انقرة (رويترز) - يحمل برهان كوزو على كاهله مسؤولية ثقيلة الا وهي صياغة دستور جديد قد يضع تركيا على مسار النضج الديمقراطي او قد يدفع بها نحو نظام حكم الفرد. والوقت ليس في صالحه. ويرأس كوزو لجنة تشارك فيها عدة احزاب أمامها مهلة حتى ابريل نيسان لتجاوز خلافاتها بشأن استبدال دستور تركيا الحالي الذي ولد من رحم انقلاب عام 1980 والذي مازال يحمل بصمة الجيش رغم تعديله أكثر من مرة. والنقاط الخلافية كثيرة. وبدءا من تعريف المواطنة التركية الى حماية الحريات الدينية تتطرق المواد الجاري مراجعتها الى عدد من القضايا الخلافية في تركيا الحديثة. وقال كوزو لرويترز في مكتبه في البرلمان وهو يجلس تحت صورة لكمال اتاتورك مؤسس جمهورية تركيا الحديثة بنظرته الثاقبة "عدد المواضيع التي تم الاتفاق عليها قليل جدا...تركوا القضايا المزمنة القضايا الخلافية حتى النهاية." والاهم من بين تلك القضايا قضية يمكن ان تؤثر على المسار السياسي لتركيا لعقود قادمة بشأن تشكيل رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية تنتقص من سلطات البرلمان. ولم يخف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وهو قد يكون أقوى زعيم تركي منذ اتاتورك عزمه على الترشح للرئاسة في الانتخابات المقررة العام المقبل وحرصه على ان يكسب منصب الرئيس - وهو حاليا شرفي بدرجة كبيرة - المزيد من النفوذ. وأعلن أردوغان انه في حالة فشل لجنة كوزو في التوصل الى اتفاق بحلول ابريل فقد يجري استفتاء على مجموعة التعديلات الدستورية التي طرحها حزبه الحاكم والمرجح ان تكون مغلفة باصلاحات تقدمية في محاولة لتمرير رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية من خلال اقتراع شعبي. ويخشى معارضون من ان يسلم النظام الجديد المقترح الكثير من الصلاحيات لرجل تتزايد بواعث القلق حول قدرته على تقبل الاختلاف معه في الرأي سواء في تركيا او في الخارج. وكتب أردوغان مقالا هذا الشهر في مجلة نيو تركيا جاء فيه "يجب ان يهيمن على روح دستورنا ادراك بان الدولة هي من اجل الفرد لا الفرد من أجل الدولة" مستلهما فكر الشيخ الصوفي أدب عالي من القرن الثالث عشر الميلادي. كان اختياره لملهمه كاشفا. ومن الأقوال المأثورة للشيخ أدب عالي قول جاء فيه "دعوا الانسان يزدهر والدولة ستزدهر أيضا" في تناقض واضح مع دستور تركيا الحالي الذي صيغ ليحمي أجهزة الدولة القوية أكثر من حمايته لحقوق الفرد. ويعتقد ان هذه المقولة وجهها الشيخ الى الغازي عثمان أحد السلاطين الفاتحين من مؤسسي الدولة العثمانية التي حكمت طوال ستة قرون. ويرى منتقدو أدروغان ان في هذا الدليل الاضافي على ان غاية رئيس الوزراء التركي النهائية ليس كتابة دستور جديد للبلاد بل تنصيب نفسه سلطانا في العصر الحديث. وقال سويهل باطوم وهو خبير دستوري من حزب الشعب الجمهوري "أردوغان يريد دكتاتورية. يريد نظاما رئاسيا يحتفظ بموجبه بسلطته على حزبه ويختار رئيس وزرائه." وهيمن أردوغان الذي لا يحق له ان يبقى رئيسا للوزراء لفترة أخرى على المشهد السياسي في تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الجذور الى السلطة عام 2002 وقاد صعود تركيا كقوة اقليمية في منطقة الشرق الاوسط وتحقيقها الرخاء بشكل غير مسبوق. ولجم أردوغان الجيش التركي القوي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 وفاز في معركة مع النخبة العلمانية القديمة التي ظهرت حين أسس اتاتورك جمهورية تركيا الحديثة على أطلال الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى. لكن هذا التحول كان له ثمن. وحكم بالسجن على مئات من ضباط الجيش بتهمة التخطيط للقيام بانقلاب ضد أردوغان بينما يواجه آخرون من بينهم أكاديميون وصحفيون وسياسيون محاكمات بتهم مماثلة. والوصول الى رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية سيعزز موقف أردوغان كأهم زعيم تركي منذ اتاتورك لكنه سيتطلب مناورة سياسية ماهرة لكسب تأييد نواب من المعارضة سواء كانوا أكرادا او قوميين. وقال احسان يلمظ استاذ العلوم السياسية في جامعة الفاتح في اسطنبول "الجاذبية الشخصية لاردوغان هي ميزة وعيب في آن واحد. ميزة لانه يمكلك قوة الاقناع وهي عيب لثقته الزائدة في نفسه وكراهيته للانتقاد." وتتطلب التعديلات الدستورية موافقة ثلثي البرلمان التركي الذي يضم 550 مقعدا اي موافقة 367 عضوا. وفي حالة فشل اللجنة التي يرأسها كوزو في التوصل الى مشروع قانون وهو شيء مرجح لانها اتفقت فقط على الثلث فقط من بين نحو 85 مادة مطروحة للنقاش حتى الان سيعمد حزب أردوغان العدالة والتنمية الذي يشغل 326 مقعدا في البرلمان الى تمرير التعديلات التي اقترحها بشكل منفرد. ويمكن لاردوغان اذا حصل على 330 صوتا ان يحقق نسبة الستين في المئة المطلوبة لاجراء الاستفتاء. وقال مصطفى سنتوب نائب رئيس الحزب الحاكم وهو عضو في لجنة كوزو "اذا لم تتوصل اللجنة الى قرار حاسم ولا توجد طريقة اخرى حينها يطرح حزب العدالة والتنمية خطته. "وستتضمن (الخطة) مقترحاتنا وذلك يشمل النظام الرئاسي. هذا مؤكد." وانخرط أردوغان فيما يبدو في حملة بدأها مؤخرا مستعرضا مزايا النظام الرئاسي قائلا انه سينهي هيكل الحكم الحالي "ذا الرأسين" الذي يرى انه يعطل التقدم والاصلاحات. ويرى متشككون ان محادثات السلام الوليدة مع الزعيم الكردي المسجون عبد الله أوجلان تجيء في اطار استراتيجية لكسب تأييد الاكراد للتعديلات الدستورية ومنها نظام رئاسي بصلاحيات تنفيذية. ويشغل حزب السلام والديمقراطية المؤيد للاكراد 26 مقعدا في البرلمان ويمكن ان يكون تأييده حاسما. ويقول المعلق السياسي ياوز بيدار ان "توافق الحزبين" كما يسميه ينطوي على مخاطر لعزل فصائل في حزب العدالة والتنمية الحاكم تقبل ان يستمر الرئيس الحالي عبد الله جول لفترة رئاسية ثانية على ان تعطي أردوغان فرصة أكبر لتشديد قبضته على الحزب. واظهر استطلاع للرأي اجرته مؤسسة متروبول التركية لاستطلاعات الرأي ان الاتراك أيضا يفضلون ان يظل جول رئيسا. وقال يلمظ من جامعة الفاتح ان أردوغان "يغامر باحداث انقسام داخل حزبه. هناك بالفعل من يراه يفضل الانفراد بالرأي بدرجة متزايدة وهم متخوفون. وهناك من يؤيدون جول ومنهم من يشكلون قاعدة الحزب." ويتفق السياسيون من كل الاطياف على ضرورة تغيير الدستور التركي. لكن اصرار أردوغان على صلاحيات تنفيذية للرئاسة قد يعني التعجيل بتغييرات ستضر بالديمقراطية التركية بدلا من ان تدفعها قدما. وقالت نازلي ايلجاك وهي سياسية محافظة ومدافعة عن اردوغان "لدينا مركزية شديدة بالفعل. هذا التغيير لن يناسب الثقافة السياسية التركية. سيكون موقفا مروعا." واستطردت "في الولاياتالمتحدة لديهم هياكل حزبية فضفاضة اكثر هناك انتخابات اولية ومؤتمرات عامة للاحزاب وعملية لاختيار مرشحك. لكن في تركيا ليس لدينا هذه الثقافة الامور في تركيا ليست بهذا الشكل." من نيك تاترسال وأورهان جوسكون