ظاهرة جديدة فرضت نفسها بقوة على ساحة الإعلام المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهي انطلاق العديد من الفضائيات الحزبية، منها مصر 25، فضائية الإخوان المسلمين، فضائية المصري لحزب الوفد، بينما روجت فضائية otv سلسلة من الإعلانات لحزب "المصريين الأحرار" لدعم صاحبها نجيب ساويرس. تجاوب الإعلاميين مع هذه الظاهرة انقسم بين التأييد والتحفظ، فاعتبرها البعض إيجابية، كونها متنفسًا جديدًا للتيارات السياسية التي عانت التضييق الإعلامي في ظل النظام السابق، بينما ذهب آخرون إلى أنها قد تتحول إلى وسيلة إثارة تخلق فوضى سياسية وإعلامية. الإعلامي محمود سلطان يرى أنه يتوجب على الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة والعاملين بتلك القنوات أن يكون لديهم وعي تام والتزام صادق بميثاق شرف العمل الإعلامي قبل أي مصلحة سياسية، حتى لا تتحول القنوات الناشئة إلى منابر للتراشق السياسي تسفر "فوضى إعلامية وسياسية". وأضاف أن هذه القنوات مازالت في مرحلة الإعداد أو البث التجريبي؛ لذا: "من الصعب الآن تقييم أدائها، لكن ينبغي في كل الأحوال أن تلتزم بتقديم جميع المواد الإعلامية التي تهم المشاهد، وألا تركز فقط على برامج التوك شو والشق السياسي". وطالب سلطان بأن يتم فصل إدارة هذه الفضائيات الحزبية عن العمل التحريري فصلاً تاماً حتى تحقق المرجو منها. تشنج إعلامي بينما ترى الإعلامية سهير شلبي أن ظهور هذه الفضائيات سيقدم رسالة إعلامية واضحة عن الأحزاب القائمة عليها، فتستطيع من خلالها الوصول إلى أكبر قاعدة جماهيرية واجتذابها؛ ما سيجعلها سيفًا ذا حدين، فلها إيجابيات تتركز في زيادة الوعي السياسي وإعطاء الفرصة الحقيقية لتلك الأحزاب للظهور على الساحة. أما الجانب السلبي فهو تحول الأمر إلى حالة من التشنج الإعلامي والتعنت كما يحدث في بعض القنوات الخاصة التي تتبنى تيارات مختلفة، ولذا يجب أن تقوم تلك القنوات بالتركيز على الرسالة الإعلامية المطلوب منها، وألا تتحول إلى ساحات للردح السياسي وإثارة الفتن وتشتيت الرأي العام. بدوره، أشار د. عدلي رضا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إلى أن هذه الفضائيات ستماثل الصحف الحزبية، فدورها يتركز على الترويج للحزب ومبادئه وأفكاره، مؤكداً أن ظهور مثل هذه الفضائيات بعد ثورة 25 يناير أمر طبيعي في ظل تطلع الجميع إلى مناخ ديمقراطي. وأضاف: "لكن يجب أن تلتزم تلك الأحزاب بقواعد العمل الإعلامي، وألا يتحول الأمر في هذه الفضائيات إلى وسيلة للإثارة والتخريب والابتزاز ومهاجمة الآخرين". وأشار إلى أن الواقع السياسي المصري الجديد الذي فرضته الثورة يفتح المجال أمام أحزاب جديدة؛ لذلك: "يجب أن تجد هذه الأحزاب منبرًا إعلاميًا؛ ليتعرف الجمهور إلى برامجها وأفكارها، مع ضرورة أن يتم ذلك بحيادية وحرفية في الأداء الإعلامي. وتابع قائلاً: "القنوات الحزبية ظاهرة صحية سياسيًا وإعلاميًا، وهي أفضل مما تمارسه بعض القنوات الخاصة التي يمتلكها رجال أعمال يستخدمونها لأغراض تخدم مصالحهم الشخصية فقط". لذلك طالب د. عدلي بإنشاء ما سماه بمجلس أعلى للقنوات الفضائية؛ لرصد ممارسات تلك القنوات وليس بهدف مراقبتها وتقيد حريتها، وهو الأمر المعمول به عالميا بحيث يفرض المجلس عقوبات مالية ومهنية على من يخالف قواعد العمل الإعلامي، ويجب أن يكون أعضاؤه من المشهود لهم بالكفاءة والحيادية السياسية. ظاهرة سلبية وترى الكاتبة الصحفية فريدة النقاش أن ظاهرة الفضائيات الحزبية ذات تأثير سلبي على الأجواء السياسية القادمة في مصر وما ستشهده من انتخابات برلمانية ورئاسية، حيث إنها تعبر عن نفوذ المال، فمن يملك المال يكون له منبر إعلامي وذلك يجعل الأحزاب الفقيرة خلف الصفوف. وأضافت أن الإعلام يجب أن يكون محايدًا ومستقلًا، وألا يتحول إلى ساحات للمعارك الحزبية والسياسية. وأضافت: "على الرغم من أن هذه الفضائيات مازالت في بدايتها، وأن الحكم على أدائها سابق لأوانه، إلا أنه يجب أن تقوم الحكومة بدعم مالي لهيئة إعلامية مستقلة بعيدة عن أي انتماء سياسي، مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كي توازي هذه الفضائيات الحزبية؛ ليتحقق التوازن في فضاء السياسية المصرية على المستوى الإعلامي.