة المسجد الشرارة التي أشعلت فتيل الانتفاضة الشعبية الثانية التي حملت اسم المسجد المبارك.
فحملات "إسرائيل" التغيرية والتهويدية المسعورة للمسجد الأقصى قد بدأت مع احتلال الشطر الشرقي للمدينة المقدسة في يونيو 1967، واستمرت في ظل "اتفاقية أوسلو" وما أعقبها من مفاوضات وتفاهمات عقيمة بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" تارة برعاية رباعية منحازة وتارة أخرى برعاية أمريكية أكثر انحيازاً والتي تصاعدت وتيرتها في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي دأب جنودها على شنها ضد الفلسطينيين الآمنين بطريقة عدوانية متواصلة. وجاءت تلك الحملات قبل البدء ببناء جدار الفصل العنصري واستمرت في ذروة بنائه وبعد الانتهاء منه ولا يبدو أن لها نهاية أو مستقراً طالما أن المطامع "الإسرائيلية" التوسعية قائمة ومستمرة في ظل انحياز أميركي وتواطؤ أوروبي. وبقي المسجد الأقصى المبارك الذي يعتبر أولى القبلتين وثالث الحرمين بالنسبة للمسلمين في العالم من أولويات أهداف التغيير عند "إسرائيل" بشكل دائم ومستمر بزعم وجود جبل الهيكل اليهودي تحت أرضه واتخذ التغيير فيه أشكالا مختلفة منها العبث بمحيطه وباطن أرضه والتحدي السافر لرواده وعمليات الاقتحام المتتالية له وما زالوا يقومون بها حتى الآن. ومن هنا جاءت مخاوف المحللين على المسجد الأقصى بشكل خاص ومدينة القدس بشكل عام حيث تصاعدت وتضاعفت هذه المحاولات بطريقة كبيرة ومستمرة لتغيير معالم المدينة المقدسة والعبث بتراثها الحضاري أملا في إلغاء هويتها العربية وتهويدها، وهو ما يعد تحد سافر ومهين لمشاعر أبنائها من الديانتين الإسلامية والمسيحية بل وللعالمين العربي والإسلامي.