كانت اللئيمة على الكرسي المجاور تستعد لتقترب، لوحت بيدي لأبعدها وصحت حتي لا تلمسني، فتحركت مبتعدة تسير حول المائدة ثم تدور لتصبح في مواجهتي تراقبني. تعودت باستمرار أن أرتب حركتي ولا أفتح الأبواب فترات طويلة لأتفادى معركتي معها. أضيق بها خاصة في الصيف عندما اضطر لفتح النوافذ والأبواب وأصبح مكشوفاً للجيران، ساعتها تدخل ثم تبدأ الإزعاج، فتظل تحوم حولي حتى يحين وقت النوم وأطفىء الأنوار. فجأة أحسست بها تلمس شعري. اقشعر بدني رافضاً متحركاً بسرعة، فابتعدت حتى توقفت إلى جانب النافذة تلتقط الأنفاس، تساءلت.. كيف..؟ لابد أني نسيت الباب مفتوحاً لبرهة، فتسللت هذه المصيبة الواقفة أمامي. أفكار القتل والعنف أزيحها جانباً، وأبحث بدقة عن الحلول الهادئة حتي لو تطلب ذلك وقتاً أو مجهوداً لأنهي المواقف الحرجة والأزمات، أصدقائي يتهمونني بالهدوء والانفعال المرتب الذي يصل إلى حد التبلد في بعض الأحيان، ورغم ذلك فإن انفعالاتي كانت واضحة على ملامحي وحركاتي، وكانت أمامي تراقبني في برود تحك رأسها متلذذة بمشاهدة ثورتي واضطرابي. مددت يدي أستعد لأن أدفعها بعيداً ورأيتها تتحرك بالفعل ولكن في الاتجاه العكسي فكدت أفقد صوابي . كان لابد أن أغادر البيت فلدي موعد مهم لا يجب التأخر عنه فخرجت مؤجلاً الموقف لحين عودتي. نزلت علي السلم مشغولاً أفكر في مقابلتي القادمة، تلقائياً فتحت باب سيارتي أدير المحرك وبدأت المسير، توقفت بسرعة فقد وجدتها إلى جواري تماماً، ولابد أنها ستشغلني عن الطريق، ربما تسبب ذلك في الاحتكاك بسيارة أخرى أو أصدم شخصاً يعبر الطريق. فتحت الباب لأجبرها أن تترك السيارة ولم أفلح فلم تستجب لمحاولاتي، وعلى الفور قبلت وجودها على مضض، وما كدت أستعد للسير حتى ناوشتني لأبدأ معها حرباً أعرفها. صممت ألا أكِل حتى أغلبها ولو أدى ذلك لضياع موعدي.. أعرف أنها دائماً تواجهني وتفرض نفسها، واليوم صحبتني لتثبت وجودها. توقعت للحظة أنها هدأت لولا أني رأيتها كما في كل مرة تهرش رأسها متلذذة وتحكها في إصرار ناظرة في تحد واضح لا أفهمه. حدقت أتاملها محاولاً توقع ما ستفعله هذه المرة، ولم أستطع بالطبع. جازفت بحياتي، وقررت أن ألحق بالموعد بعد أن رأيتها تستكين في مكانها، ربما قرأت فكري أو فهمت نظرتي. انطلقت بالسيارة وعيناي لا تكاد تفارقها ولحسن حظي لحقت بالموعد في مكتب المحامي وجلست أرتب أوراقي. ضايقتني عندما بدأت تتدخل بيننا أثناء الحديث، ولم يكن في استطاعتي إلا أن ألوّح بيدي أبعدها عن المجال عندما أتحدث، فكانت تذهب غير بعيد لتعود متحفزة ترمقني ثم تقترب في صفاقة غير عابئة بي كي تلفت النظر والاهتمام تحاورني محاولة قهري. نظرت إليها في حسم وبقوة فراحت إلى المقعد المجاور، وبهت عندما دققت النظر وجدت في عينيها تلك النظرة البلهاء المتحفزة التي أعرفها فتراجعت. أدركت أن المحامي بدأ يتضايق من ضعف تركيزي وانصرافي عنه مهتماً بتلك اللعينة، فأعود بسرعة وأنظر في عينيه وأهز رأسي مظهراً الاهتمام والفهم لما يقول، وقبل أن ينتهي أسأله عن الكلمات التي فاتتني من حديثه عندما كنت أحمي نفسي من الهجمة الماضية، وبدأت أستعجل الوقت لأنصرف من مكتبه بعد إحساسي بالإحراج من نظرته المتشككة التي تتجدد كلما سألته عما كان يقوله، فتركته مسرعاً وانطلقت. خرجت من المكتب أجفف عرقي أكاد أصرخ وهي تدور من جانب لآخر محاولة تلمس وجهي أو يدي متلطفة. تعجبت عندما رأيت الأولاد أمام البناية توقفوا عن لعبهم ينظرون إليها وأنا أدفعها بعيداً ملوحاً بيدي وهي لا ترضى أبداً. قضيت ليلة عصيبة، رحت أفكر طوال الوقت عما يجب أن أفعله ورأيت أنه لابد أن نتهادن أو نعقد صلحاً بيننا فنصبح أصدقاء ولا تعاديني بعدما أصبحت لا تفارقني أبداً. كلمتنا أكتوبر 2001