المنامة (رويترز) - تحتاج البحرين الى تقليص الدعم الحكومي لتخفيف الضغط المتزايد على المالية العامة لكنها في ظل مناخ سياسي متوتر سيتعين عليها أن توفر لشعبها وظائف وخدمات أفضل في المقابل. ومملكة البحرين هي أصغر منتج للنفط في الخليج وأول دولة تتصدى لهذه الاصلاحات لكن محللين يقولون ان بقية دول الخليج تراقبها عن كثب لانها ستضطر في نهاية المطاف الى القيام باصلاحات مماثلة لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط. وتعتزم الحكومة البحرينية زيادة الانفاق بنسبة كبيرة على الاسكان والصحة والتعليم في العامين المقبلين بعدما أدت حملة أمنية في الاونة الاخيرة الى تجدد شكاوى السكان الشيعة الذي يشكلون أغلبية في البلاد من تهميشهم من قبل الحكومة السنية. لكن البحرين لن تتمكن من مواصلة الانفاق المرتفع لفترة طويلة وتحتاج الى خفض الدعم وايجاد وعاء ضريبي لتحقيق ايرادات حكومية أعلى وتنويع الاقتصاد لتوفير الوظائف للسكان الذين يتزايد عددهم. وقال جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي الفرنسي "انهم يستغرقون سنة لانتاج (النفط الذي) تنتجه السعودية في عشرة أيام لذا يمكنك أن ترى ما ينذر به هذا." وأضاف "اذا ألغوا الدعم فان هذا سيثير الاستياء بالتأكيد لكنهم اذا لم يفعلوا فان الموقف المالي في السنوات الخمس القادمة لن يكون مستداما." وبلغ عجز ميزانية البحرين نحو عشرة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام الماضي للمرة الاولى منذ عام 2005 على الاقل حيث ظلت أسعار النفط أدنى من سعر التعادل المفترض في الميزانية البالغ نحو 80 دولارا للبرميل وهو أعلى سعر مفترض بين دول المنطقة. ووفقا لبيانات البنك المركزي فقد ارتفعت نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي من 8.5 بالمئة في 2008 الى 27.3 بالمئة في نهاية الربع الثاني من العام الحالي. وسيستمر ارتفاع هذه النسبة حيث تعتزم الحكومة زيادة الانفاق العام 26 بالمئة في مشروع ميزانية 2011 و2012 مقارنة بما أنفقته في 2009 مضافا اليه النفقات المسجلة في الميزانية الاولية للعام الحالي. وتعتزم الحكومة خفض الفاتورة السنوية للدعم التي تبلغ نحو 500 مليون دينار بحريني (1.33 مليار دولار) أو 25 بالمئة من اجمالي النفقات. وقالت العنود الشارخ وهي محللة في البحرين لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان المواطنين في الخليج مازالوا يدينون بالولاء للحكام مقابل السلع والخدمات الرخيصة وهذا نظام راسخ جدا. وقالت "مازال الدعم يشكل جزءا مهما جدا من التوازن في عقلية مجلس التعاون الخليجي." وقالت ان هذا لن يتغير الا اذا حسنت الحكومة الرعاية الصحية في المقابل وأثبتت برامج التدريب المهني التي تؤهل البحرينيين للقطاع الخاص نجاحها. وقالت الحكومة انها ستحاول خفض فاتورة الدعم بحيث لا تستهدف سوى الشرائح المحتاجة من السكان في الوقت الذي يستفيد فيه الجميع من دعم البنزين. لكن تلميحات من هذا القبيل في السابق أدت الى احتجاجات في الشوارع وانتقادات من المعارضة. ومن المرجح أن مجلس التنمية الاقتصادية الذي يضع السياسات الاقتصادية في البحرين لديه مقترحات جاهزة في الادراج بالفعل لكن من الصعب التنبؤ بمتى تحين اللحظة السياسية المناسبة للتحرك نحو اقرار تقليص الدعم. وقال سفاكياناكيس "ليس لديهم خيار سوى اعادة النظر في كيفية رصد مخصصاتهم في السنوات القليلة القادمة.. السؤال هو متى سيتحركون." في غضون ذلك من المرجح أن ترفع الحكومة في هدوء الرسوم والغرامات. وقد فرضت في عام 2008 رسوما شهرية على تأشيرات العاملين الاجانب. ويقول مسؤولون في أحاديث خاصة انها تعتبر أول ضريبة على الشركات في البلاد. وتعتبر البحرين مختبر سياسات الخليج لان موقفها الاقتصادي الاضعف أجبرها على أن تكون أول دولة تتصدى للاصلاحات التي يحتاج جيرانها الاكبر مثل السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم الى القيام بها أيضا. ويتضمن هذا اصلاح أسواق العمل الاقليمية التي تواجه تشوها شديدا بسبب الايدي العاملة الاسيوية الرخيصة فضلا عن تنويع اقتصادات المنطقة بعيدا عن الصناعات النفطية. وأقر ملك البحرين دستورا جديدا وانتخابات برلمانية في أوائل هذه الالفية للقضاء على الاضطرابات الشيعية التي شهدتها البحرين في التسعينات. لكن بعد مرور عشر سنوات تشعر الغالبية أن هذه الاصلاحات لم تنفذ الا لاحتواء المعارضة في النظام السياسي حيث أن نفوذ البرلمان محدود جدا ومازال الشيعة يشكون من الظلم في الحصول على الوظائف الحكومية وهو اتهام تنفيه الحكومة. وتنامت التوترات مجددا في السنوات الاخيرة وبلغت ذروتها في أغسطس اب عندما شنت الحكومة حملة أمنية واسعة النطاق على بعض المجموعات الشيعية وقلصت الحريات الاعلامية. وقال محللون ان هذا سيحد من قدرة الحكومة على القيام باصلاحات مالية. وقالت جين كينينمونت المحللة لدى وحدة المعلومات التابعة لمجلة ايكونوميست "من المستبعد أن يرى نواب (المعارضة) تقدما في كثير من قضاياهم السياسية... لذا أعتقد أنه من ناحية سيعارض النواب بشدة أي خفض في الدعم يؤثر على ناخبيهم." وقالت انه اذا أرادت البحرين فرض ضرائب فان الحكومة ينبغي أن تعزز الشفافية بشكل كبير فيما يتعلق بكيفية انفاق الاموال خاصة في ميزانية البلاط الملكي. وقالت "أجد صعوبة في رؤية الاسرة المالكة والحكومة مستعدتين لسلوك هذا الطريق." وقد يكون فرض الضرائب على الاجانب -الذين يشكلون نحو نصف سكان البحرين البالغ عددهم حوالي مليون نسمة- والشركات الاجنبية أقل جدلا من الناحية السياسية لكنه سيلحق الضرر بالقدرة التنافسية للبحرين في مواجهة مراكز الاعمال الاخرى مثل دبي. وقال جارمو كوتالين كبير الاقتصاديين لدى الاهلي كابيتال "من المستبعد أن ترى أي ضرائب على الشركات في الاجل القريب لان العلاقات العامة التي استخدموها لاجتذاب الشركات الى هنا تقوم على واقع أنه مكان خال من الضرائب." وخفضت مؤسسة التصنيفات الائتمانية موديز تصنيف ديون الحكومة البحرينية درجة واحدة الى (A3) في أغسطس اب لاسباب من بينها أنها رأت أن قدرة الحكومة على توسيع وعاء الايرادات محدودة. وتحد اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي من قدرة الدول الاعضاء على فرض ضرائب القيمة المضافة من جانب واحد. (الدولار يساوي 0.3770 دينار بحريني)