القاهرة - تحتاج مصر لرفع معدلات الإنتاجية لديها خلال السنوات العشر المقبلة لتعوض أثر الأزمة المالية العالمية على اقتصادها والمرجح أن يستمر مؤثرا على قدرتها على النمو لعقد قادم، بحسب ما تخلص إليه ورقة بحثية صادرة عن البنك الدولى، بعنوان مصر ما بعد الأزمة.. التحديات متوسطة الأجل للنمو المستدام. ورغم أن الورقة تتوقع عودة معدلات الاستثمار الخاص لمستوى ما قبل الأزمة، بحلول عام 2012، إلا أن هذا لا يعنى عودة النمو لمستوياته التى كان سيحققها إذا استمر فى النمو دون أن يعترضه الانهيار المالى العالمى. وتحلل الورقة تأثير الأزمة المالية على الاقتصاد المصرى فى ضوء نمط نموه خلال العقدين السابقين، والذى قاده بالأساس تراكم رأس المال، بينما لم يساهم عنصر العمل فى نموه الاقتصادى بأكثر من 30%، مما فاقم من تأثير الأزمة على النمو. فقد كان تراجع الاستثمار الخاص أكبر الخسائر التى جناها الاقتصادمن الأزمة، وهو ما ترجعه الورقة لطبيعة الاقتصاد المصرى المعتمد بشكل مكثف على عنصر رأس المال، فلو كان عنصر العمل يساهم ب40% من الناتج، لكانت الخسارة فى الناتج قد تراجعت للنصف. وقد تمت مواجهة الأزمة بشكل اساسى فى مصر من خلال حزم الإنفاق التنشيطى والتى مثلت عبئا على الموازنة تبعا للدراسة ولكن بعض عناصرها كانت مناسبة كإجراءات مؤقتة لمساعدة الشركات على التماشى مع انخفاض الإنتاجية وارتفاع تكاليف الإنتاج فى بعض المجالات. إلا أن التحليل التاريخى أظهر أن الإنفاق العام عندما يزيد يرتبط بانخفاض نمو الإنتاجية كما تشير الدراسة، لذلك مع نهاية الأزمة سيكون من الضرورى تفكيك الانفاق المالى تدريجيا، وتبنى خطة مالية متوسطة الاجل، تكون أولويتها دعم من إنتاجية العمال مثل الانفاق على النقل، وتحسين جودة التعليم. وتقدم الورقة تحليلا للنمو على مدى العقد القادم، ترى من خلاله أن الإنتاجية فى الاقتصادات النامية تكون أكثر تذبذبا لذلك يكون أثر الصدمات عليها أطول، وهو ما يقتضى مراعاة هذا العامل فى السياسات الحكومية لاستعادة النمو. ويرجع طول تأثر الإنتاجية لعدة اسباب أولها أن تراجع الطلب العالمى على السلع والخدمات المصرية من المتوقع أن يستمر لعدة سنوات، ولأن الطلب الكلى انتقل من القطاعات الانتاجية التى يتم تصدير منتجاتها إلى قطاعات مثل الإنشاءات وتجارة التجزئة فإن مزيدا من الموارد يتم تخصيصها لمثل هذه القطاعات، وهو ما يعنى تراجع توليد القيمة المضافة، وبالتالى تتراجع الإنتاجية الكلية. كما أن تدفق الاستثمار الأجنبى سيتباطأ نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل وصعوبة الحصول عليه بالنسبة للشركات الدولية، وهو ما سينعكس سلبا على التراكم الرأسمالى، مما سيؤثر على معدلات نقل التكنولوجيا وينعكس فى النهاية أيضا على الإنتاجية. وتعتبر الدراسة أن رفع مستوى الإنتاجية هو العامل الأكثر فاعلية فى تسريع وتيرة النمو وتعويض اثر الأزمة المالية على الاقتصاد، من خلال زيادة الإنفاق العام على البنية التحتية والمواصلات، حيث أثبتت دراسات دولية حديثة أن تخفيض تكاليف الانتقال ب10% تحسن مستوى الإنتاجية بنسبة 1 إلى 2%. أما على المدى البعيد فتتطلب المسألة تحولا هيكليا يجعل النمو الاقتصادى مدفوعا بالأساس بزيادة الإنتاجية وليس بتراكم رأس المال، وهو ما يستدعى سياسات تدعم تحسين مهارات العمال وجودة المنتجات، وإصلاحات مؤسسية تضمن تحسين مناخ الأعمال بالنسبة للقطاع الخاص.