في صف واحد وقفوا كأنهم بنيان مرصوص، يحمل كل واحد منهم ''لافتة'' تعبر عن شيء ما يعتقدون أنه يجب أن يتغير للأفضل؛ أحد اللافتات تتحدث عن الفساد المؤسسي، أخرى عن الدستور ولافتة عن السلطة الحاكمة الآن وكيف أنها لا تهتم بمواطنيها. لا يهم أن أعمار هذه الأسرة المصرية المتوسطة تراوحت بين الأربع سنوات وحتى الخمسين سنة؛ طالما أنهم أسرة واحدة اتفق أعضاؤها على أن ثورتهم ضد ما يرونه خطأ مستمر. أما رب الأسرة فهو ''أحمد حسني''؛ الذي كان يذهب وحده إلى الميدان في أيام الثورة، لكن اليوم أطفاله هم من طلبوا منه النزول معه، يقول الأب أنه لم يشعر أن أهداف الثورة تحققت إلى الآن؛ ''فلا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية''، وأن المواطن المصري بالنسبة للحكومة أصبح '' شوية كوبونات.. كوبونات عيش وبنزين وأنبوبة، باختصار المواطن الفقير لا يملك أى فرصة للعيش''. ويتابع رب الأسرة ليقول :'' للأسف منذ بداية الثورة إلى هذه اللحظة لم أر أي مسئول عن قتل الشهداء حصل على جزائه، ولمدة عامين لا يوجد قرار ثوري واحد تم اتخاذه ومثلما كنا نحلم، لأن لو كان في رئيس ثوري كان هيكون وضعنا مختلف، للأسف أنا شايف إن الوضع مأساوي، عشان كدة أنا نزلت أقول إن الثورة مستمرة''. يوضح الأب الخمسيني العمر أنه بالرغم من ذلك متفائل من المشهد في ميدان التحرير، وأن الشعب المصري لا ينخدع بل هو الذى يقود المسيرة إلى الأمام، ويضيف ''أحمد'' موجها كلامه لابنته الصغيرة ذي الأربع سنوات ''إيمان'' و للواقفين أمامه أن '' احنا النهاردة نازلين نأكد إن يوم 25 يناير كان يوم عدالة وكرامة عشان بلدنا مصر تتقدم للأمام، لآن خلاص الشعب المصري ''دفع الفاتورة''، والقطر بيتحرك للأمام مش بيرجع للوراء''. وعلى الرغم من صغر سن ابنته ''إيمان'' إلا أنها أحد أبنائه الذين شجعوه على النزول قائلة له '' ننزل ساعتين بس ونرجع يا بابا''. وإلى جانب الأب وقف ابنه ''إبراهيم'' الذي لم يتم عامه الثاني عشر بعد، رافعا '' لافتة'' أخرى ضد ما يراه ظلما، مؤكداً على ذلك بقوله '' أنا نزلت مع أهلي النهاردة عشان لسه في حاجات كتير ما اتصلحتش فى بلدنا، وللأسف الإخوان عايزه تستحوذ على كل حاجة، واحنا مش هينفع نرجع زي الأول، لآن دى بلدنا كلنا''. أما هي فكانت الأخت الأكبر فيهم، فكانت تمسك لافتة كتب عليها '' المواد الدستورية الخلافية كارثية ويجب تعديلها''، وتهتف أحيانا مع والدها وأحيان أخرى تحاول شرح سبب وجودها مع أسرتها في الميدان للذين تعجبوا من وجود العائلة بأكملها على أرضه. ''أمنية'' التي لها من العمر خمسة عشر عاماً ترى أن '' مفيش حاجة اتغيرت، كان أملنا نلاقي تغيير أو أي حاجة، كل حاجة نفس الآليات، زي مثلاً مهرجانات البراءة، بس احنا ثورتنا مستمرة ومش عايزين النظام يمشي لأننا هندي مرسي فرصة بس هنعارضه في نفس الوقت''. عمر ''أمنية'' لم يمنعها من الكلام في السياسة والخوض فيها، بل والنزول في معظم أيام الثورة حتى مع وجود نسبة من الخطر، بل تعتقد أن جيلها يتم تهميشه عمداً حتى لا يشارك في بناء الوطن. أما ''إسماعيل'' أحد أعضاء '' الأسرة الثورية'' ذو التسع أعوام؛ فقد نزل للميدان مع أسرته كي يؤكد أيضا على المطالب التي لم يتم تحقيقها حتى الآن، مثل '' الحد الأدنى والأقصى للأجور، وكان نفسى تكون أول مادة فى الدستور، لسه المطالب بتاعتنا ما اتحققتش، ولسه العيش والحرية والعدالة الاجتماعية مجوش''، مؤكدا على كلام إخوته من قبل '' احنا مش نازلين نسقط النظام، احنا عايزين الحق يرجع''. وفي النهاية وقفت الأم بجانبهم جميعا تبتسم هي الأخرى حتى ولو كانت مطالبهم لم تتحقق؛ خاصة وأن عملها كمعلمة جعلها ترى الفساد بشكل أوسع . لعل هذا ما جعلها تحمل ''لافتة'' تتحدث كلماتها عن الفساد المؤسسي، فتحكي أن'' احنا عندنا في المدرسة قالولنا هيزودوا مرتباتنا عشان الكادر، وبعدين رجعوا في كلامهم، ودلوقتي كمان بيخصموا مننا أكتر''، مشيرة إلى أنها لم تأت لإسقاط النظام بل لكي تحاول مع أسرتها استرداد الحقوق الضائعة.