خرج بسيوني من العمل وركب الأتوبيس، وفي طريق العودة إلى المنزل أخذ يفكر، وجد نفسه واقع في "حيص بيص".. كيف يُدبر مصاريف البيت والدروس الخصوصية التي أصبحت مثل الماء والهواء بسبب هجوم الوباء، وكيف سيدفع الإيجار وفلوس المياة والزبالة والكهرباء والذي منه، وكيف سيعيش بمرتبه أو بالذي سيتبقى منه. وهنا قرر بسيوني أن يكف عن التفكير في أمور الهم والغم، وأن ينام هرباً من القعدة في المواقف التي تحرق الدم.. لكن هيهات، فقد صعد إلى الأتوبيس رجل غريب يرتدي بذلة قديمة، وشكله من النوع المألوف، لكنه بدأ يزعق بصوت جهوري لركاب الأتوبيس قائلاً: In The Name Of Allah يعني بسم الله الرحمن الرحيم Please Listen Me من فضلكم اسمعوني I Have A Great Surprise For You أنا عندي مفاجأة كبيرة ليكوا The Surprise Is Here In This Bag المفاجأة هنا في الشنطة دي What Is The Surprise? يا ترى إيه هي المفاجأة؟ "يفتح الرجل سوستة الشنطة ببطء وسط ترقب الركاب، الذين خافوا من أن يشهر في وجوههم سلاحاً أبيضاً أو أسوداً أو مفجراً، ويروحوا "فطيس" ضحايا الأتوبيس، والجاني يكون "مختل عقليًا". وفجأة وسط صمت الجميع.. أخرج الرجل يده من الشنطة وفيها المفاجأة قائلاً "عسلية بنص جنيه"، انفجر الركاب من الضحك، واحمر وجه بسيوني من الغيظ، وأخيراً صعد السواق الذي كان "يخانق دبان وشه" ولمَّ الأجرة، وانطلق الأتوبيس على الأسفلت، وحاول "بسيوني" أن ينام مرة ثانية لكن هيهات، فقد فاق على صوت زعيق وجعير ولا صوت الحمير. فطل برأسه من الشباك فشاهد الشاب مفتعل العراك، الذي أمطر السواق بوابل من السباب والذباب والشتائم النابية، ثم صعد مع شلته لتنفيذ العملية، ليلقن السواق درسًا في أصول القيادة الفنية على طريقة أفلام الأكشن، لكنه أكشن أمريكاني ضارب على "رصيف نمرة خمسة"، لقطة خناقة فريد شوقي وزكي رستم في العربية النقل. أوخذ الشاب أبو الكباتن يمسك في خناق السواق الذي ما زال يسوق الأتوبيس بالركاب، ثم أطبق أصحاب الكابتن أبو الشباب على الدركسيون، وهنا بدأ الأكشن.. بدأ الأتوبيس يتراقص فشر روبي على عجلتها، ويتمايل ولا تمايل هيفاء وهبي في أغنيتها "رجب حوش صاحبك عني"، وتعالى صياح الناس سواء في الأتوبيس أو في الشارع فزعاً من الأتوبيس الذي يتطوح مثل السكارى حتى يجد من يأخذه على القسم. وفعلاً حدث ما كان في الحسبان ونزل السواق والشاب أبو الكباتن، علشان يتظبطوا تمام التمام رغم إن السواق ما كانش غلطان، ونزل الناس في نصف الطريق وضاع قطار العمر، كانت الأتوبيسات كلها مكتظة ولا أيام سوق غزة، وركب الناس على سلالم الأتوبيس فأصبحت مزدحمة مثل سلالم نقابة الصحفيين، وأصبح الأتوبيس مائلاً على جنبه اليمين. ولم يلبث بسيوني في الأتوبيس كثيراً حتى تعالى زعيق أحد الركاب صارخاً.. "لقد سُرقت" اطلع بينا يا أسطى على القسم، كلاكيت تاني مرة، يا دي العيشة المرة، بقدرة قادر خلى الراكب السواق شريك الحرامي في الجريمة، وأصبح هو الذي حرَّض اللص ابن اللئيمة، وتهجم الراكب على السائق وعجلة القيادة التي أصبحت مثل عجلة الواد حمادة الشقي اللي بيلعب في الجنينة، وأمه قاعدة "تخرّع" الكرنبة بالسكينة. وركن السائق الأتوبيس ونزل الناس في الشارع للمرة الثانية، وهنا كان أذان المغرب.. وأخذ بسيوني ينتظر الركوب على سلالم الأتوبيسات لكن بلا جدوى، وعندها قرر أن يضحي بآخر ما تبقى من المرتب ويدفع أجرة ميكروباصين حتى يعود إلى بيته لو صفر اليدين.