تبدو معركة الإعلام المصري مع شباب يناير، وكأنها اقتصرت علي تصفية حسابات والانتقام من الذين ساهموا في إنجاح الثورة، وإجهاض ثورة يناير، هو نفسه الدور الذي لعبته باقي القنوات الفضائية الخاصة. التي انقسمت إلي نوعين الأول محطات ولدت من رحم النظام، والثانية القنوات الوليدة التي خرجت من رحم الثورة. النوع الأول خلع سريعاً ثياب النظام ليرتدي ثوب النضال والسير علي جثث شهداء ثورة مصر، أما الثاني فتوزع ما بين النفاق طوال الوقت لثوار ميدان التحرير علي طريقة النفاق للسلطة وبين اللعب بأجندات سياسية لحساب رجال الأعمال. الإعلام الخاص وصل إلي حالة من الفوضي والانفلات بعد أن اختلط برأس المال لترويج مشروعات الاستثمار السياسي، وتحول المشهد في الإعلام العام والخاص إلي صور عشوائية، ووصل الأمر إلي ظهور الكثير من علامات الاستفهام حولهما. الإعلام الرسمي يعاني من فقر رأس المال وضعف الرؤية السياسية بينما كان الإعلام الخاص الذي يعاني من تضخم رأس المال يبالغ في رسم خطاب إعلامي تحريضي وأصبح بالتالي الإعلام المصري موجها لتحقيق أهداف بعيدة عن إرادة الشعب، إعلام لا يقود الرأي العام بل يتحرك معه ففقد بالتالي هدفه الأساسي. المناخ الجديد الذي أفرزته ثورة يناير كان يهيئ لمولد إعلام حر ومستقل قادر علي تحريك الرأي العام إلا أنه لم يكن في المحصلة النهائية عند مستوي الشعب وبات منفصلا عن نبض الجماهير. أما القائمون علي برامج «التوك شو» مثل خيري رمضان ومني الشاذلي ومعتز الدمرداش وحتي عمرو الليثي وإبراهيم عيسي لم يدركوا أن خيطا رفيعا يفصل بين الحرية والفوضي والمهنية والاحتراف فخلقوا حالة من البلبلة لدي الرأي العام الذي يتأثر بما يقدمونه من مواد إعلامية بعد أن نجحوا في تصدير وجوه جديدة للشاشة باتت معروفة للجميع بنفس الأفكار والآراء ووجهات النظر من قناة لأخري، والمذيع في كل الأحوال هو البطل والمناضل، فبخلاف البرامج الحوارية المؤثرة التي ترتكز علي منح (الوسيط) أو الضيف سلطة التحدث والإدلاء برأيه وترك للمشاهد حرية تكوين الرأي الخاص به يدخل المذيع كطرف يتجاوز حقوق الوسيط بفرض رأيه ولهذا يغيب الحياد. وسط الفوضي الفضائية وتخبط الشاشة فرض الإعلام الإلكتروني كلمته في مواقع التواصل الاجتماعي والتي أصبحت صاحبة الجلالة في تكوين رأي عام صريح ولا يعرف المجاملة أو النفاق سواء في السرعة غير العادية في نقل الأحداث والتعقيب عليها أو إصدار القرارات التي لا ترتبط بأجندات سياسية أو مصالح خاصة ومازالت تواصل الدور القيادي في نقل نبض الشارع المصري دون نفاق أو مبالغة. وكلنا يعلم أنه بعد اندلاع ثورة «25 يناير» بشهور قليلة، أصبحت كل الفضائيات المصرية، يطغي عليها القالب السياسي، ومع انطلاقها انطلقت علامات الاستفهام حول سياسة هذه القناة أو تلك، وهل سيستمر توجهها السياسي من دون تنويع في البرامج؟ مثل «سي بي سي» التي لم تواجه القناة أي مشكلة في الحصول علي التراخيص. ورفض أصحابها فكرة ان تكون القناة وقتية مرتبطة بالثورة فحسب، مشيرين إلي أنها لم تنطلق للحديث فقط عن الثورة أو أن هدفها الأساسي هو الحديث عنها فقط؛ فالقناة زاخرة بكوادر كثيرة من ألمع الصحفيين والإعلاميين وليس من المجدي أن يضحوا بأسمائهم من أجل المشاركة في قناة يقال إنها مرتبطة بزمن الثورة فقط. و«سي بي سي» ليست مجرد قناة؛ فهي شبكة تليفزيونية تضم في جعبتها عدداً من القنوات مثل «سي بي سي» دراما ورياضة، و«سي بي سي بلاس تو» التي تعمل علي إعادة البرامج بعد بثها بساعتين فقط، وانضمت أيضا قنوات «النهار» و«مودرن سبورت» إلي سلسلة هذه القنوات، التي تضم مجموعة وجوه معروفة، مثل لميس الحديدي ومجدي الجلاد وخيري رمضان وعبدالرحمن يوسف وعادل حمودة ومظهر شاهين ومعز مسعود وعمرو حمزاوي. وإذا نظرنا إلي السيرة الذاتية لكل منهم، فسنجده مختلفاً عن الآخر، ما يدل علي أن القناة لا تتبني فكراً أحادياً بل ترصد التيارات الدينية والسياسية كافة أما الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسي أحد مؤسسي قناة «التحرير» فرفض انضمام أي إعلامي إليها أو صحفي هاجم ثورة «25 يناير»، وفضل الاعتماد علي نجوم الميدان مثل بلال فضل ومحمود سعد قبل أن يختفي الثنائي من شاشات التحرير. ظاهرة جديدة فرضت نفسها بقوة علي ساحة الإعلام المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهي انطلاق العديد من الفضائيات الحزبية، منها مصر 25، فضائية الإخوان المسلمين، فضائية المصري لحزب الوفد، ويري الإعلامي محمود سلطان أنه يتوجب علي الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة والعاملين بتلك القنوات أن يكون لديهم وعي تام والتزام صادق بميثاق شرف العمل الإعلامي قبل أي مصلحة سياسية، حتي لا تتحول القنوات الناشئة إلي منابر للتراشق السياسي تسفر «فوضي إعلامية وسياسية». ويؤكد خبراء الإعلام إن مصادر تمويل القنوات الفضائية التي خرجت مؤخراً في مصر غير معروفة وغير مفهومة مطلقاً، فمعظمها لا يمتلك حصصاً إعلانية مسبقة مثلاً لتكون أحد مصادر تمويله، كما أنه من المستبعد أن يكون من أهدافها أهداف خيرية لمصلحة الوطن، مبيناً أن القنوات الفضائية تحتاج إلي تمويل ضخم، وجميعها خرجت مؤخراً في شكل غامض انعدمت فيه الشفافية، ويضيف الخبراء أن القنوات الخاصة في مصر ليس معروفاً من يقف خلفها، وتجدد السؤال مع الفضائيات التي ظهرت بعد الثورة، حول من يدعم استمرار تلك القنوات، ومع أننا نعلم ما يوفره رجال الأعمال كافة من ميزانيات للجوانب الإعلامية إلا أن إطلاق قناة خاصة يحتاج إلي ميزانيات ضخمة، ولن يتم استخدامها دون الرغبة في الوصول إلي أهداف قوية ومهمة.