تضع القنوات الفضائية مصر فوق فوهة بركان لتغلي كالمرجل وتلقي بها صوب مصير مجهول, في وقت ينفذ فيه بعضها خطة لإحراق المجتمع وادخاله دوامة صراع وعنف دون نهاية. تحول الإعلام الخاص تحت مسمي حرية التعبير من وسيلة تبني العقول وتثري الوجدان وتفتح الأفق أمام الناس.. تحول الي وسيلة تبعث علي الفوضي وتهدم تماسك بنيان المجتمع. بعض الفضائيات تفوح عبر شاشاتها رائحة خيانة الوطن, واتجاه بإغراقه في هوة سحيقة لا يخرج منها, ويظل أسير كبوته.. لا يتجاوز محنته. مشهد إعلامي ممتد تغلفه الفوضي ولا تحكمه معايير مهنية ولا يردعه قانون.. مشهد لا يقره واقع ولا يقبله منطق ولا يوجد له نظير في أي دولة في العالم.. فقط تنفرد به مصر, وتغيب عنه كل الأجهزة المعنية. 23 قناة خرجت الي الفضاء بعد ثورة25 يناير, و20 أخري تنتظر الحصول علي تراخيص العمل والشكوك تزداد حول جهات داخلية وأخري خارجية تعمل علي استخدام القنوات الفضائية لاشعال نار الفتنة في المجتمع وتعطيل مسيرته.. جهات تغدق أموالا بلا حساب. كل الأجهزة الرقابية المعنية بضبط أداء القنوات الفضائية أصابتها غيبوبة وتركت الساحة خاوية علي عروشها لاستباحة جسد مصر.. تركت كل تيار ينشر الفوضي ويبث سمومه علي الهواء.. تفاصيل كثيرة وخيوط متشابكة في السطور التالية: يكشف اللواء حسام سويلم الخبير الأمني عن أبعاد مخطط كبير يهدف الي تقسيم مصر وتفتيت قوتها وتمزيق أوصالها, واغراقها في صراعات داخلية تدخل المجتمع وأطيافه السياسية دوامة صراع دموي.. حتي تضيع هيبة الوطن, ولا يبقي منه سوي أشلاء متناثرة. ويستخدم الإعلام المرئي, كونه الأداة المؤثرة في الرأي العام, وسيلة أساسية في تنفيذ هذا المخطط ويتعين علي المجتمع الانتباه جيدا الي ما تضمره بعض الجماعات الداخلية والخارجية من سوء لمصر, والتصدي لتلك المحاولات قبل فوات الأوان, ويصعب بعدها تدارك المخاطر المحدقة. مع الأسف هناك قطاع عريض في المجتمع ينساق خلف القنوات الفضائية وما تبثه من أفكار وأخبار ومعلومات لا تنطوي علي حقائق يمكن بناء أحكام عليها.. بما ينتج عنه تشويه للمواقف والأحداث لتبدو علي غير هيئتها الحقيقية فيقع المحظور وينفجر الرأي العام وتضرب في عمق جذوره الفوضي وعدم الاستقرار. هذا مخطط ينفذ بعناية في غفلة من القطاع الواعي في المجتمع ولا ينتبه إليه أحد, ولم يسأل كائن من كان عن حالة الفوضي الإعلامية التي يضج بها المجتمع وهذا الكم الوافر من برامج التوك شو والتي تحمل في ثناياها بعدا خطيرا من المعلومات والأخبار التي تفتقر الي المهنية والدقة والموضوعية في التناول. أقول وأنا أقف علي أرض صلبة ويقين راسخ, والكلام مازال علي لسان الخبير الأمني, إن القنوات الفضائية تلعب دورا محوريا فيما يحدث الآن في المجتمع وما يتعرض له من أحداث, ولعلي لا أبالغ اذا قلت إن هذه القنوات تم بيعها, وبعض أصحابها يحصلون علي الثمن. ما يدعو للقلق ويزيد الأمر تعقيدا حالة الفوضي التي يحاول البعض اشعالها في الإعلام الرسمي, الذي يتعين عليه في هذا الوقت العصيب التصدي للقنوات الفضائية المشبوهة.. هناك من يعمل علي إغراقه في مطالب فئوية, واخراجه من معركة المنافسة, والمدقق في عمق المشهد وقراءة ما بداخله يجد أن مثيري القلاقل ومروجي المطالب الفئوية حفنة من المنتفعين الذين لا يقدمون أعمالا إعلامية محترمة, ويريدون امتطاء الثورة والحصول علي مكاسب شخصية.. الاعلام الرسمي يحتاج لبناء مسيرته والتصدي للثورة المضادة التي تضرب استقراره. لقد تركت الساحة الإعلامية الآن للإعلام الخاص الموجه المدفوع بمخطط يهدف إلي تفتيت وحدة الوطن واستقراره وأمنه ويعمل علي تنفيذ أهدافه. في تصور الدكتور سامي الشريف أستاذ الإعلام الدولي, أن المشهد الإعلامي السائد يزداد تعقيدا بعد ثورة25 يناير في ظل دخول أطراف داخلية وخارجية لها أهداف واستراتيجيات مشبوهة دخلت بها معترك العمل الإعلامي, وامتطت عناصر منها موجة الثورة وادعي بعض رموزها الدفاع عن مبادئها, وربما يكونون أول أعداء للثورة. الناظر الي واقع الإعلام في تلك المرحلة الراهنة يشهد انطلاق العديد من القنوات الفضائية التي يملكها أناس ليس لهم علاقة بصناعة الاعلام أو العمل السياسي, وينفقون الملايين لاستقطاب إعلاميين وأقلام صحفية, وشراء أعمال درامية بمبالغ تعجز عن تسديدها دول كبيرة.. فمن يقف إذن خلف هؤلاء؟!.. يصعب علي المتخصص في شئون الإعلام الوقوف علي الأبعاد الحقيقية لقضية الانفلات الإعلامي, ولكنه في أغلب الظن يحمل في ثناياه أجندات خفية وإثارة وبلبلة للرأي العام وانقلابا علي أهداف الثورة, والسعي للإمساك بأبواق تحمل أفكارا لترسيخ ثورة مضادة لاغراق المجتمع في هوة سحيقة لمشكلات فئوية وطائفية تعرقل مسيرة الاصلاح. يتعجب الدكتور سامي الشريف من وضع الإعلام في مصر وعلي حد قوله في جميع دول العالم توجد ضوابط ومعايير وقانون يحكم تراخيص انشاء القنوات الفضائية ويراقب أداءها.. صحيح أن الحكومات ليست مسئولة عن هذه النوعية من الأجهزة ولا تقوم علي ادارتها, ولكنها موجودة بقوة في المجتمع المدني الذي يناط به أداء تلك المهمة ويضع مواثيق الشرف الإعلامي ويلتزم بها الجميع, وتوقع العقوبات علي من يخالفها ويعبث بمقدرات المجتمع واستقراره وخروجه علي مقتضيات دوره.. غياب هذا الجهاز عن واقع الإعلام المصري ساهم الي حد كبير في شيوع هذا المناخ, وسيطرته علي توجيه الرأي العام. يضع الدكتور سامي الشريف علامة استفهام حول مصادر تمويل القنوات التي يتعين عليها في أعتي الدول الديمقراطية ضرورة الزام المساهمين بالافصاح عن مصادر التمويل, ولكن بحسب قوله هذا الواقع لا يحدث في مصر, ولا يسأل أحد عن مصادر تمويلها.. حتي باتت مشروعا استثماريا يخضع لقواعد وضوابط الهيئة العامة للاستثمار. يدعو الدكتور صفوت العالم أستاذ الإذاعة والتليفزيون الي التساؤل عن المستفيد من هذا المشهد الإعلامي قائلا: بالتأكيد ان هناك جماعات تسعي بصورة أو بأخري الي استثمار هذا المناخ لصالحها, وتحقيق أهداف تعمل من أجلها, وفي سبيل ذلك لا نجد مكانا للمعايير المهنية التي تحكم نظام عمل القنوات الفضائية.. خاصة في ظل غياب جهاز يتولي مسئولية ضبط الأداء. ويجب التوقف والتدقيق بعناية, أمام مصادر تمويل هذه القنوات يقيني أن هناك جهات مشبوهة تعمل علي تمويلها لتحقيق أهداف محددة, فما يتم إنفاقه علي تشغيلها يفوق التصورات, ويضع علامات استفهام حول خلفيات أصحابها السياسية والمالية. يقر عبدالمنعم الألفي نائب رئيس هيئة الاستثمار ورئيس مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة واقعا إعلاميا قائلا: القانون لا يلزم أصحاب القنوات الفضائية عند الحصول علي التراخيص بالكشف عن مصادر تمويلها.. لكنه يفصح فقط عن أسماء المساهمين وجنسياتهم.. مسألة الافصاح عن مصادر التمويل مسألة معقدة ولايمكن تحديدها بسهولة. يكشف عبدالمنعم الألفي نائب رئيس هيئة الاستثمار ورئيس مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة عن إصدار تراخيص إنشاء23 قناة فضائية منذ قيام ثورة25 يناير, وتنتظر20 قناة أخري الحصول علي تصاريح بالعمل. مسئولية المنطقة الإعلامية الحرة تنحصر في التعامل مع80 قناة فضائية فقط, بينما الشركة المصرية للأقمار الصناعية يخضع لولايتها600 قناة أخري, والهيئة ليس لها ولاية أو توقيع جزاء عليها اذا ما ارتكبت مخالفة, وطالبنا كثيرا ضمن مقترحات تم التقدم بها لوضع ضوابط وقواعد عمل واحدة تنطبق علي كل القنوات دون استثناء ولم يحدث شيء. يرفض أمين بسيوني رئيس الشركة المصرية للأقمار الصناعية ورئيس اللجنة الدائمة للإعلام بجامعة الدول العربية السابق اخضاع كل القنوات الفضائية الموجودة علي القمر الصناعي المصري نايل سات لولاية هيئة الاستثمار قائلا: اذا كان القمر المصري يقدم خدماته فوق أرض مصر.. فهذا لا يعني التزامه بنظم وقواعد العمل المحلية. وبحسب تصوره يبقي أداء القنوات الفضائية العربية والمصرية علي حد سواء علي هذا النحو السائد نتيجة غياب آلية حاكمة تضع ضوابط ملزمة للجميع, وعلي حد قوله, كان هناك تصور عربي جاد لضبط حالة الفوضي الإعلامية خرج من اجتماع وزراء الاعلام العرب عام2005 في هيئة مبادئ قانونية لتنظيم البث الفضائي, ووافق عليه الوزراء بالاجماع, لكنه توقف نتيجة غياب آلية التنفيذ, واقترحت وقتها في ضوء ما أقره الأمين العام للجامعة إنشاء مفوضية تضم في عضويتها المندوبين الدائمين ليتولوا مسئولية مراقبة الأداء, علي خلفية ما يأتي من شكاوي تتعلق بالقنوات, لكن شيئا لم يحدث.