آخر تحديث لسعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن الإثنين 29 إبريل 2024    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية برقة شمال غرب نابلس    رابطة العالم الإسلامي تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوتر في منطقة الفاشر شمال دارفور    وفاة المخرج والمؤلف عصام الشماع عن عمر ناهز 69 عاما    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    تموين الإسكندرية: توريد نحو 5427 طن قمح إلى الصوامع والشون    قيادي في حماس ينفي الرد على مقترح إسرائيلي خلال المفاوضات بشأن غزة    التهديد الإرهابي العالمي 2024.. داعش يتراجع.. واليمين المتطرف يهدد أمريكا وأوروبا    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي أمام دريمز الغاني    الزمالك: لا عقوبات على مصطفى شلبي.. كان يشعر بالضغط    صحة قنا: 4 حالات مازالوا تحت الملاحظة في حادث تسريب الغاز وحالتهم على ما يُرام    حار نهاراً ومائل للبرودة ليلاً.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم    مصرع 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    برلمانية: افتتاح مركز البيانات والحوسبة يؤكد اهتمام الدولة بمواكبة التقدم التكنولوجي    بعد طرح برومو الحلقة القادمة.. صاحبة السعادة تتصدر ترند مواقع التواصل الاجتماعي    ميدو: لو أنا مسؤول في الأهلي هعرض عبد المنعم لأخصائي نفسي    بعد حركته البذيئة.. خالد الغندور يطالب بمعاقبة مصطفى شلبي لاعب الزمالك    عمرو أديب: أتمنى أن يحقق الزمالك البطولة ونعيش مرحلة جبر الخواطر    ميدو: سامسون أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    "بلومبرج": الولايات المتحدة تضغط من أجل هدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    فراس ياغى: ضغوط تمارس على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية للوصول لهدنة في غزة    "بحبها ومش عاوزه ترجعلي".. مندوب مبيعات يشرع في قتل طليقته بالشيخ زايد    إخلاء سبيل سائق سيارة الزفاف المتسبب في مصرع عروسين ومصور ب قنا    الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين وتُحذر: ظاهرة جوية «خطيرة»    ملف يلا كورة.. الزمالك يتأهل لنهائي الكونفدرالية.. وطائرة الأهلي تتوّج بالرباعية    تحرك عاجل من الخطيب ضد السولية والشحات.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    فيديو.. سامي مغاوري: أنا اتظلمت.. وجلينا مأخدش حقه    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    هل مشروبات الطاقة تزيد جلطات القلب والمخ؟ أستاذ مخ وأعصاب يجيب    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    وزير الاتصالات: 170 خدمة رقمية على بوابة مصر الرقمية    4 مليارات جنيه لاستكمال المرحلة الثانية من مبادرة حياة كريمة لعام 24/25    الاقتصاد الأمريكي يحتاج لعمال.. المهاجرون سيشكلون كل النمو السكاني بحلول 2040    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ضربة للمحتكرين.. ضبط 135 ألف عبوة سجائر مخبأة لرفع الأسعار    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    على مدار نصف قرن.. سر استمرار الفنان سامي مغاوري في العمل بالفن    ندوة حول تطور أذواق المستهلكين بالمؤتمر الدولي للنشر بأبوظبي    حدث بالفن| وفاة والدة فنان وأزمة بين بسمة وهبة وفنانة شهيرة وإيران تمنع مسلسل مصري من العرض    نجوى كرم تشوق الجمهور لحفلها في دبي يوم 3 مايو    عمرو أديب يكشف تفاصيل إصابته ب جلطة في القلب    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    هل يؤثر تراجع الطلب على الأسماك في سعر الدواجن.. مسئول بالاتحاد العام للدواجن يجيب    مصطفى عمار: الدولة خلال 2024 تضع على عاتقها فكرة التفكير في المستقبل    فيصل مصطفى يكتب: عجلة التاريخ    معاداة الصهيونية.. انقسام جديد يهدد النواب الأمريكي    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    وظائف خالية ب الهيئة العامة للسلع التموينية (المستندات والشروط)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجب طيب أردوغان :فوز العدالة والتنمية نصر ديمقراطي ونموذج يقتدي به في الشرق الأوسط والقوقاز والعالم
نشر في القاهرة يوم 21 - 06 - 2011

للمرة الثالثة منذ مجيئه إلي السلطة في انتخابات نوفمبر 2002، يحقق حزب العدالة والتنمية في تركيا أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، بعد تقدمه علي حزب الشعب الجمهوري العلماني بزعامة كمال كليتش دار أوغلو المعارض، والذي جاء في المركز الثاني، وحزب الحركة القومية اليميني بزعامة دولت بهشتي الذي أحرز المركز الثالث، ووفقا للنتائج المعلنة، فقد حصل حزب العدالة والتنمية علي 4،50% من الأصوات، يليه حزب الشعب الجمهوري وحصل علي 8،25%، ثم حزب العمل القومي الذي حصل علي 2،13% . كان نحو خمسين مليون ناخب تركي قد توجهوا إلي صناديق الانتخاب في 12 يونية الحالي للإدلاء بأصواتهم في واحدة من أهم الانتخابات في مسيرة الجمهورية التركية، وبمشاركة 15حزبا سياسيا، وجرت المنافسة بين 7492 مرشحا إضافة إلي 203 من المستقلين، عن 85 منطقة انتخابية، وفقا لما أعلنه المجلس الأعلي للانتخابات التركية، لاختيار أعضاء البرلمان الجديد الذي يتألف من 550 مقعدا، وقد تنوعت القضايا الانتخابية التي دارت حولها المنافسة مابين القضايا الداخلية ومنها مستوي معيشة المواطنين الأتراك، وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، ونظام التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، والأسعار ومشكلة البطالة، إلي قضايا خارجية علي غرار العلاقات مع إسرائيل، إضافة إلي الملف الكردي . قد أجريت الانتخابات التشريعية التركية في ظل تعديلات إجرائية قانونية أقرها البرلمان التركي في العام الماضي و يعمل بها للمرة الأولي، منها تخفيض شرط السن للراغبين في الترشح للانتخابات البرلمانية من 35 إلي 25 عاما، واستخدام الصناديق الشفافة، ومنح الناخبين حق الاقتراع بتقديم الرقم الوطني فقط. وكانت الانتخابات قد سبقتها وتخللتها أعمال فوضي وتخريب في عدة مدن تركية، قامت بها جماعات مسلحة تردد أنها تابعة لحزب العمال الكردستاني المحظور واستهدفت المكاتب الانتخابية ومقار الأحزاب السياسية وبخاصة مكاتب حزب العدالة والتنمية الحاكم . الانتخابات .. قراءة عامة تشير القراءة الأولي للنصر الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية إلي انفتاح الآفاق التركية مجددا أمام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، علي رأس حكومة خالصة من حزبه، متمتعا بسلطات تنفيذية وتشريعية واسعة، ومحاطا بتأييد أكبر كتلة من الطبقة الوسطي والشعبية في تركيا للحزب الذي تشكل أيديولوجيته توليفة من الإسلام الروحي والعلمانية السياسية . إن كانت نتائج الانتخابات قد انطوت علي عدة رسائل ودلالات فيما يتعلق بالتجربة التركية، سواء كتجربة ديمقراطية، أو بالنسبة لتجربة حزب العدالة كحزب إسلامي، فإن للمشهد الانتخابي التركي زواياه الدالة علي تطورات عميقة تمر بها البلاد سياسيا ومؤسسيا، بدءا من المناخ الذي جرت فيه الانتخابات، وصولا إلي إعلان النتائج، وقراءتها الخاصة لدي كل طرف فاعل علي الساحة السياسية . فقد جرت الانتخابات التشريعية التركية في ظل مناخ تنافسي اتسم بالشراسة وتبادل الاتهامات واستخدام كل أنواع الدعاية الانتخابية المشروعة وغير المشروعة، فضلا عن إطلاق الوعود البراقة والخيالية في محاولة لكسب أصوات الناخبين بأي ثمن . وإذا كانت الانتخابات قد شهدت تصعيدا للمنافسة بين أحزاب رئيسية ثلاثة هي حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو المرجعية الإسلامية، وحزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، والذي يقوم بمثابة المعارضة الرئيسية في تركيا حاليا، وحزب العمل القومي ذو الأفكار المتشددة، فإن " الدعاية الحزبية " الانتخابية شهدت ممارسات حادة، إلي درجة التجريح وكشف الفضائح، من ذلك، عرض شرائط فيديو لعلاقات غير مشروعة لعدد من المسئولين الحزبيين في الحزب القومي، اضطر معها حوالي عشر قيادات لتقديم استقالاتهم، وسحب ترشحهم من الانتخابات، واتهم الحزب القومي أعضاء في حزب العدالة والتنمية بتدبير هذه " الفضيحة " . من ناحية أخري، اتسمت الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية وتصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بمحاولة التقليل الجارح من شأن الخصوم، و هو ما قابلته المعارضة بدورها باتهامات للحزب الحاكم بالرياء، وادعاء الورع الزائف، وابتلاع اموال الفقراء واليتامي لتوزيعها علي مؤيدي الحزب . اما عن الوعود الانتخابية، فقد جري توظيفها انتخابيا بصورة ملفتة، حتي وإن كان بعضها يخرج عن نطاق المعقول أو المناسب . فمثلا، وعد حزب الشعب الجمهوري كل عاطل عن العمل أو من يعيش تحت مستوي الحد الأدني للأجور منحه إعانة تصل إلي 600 ليرة تركية شهريا (أي ما يعادل 400 دولار) وهذا الرقم له أهميته خاصة إذا علمنا أن الحد الأدني للأجور في تركيا هو 640 ليرة. فإذا انتقلنا إلي الوعود الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، سنجدها لا تقل سخاء، وفضلا عن الوعد ببناء المدن الجديدة، والمطار الجديد، والفنادق والمرافق والمعارض، فهناك المشروع بالغ الضخامة الذي يطلق عليه " المعجزة التركية "، حيث يؤكد رجب طيب أردوغان عزمه فتح قناة صناعية تصل ما بين البحر الأسود وبحر مرمرة تحت اسم "قناة إسطنبول" بطول يتراوح بين 45 50 كيلو مترا، وبتكلفة تصل إلي حوالي 10 مليارات دولار، وذلك بهدف تحويل حركة مرور السفن من مضيق البوسفور إلي القناة الصناعية، وهو ما يحقق لتركيا مزايا ذهبية . في واقع الأمر، فإن حزب العدالة والتنمية وضع كل ثقله خلف الدعاية الانتخابية، وأطلق آلته الدعائية بكل قوة، وانطلقت مكبرات الصوت في شوارع المدن التركية الكبري، ورفعت صور أردوغان بإلحاح واضح، وهي تحمل عبارة " الهدف هو 2023 " في إشارة إلي الذكري المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، لاستقطاب الأصوات المؤيدة للحزب الذي أنشأه أتاتورك، أي حزب الشعب الجمهوري المنافس القوي للعدالة والتنمية. في السياق، فقد وُصف المزاج الانتخابي هذه المرة في تركيا بالتحفز والحدة والاستقطاب الشديد من جانب القوي السياسية، والصراع من أجل الوجود، وبالتالي التجييش السياسي، كل علي حسب أهدافه ومصالحه الانتخابية، أما علي مستوي الناخبين فهناك من شاركوا دعما لحزب العدالة والتنمية الذي وفر الخدمات وضمن لتركيا الاستقرار السياسي، والرفاهية الاقتصادية، وفي المواجهة، هناك من صوتوا ضده تحسبا «للزحف» الذي يمثله الحزب الأقوي تنظيما وتعبيرا عن التيار الإسلامي، والأكثر تأثيرا في الساحة السياسية، وهناك من يدعو إلي توفير كل السبل لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في تركيا بدعوي أنه " حزب إرهابي "، وهناك من يؤيد تغيير الدستور التركي، واستبدال كلمة " الأمة التركية " بعبارة " أمة تركيا " لأنه ليس الجميع في تركيا من الأتراك . العدالة والتنمية .. فرص وإنجازات أظهرت نتائج الانتخابات أن أربعة أحزاب ستدخل البرلمان الجديد هي: حزب العدالة والتنمية بحصوله علي 326 مقعدا، وحزب الشعب الجمهوري بعدد 135 مقعدا، وحزب الحركة القومية بعدد 53 مقعدا، بينما ينتظر المرشحون الأكراد "المستقلون" نظريا انعقاد أول جلسة للبرلمان للإعلان عن انتمائهم إلي حزب "الديمقراطية والسلام" الكردي بسبب النظام الانتخابي التركي الذي يمنع الأحزاب التي لا تنال 10% من مجموع الأصوات من التمثيل في البرلمان. وبهذه النتيجة فقد حقق رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان " نصره الثالث " التاريخي، بضمان تأليف الحكومة للمرة الثالثة منفردا، وبأغلبية تؤهله لتغيير الدستور، وإعداد دستور جديد للبلاد يعده مدنيون، بدلا من الدساتير التي نتجت عن الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا . وإذا كان البعض يتهم النظام الانتخابي التركي بأنه يمنع الأحزاب الصغيرة من التمثيل، وأحيانا يعوق فئة كبيرة من الناخبين من التمثيل الصحيح في البرلمان، إلا أن هذا القول مردود عليه بأن النظام الانتخابي التركي يسمح بالاستقرار السياسي، خاصة وقد أثبتت الحكومات الائتلافية في السابق ضعفها وعدم قدرتها علي حل المشكلات الأكثر إلحاحا، وهكذا تشير الانتخابات التشريعية إلي تمركز الخريطة الحزبية في تركيا حول الأحزاب الأربعة التي تدخل البرلمان، واستبعاد الأحزاب الصغيرة التي لم تنل أكثر من 1% من الأصوات . يمكن القول بكل ثقة إن تقدم حزب العدالة والتنمية ارتكز علي رصيد الحزب في مجال التقدم الاقتصادي الذي حققته تركيا في ظل قيادته، حتي أن نسبة النمو في 2010 وصلت إلي 11% مقتربة من النموذج الصيني، بالرغم من الأزمة المالية العالمية، مما أدي إلي توفير مليوني وظيفة في 18 شهرا ماضية، وتراجع معدل التضخم من 40% في 2002 إلي 8% حاليا، وحسب مجلة الإيكونومست فإن عمليات الإصلاح العميقة والمتوالية التي حققها حزب العدالة والتنمية جعلت الاقتصاد التركي يحتل المكانة رقم 17 بين الكبار، كما تتمتع تركيا حاليا بمركز متقدم في مجموعة العشرين، ويمتد نشاط الشركات التركية إقليميا وعالميا، وتركيا هي ثاني أكبر مصنِّع في العالم لألواح الزجاج المسطح، وتنشط شركاتها في الشرق الأوسط في عمليات البناء والتشييد، وتعد مدينة اسطنبول مركزا حيويا لحركة الطيران الأوروبية. من المعروف أن الجانب الاقتصادي يمثل أحد روافد صعود حزب العدالة والتنمية سياسيا في تركيا، ويقول الباحث التركي فاروق بوزكوز إن حزب أردوغان ناجح جدا في الجانب الاقتصادي، وبدون ذلك ما كان يتمكن من إحراز قوته في الجانب السياسي . ففي السنوات الأخيرة، شهدت تركيا نهضة صناعية وتجارية وتحولا بارزا في النشاط الاقتصادي و جذبا لرءوس الأموال " العربية والإسلامية " مما أنعش منطقة وسط الأناضول، ونشطت المشروعات المشتركة بين تركيا والعالم الإسلامي، كما جذبت تركيا رؤوس أموال وتحويلات المغتربين الأتراك في ألمانيا (3 ملايين)، ويطلق البعض علي رءوس الأموال ذات الصلة بالقوي المحافظة اسم "رءوس الأموال الخضراء" التي تمثل مصدر قوة للاتجاه الإسلامي عموما في تركيا منذ بدايات صعود التيار الإسلامي، وإن كانت تمارس نشاطها وفقا للقوانين التركية العلمانية . ويصل حجم تعاملات هذه الثروات إلي 10 مليارات دولار، ويصل عدد مؤسساتها المصرفية إلي 300 فرع، يعمل بها أكثر من 6000 شخص. كانت قد تأسست في عام 1990 جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين تحت اسم مختصر هو " الموصياد " و«مرجعيتها إسلامية» لمنافسة جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك في اسطنبول، ومختصر اسمها هو " توسياد " وتأسست في عام 1971 بمرجعية علمانية، وينص بيان تأسيسها حرفيا علي هدف محدد هو " تنمية التركيبة الاجتماعية المخلصة والوفية لأهداف ومبادئ أتاتورك في الحضارة العصرية، والعمل علي ترسيخ مفهوم دولة القانون العلمانية والمجتمع الديمقراطي . وهنا نذكر أن نجم الدين أربكان الذي أسس في عام 1983 حزب " الرفاة " الإسلامي كان رئيسا لاتحاد الغرف التجارية والصناعية، وكان طبيعيا أن يستند التيار الإسلامي إلي قاعدة من التجار ورجال الأعمال الصغار والمتوسطين في الأناضول، فيما اعتبر القاعدة البرجوازية الصغيرة للحزب، ولاتزال هذه القاعدة حتي اليوم السند الرئيسي للتيار الإسلامي التقليدي، بينما يستند التيار الإصلاحي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية إلي كبار رجال الأعمال وأصحاب المشروعات الكبري في تركيا صناعيا وتجاريا . المسألة الدستورية علي الرغم من الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، حتي أن واحدا من كل اثنين من الناخبين صوت لصالح حزب العدالة، إلا أن الحزب حقيقة فقد عددا من مقاعده التي كان يتمتع بها في البرلمان السابق والتي كانت تصل إلي 341 نائبا، لذلك يقال إن الحزب يتمتع بنسبة تمثيل شعبية، بينما انخفضت نسبة تمثيله في البرلمان، الأمر الذي سينعكس علي قدرته علي تمرير مشروعه الأثير لديه والمتعلق بإعداد دستور جديد للبلاد والذي كان يحتاج إلي 367 صوتا في البرلمان لتمرير هذا المشروع، وكان يمكن في حالة حصول الحزب علي 330 صوتا أن يعد الدستور ويعرضه للاستفتاء، بينما للحزب 326 صوتا فقط، الأمر الذي يعني حاجة حزب العدالة والتنمية إلي التفاهم والمساومة مع أحد الحزبين : الشعب الجمهوري أو الديمقراطية والسلام، مع استبعاد أية إمكانية للتفاهم مع الحزب القومي لموقفه المتشدد . من المعروف أن درجة الاستياء الشعبي من دستور 1982 الذي أعده العسكريون تتضاعف، وقد شهد هذا الدستور خمسة عشر تعديلا،
بدون أن تدخل عليه تعديلات جوهرية تمس السلطات الداعمة لعلمانية الدولة، (الجيش والقضاء)، ولكن في العام الماضي طرح حزب العدالة والتنمية تعديلا شمل 26 مادة في الدستور، منها ما تعلق بصلاحيات المحاكم العسكرية، وحقوق الطفل والعمال والموظفين، ومنها ما يمنع حظر الأحزاب السياسية، وقد أثارت التعديلات الدستورية مشكلة فيما يتعلق بإعادة بناء المحكمة الدستورية والهيئة العليا للقضاة وإصلاح النظام القضائي، وزيادة صلاحيات البرلمان والرئيس في هذا الصدد، واتهمت المعارضة السياسية حزب العدالة والتنمية بالسعي إلي جمع السلطات في يده، والاعتداء علي استقلال القضاء، وتقويض المؤسسات الحامية للعلمانية في تركيا، ومن ثمة أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما في 21 يناير 2010 بإلغاء (التعديل الدستوري) الذي مرره الحزب في البرلمان في يونية 2009 بدعوي أنه غير دستوري، ولكن في سبتمبر 2010، وافق 58% من الأتراك، عبر الاستفتاء العام، علي تعديل المواد الدستورية الستة والعشرين، التي اقترحها حزب العدالة والتنمية وأقرها البرلمان والمحكمة الدستورية من قبل، بعد تعديلات طفيفة . في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية في 2011، تشير التوقعات إلي صعوبة إجراء تغيير في الدستور التركي في ظل البرلمان الجديد، حيث أعلن كل من حزبي الشعب والقومي رفض التعاون مع حزب العدالة فيما يتعلق بمشروعه للتحول إلي النظام الرئاسي في تركيا، أما بالنسبة لاحتمال التعاون بين العدالة والتنمية والأكراد في البرلمان فهو مخاطرة غير مأمونة، وقد تثير عليه غضب المؤسسة العسكرية، وهنا لابد من ملاحظة أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لا يعني أن طريقه أصبح سهلا أو مفروشا بالورود، ذلك أن قراءة فاحصة للنتائج تشي بحقائق أخري، فقد صوت للحزب الجمهوري أكثر من 25% من الأصوات أي 11 مليون ناخب، وصوت لحزب الحركة القومية أكثر من 12% من الأصوات أي 65 مليون ناخب، وحصل المستقلون علي 6.6% من الأصوات أي 8 2 مليون ناخب، وهذا يعني ضمن ما يعنيه اتساع مساحة المعارضة التي تواجه حزب العدالة والتنمية، حتي مع ارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات إلي 86% . هذا، بالإضافة إلي التركيبة الجديدة للبرلمان، ففي البرلمان الجديد 74 نائبة مقابل 50 في البرلمان السابق، وأول نائب من الأشوريين المسيحيين، وعدد من الزعماء الأكراد البارزين، و9 أعضاء كانوا في السجن، وينتظرون المحاكمة بتهمة التآمر، ومن بينهم 3 من المتهمين في قضية منظمة " أرجناكون " الارهابية المتهمة بالتخطيط لقلب نظام الحكم واغتيال أردوغان . غير أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، انطلاقا من " الثقة " التي عبرت عنها نسبة التأييد الشعبي القوية التي حصل عليها، فإنه يحدوه الأمل في إجراء التغيرات السياسية والدستورية التي يتوخاها الحزب، مؤكدا أن " الدستور الجديد " سيركز علي السلام، وسيكون دستورا للأكراد والتركمان والعلويين وجميع الأقليات، بمعني أنه سيكون دستورا يغطي احتياجات وتطلعات 74 مليون مواطن تركي، ومع ذلك فإن الأمنيات الطيبة لأردوغان قد تنكسر علي صخرة الواقع، وأحلام الرئاسة والصعود قد تكون من قبيل الوهم، والتاريخ زاخر بالدروس السابقة، فحينما كان تورجوت أوزال رئيسا للوزراء، كان حزبه " حزب الوطن " قويا، وعندما صار أوزال رئيسا للدولة، ضعف الحزب وانشقت تياراته الإسلامية والقومية والليبرالية واليمينية، وهناك من يتصورون مصيرا مماثلا لحزب العدالة والتنمية، إذا تمكن أردوجان من استلام منصب رئيس الدولة التركية، وهناك من ينتقدون أردوغان بقوة لأنه يتمتع بسلطات وصلاحيات علي الاستخبارات والقضاء والجيش والوزارات، وهي أكبر، من وجهة نظرهم، عما يتمتع بها الرئيس الأمريكي من سلطات وصلاحيات . ويقول الكاتب التركي مصطفي أوزجان إن الناس يصوتون لحزب العدالة والتنمية لأنهم يفتقدون البديل، فحزب الشعب الجمهوري غير محبوب من غالبية الأتراك، وزعيم الحزب من الأقلية العلوية، ولايريد الناس التصويت لزعيم علوي، أما حزب الحركة القومي فهو حزب هامشي ولا يمتلك برامج، ويستخلص مصطفي أوزجان أن حزب العدالة والتنمية محظوظ لأنه يستفيد من ضعف وتشتت خصومه وعموما، فأمام العدالة والتنمية ملفات صعبة، ليس أقلها الملف السكاني لدولة تتعدد فيها التوزيعات العرقية والإثنية، من 70 80% من الأتراك، ومن 20 30% من الأكراد، ومن 2 3% الزازيون، العرب 2%، والشركس 5 .%، والجورجيون 5 .%، وأقليات من الأرمن واليونان والآشور . عودة تركيا بدرجة ما يتم قراءة نتائج الانتخابات التشريعية في تركيا علي أنها تعكس تأييد وموافقة الشعب التركي علي السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، وتوجهاته نحو دول الجوار والعالم الإسلامي، والعالم . وفي الأجواء التركية، يسود شعور عام حاليا بأن تركيا، تبتعد سياسيا عن الغرب وأمريكا، وتتقارب مع الدول العربية والإسلامية، وهناك من يصف تركيا حاليا بأنها من أهم المدافعين عن قضية الشعب الفلسطيني، داخل تركيا وخارجها، وبالرغم من عدم تخليها عن فكرة الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، فإن أنقرة قد تبدو في بعض الأحيان بعيدة عن مصالح الغرب، وقد صوتت مؤخرا ضد فرض عقوبات علي إيران بشأن مشروعها النووي المرتقب . وفي السياق، يربط باحثون أتراك بين نتائج الانتخابات التركية لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وما يطلق عليه "معاداة أردوغان لإسرائيل" وتصريحاته ضدها، والتي تزيد من شعبيته لدي الأتراك . وكانت تركيا قد شهدت تظاهرات احتجاجية علي هجوم فرقة كوماندوز اسرائيلية علي سفينة مافي مرمرة التركية في 31 مايو في العام الماضي عندما حاولت كسر الحصار الاسرائيلي علي قطاع غزة، وحينئذ ترددت أقاويل بأن ذلك كله يصب في صالح شعبية أردوغان، حتي اعتبرته بعض المصادر والدوائر العربية "رجل العام"، خاصة وقد تجاسر الزعيم التركي في وقت سابق علي توبيخ الرئيس الإسرائيلي في " دافوس " مذكرا إسرائيل بقتلها لأطفال غزة . وفي العموم، يصعب القول إن سياسات تركيا الحالية "المتحفظة" نحو الغرب، و"المتفاهمة" مع الشرق الإسلامي، تعود فقط لأسباب انتخابية، ذلك أن مهندسي السياسة الخارجية التركية حاليا، وفي مقدمتهم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، يمتلكون استراتيجية واسعة النطاق، محددة الأهداف، عميقة النظرة لما يعتبرونه "المصالح العليا لتركيا" علي المدي الطويل . وبالطبع، ترتبط هذه الاستراتيجية بمساحة العلاقات التي نسجت خيوطها قوي التيار الإسلامي التركية عموما مع العالم الخارجي في بدايات صعودها علي الساحة السياسية في تركيا وهنا لابد من تذُكر أن صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا، باعتباره الجناح الإصلاحي في التيار الإسلامي، حاز علي رضا الدوائر الغربية والأمريكية والتي اعتبرت رجب طيب أردوغان، رئيس بلدية اسطنبول أكثر صلاحية وقربا من الغرب من أستاذه نجم الدين أربكان . ويؤكد الكاتب التركي ناصوحي جونجور أن أردوغان بدأ مسيرته بلقاء السفير الأمريكي الأسبق مورتن إبرام أوينز في الثمانينات، وقام أردوغان بعد ذلك بزيارة الولايات المتحدة عدة مرات، والتقي خلالها مع شخصيات تركية كبيرة مقيمة في أمريكا دعمت صعود حزب العدالة والتنمية، وشارك أردوغان في احتفالات السفارة الأمريكية بيوم الاستقلال في 4/7/2001 ، والتقي مع السفير الإسرائيلي في 18/7/2001، وقابل القنصل البريطاني في اسطنبول الذي اشترط أن يكون صعود حزب أردوغان المرتقب علي أساس الديمقراطية والتعددية السياسية . وقد توازي هذا الإعداد الجيد للعلاقات المستقبلية لصعود العدالة والتنمية مع لقاءات أردوغان مع قيادات قوية في المؤسسة العسكرية التركية، ضمانا لعدم رفضها، وهو ما تبدي في ترحيب هذه المؤسسة بصعود الحزب الإصلاحي بزعامة رجب طيب أردوغان، الأمر الذي يعني أن حزب العدالة والتنمية قام، عبر سنوات، ببناء أرضية صلبة لعلاقاته داخليا وخارجيا، ليست في وارد الاهتزاز حاليا . وبناء علي ذلك، يبدو أن العنصر الحاكم في سياسات العدالة والتنمية علي صعيد السياسة الخارجية تأسس علي عنصر المصالح العليا للحزب، ولتركيا في المقام الأول، وبمنهاجية برجماتية صرفة. واليوم، تبدو هذه المصلحة ممثلة في بناء شبكة من العلاقات السياسية الإقليمية تضمن لتركيا دورا إقليميا فاعلا، واستثمار توازنات القوة الراهنة، بما يدعم مكانتها العالمية، ويسمع الصوت التركي للعالم الخارجي وعواصم القرار الكبري . فتركيا كدولة تمتلك عناصر القوة الذاتية، بمساحة 452 . 779 كلم، أكثر من ثلثها أراضي زراعية، وتغطي الغابات أكثر من ربع أراضيها، وتتحكم في عدة جزر في بحر إيجة والمتوسط، وتتراوح موارد الدولة بين الزراعة والسياحة والصناعة، وتصل عمالة القطاع الزراعي إلي 40% من قوة العمل، وتنتج 12% من الناتج القومي، بينما تنتج الصناعة 30%، والخدمات 60%، وتبلغ صادرات تركيا لأوروبا 52% من جملة صادراتها . هذا طبعا، فضلا عن كون تركيا تمتلك مؤسسات قوية وفاعلة كالجيش والقضاء والجامعات والمصانع، وبقوة سكانية قوامها 74 مليون نسمة، وهي مؤهلات تجعلها قادرة علي المنافسة، كقوة إقليمية، وعالمية بامتياز. في ظل تطورات استثنائية تمر بها حاليا دول الجوار الجغرافي العربية مع اندلاع ثورات الحرية والديمقراطية، وسقوط رؤساء كانوا حلفاء وأصدقاء لتركيا، وبعد حسابات وتوازنات سياسية دقيقة، حسمت تركيا أمرها في جانب المطالب الشعبية العربية، وطالبت برحيل الزعماء الذين فقدوا ثقة شعوبهم وشرعية الاستمرار، حتي لا تتهم السياسة التركية بالتناقض، وهي التي ترفع شعار الديمقراطية والتعددية السياسية، وتطبقها داخليا، ويبدو أن تطورات " الثورات " العربية، والدور التركي في ثنايا هذه التطورات، في مصر وليبيا وسوريا، قد سمحت لتركيا بدور إقليمي فاعل ونشط، اعترفت به الدوائر الأمريكية والأوروبية بل إنها طالبت تركيا مرارا بالتدخل والتوسط وإبداء المشورة وإسداء النصيحة، في عديد من الأزمات الراهنة بالمنطقة، ولايخفي هنا أن أردوغان أكد بعد الانتخابات أن انتصار حزبه هو انتصار لبيروت ودمشق ورام الله . هذا، فضلا عن أن البعض قرأ نتائج الانتخابات التركية، والنصر الذي حققه حزب العدالة والتنمية علي أنه " رسالة " للإسلاميين الذين يعلو صوتهم حاليا في مصر وتونس، تعزيزا لتحركاتهم المستقبلية . يبدو أن السياسة الخارجية التركية قد أحرزت نجاحات ملحوظة علي عدة مستويات، وبعد إعلان فوز حزب العدالة والتنمية بأكثر من 50% من أصوات الناخبين، وتأكيد ثقة الأتراك بزعيمهم رجب طيب أردوغان، توالت ردود الفعل الأمريكية والأوروبية المرحبة بهذ النتيجة، والتي تطالب أردوغان باستكمال طريق الإصلاحات السياسية، والتوافق مع المعارضة، وإعداد الدستور التركي الجديد، ومواصلة التقدم الاقتصادي والنهضة التركية، ويبدو أن هذه الأهداف تحتل الأولوية لدي دوائر الغرب حاليا، بدون الالتفات إلي تحذيرات تؤكد أن (بريق الأتاتوركية العلمانية، قد خبا) .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.