داس أحدهم على قدمه .. أو صدم كتفه دون أن يقصد ( أو يقصد ) لا فارق .. حك أحدهم اكصدام السيارة في جنب سيارته .. أو استظرف ( كما هي عادة الشخصية المصرية التي تدعي أنها بنت نكتة .. والحقيقة أنها بنت ستين في سبعين ) وألقى إفيها في الهواء سواء أصابه أو لم يصبه .....ا إذن فلتقم الدنيا ولا تقعد .. احتقن وجه كل منهما .. ضبط مؤشرات حنجرته حتى يخرج صوته أعلى ما يمكن و أجش ما يمكن .. حدق كل منهما في ملامح الآخر وكأنه يحفظها لأنه سيقوم بتشويهها بعد لحظات .. أخذ يستدعي قاموس أقذر السباب الذي يعرفه أو لا يعرفه .. استحضر شجرة عائلة الآخر استعدادا لسب أفرادها فردا فردا بعد غسل من أمامه باتهامه بالعمى والغباء والجهل والسفه والهمجية ومجموعة أخرى .. مع الرد بمجموعة تهم مماثلة من الشخص الآخر .. تليها تذكيرات للطرف الآخر أنه في سن الابن أو الوالد وأن ذلك فقط الذي يمنعه من اهانته أو إيذائه ( ده بعد شلالات الاهانات اللي اندلق قبل قليل ) أما إذا كان إبن ناس ... أو يبدو لنفسه أنه إبن ناس .. فإنه سيضيف إلى ما سبق تهديدات وتوعد بالحبس والنفخ ثم التعليق كما البلالين ... يلي بعد ذلك تدافع الصدور , وأصوات أشبه بخوار الثور ثم ........ا تتحرك الأيدي في في سرعة وتتسابق لنبش وهبش الوجوه وخدشها وعجنها إلى أن يأتي شخص استشاري محترف للقيام بعملية أشبه بعملية فصل التوائم الملتصقة واستخلاص الأجسام الملتحمة من بعضها البعض .ا مشهد صغير في زمنه .. كبير في معناه , والفائز في هذه المواقف دائما هو من يشتم أكثر , و غالبا ما يستغل كبار السن هذه النقطة للتمادي في السب والشتم وتقمص شخصية عم أنور ( الراجل اللي بيشتم في إعلانات ميلودي ومن يتوعد أكثر ( تم الشرح سابقا ) .. ومن يضرب أكثر ( ومعروف أنه " من يضرب أخيرا .. يضرب كثيرا" )ا لكني قبل ذلك أتساءل .. لماذا نتشاجر بهذا العنف وهذه الحرقة , هل إلى هذا الحد كرامتنا بتنقح علينا مع أقل كلمة تجعل الآخر يستحق عقوبة رادعة ؟؟ هل إلى هذه الدرجة تصل الكرامة , فأقل لمسة تكفي لشحذ جميع الأسلحة المادية و المعنوية لشن حرب تأديبية على هذا الوغد الآخر الصفيق المتطاول .ا في الواقع أرى أن ثقافة الخناقات ليست دفاعا عن النفس التي شتمت , ولا انتقاما للعرض الذي تم سبه .. ولا يعتبر رد شرف الشارب ( الشنب ) المعرض للخضوع ... أبسولوتلي , بل أرى أن الخناقات ( خصوصا في بلادنا ) هي ثقافة إسقاط .. إسقاط لأي منغص في المحيط وللواقع المرير بالكامل على وجه هذا المتبجح الآخر .. فما إن يصدر من هذا الآخر أقل مؤثر يكفي لفتح جوال الشحن الذي بداخل الأول .. حتى تتداعى أمامه صور المنغصات الجاثمة فوق صدره .. صورة السلطة الحاكمة , صورة المدير الفظ التعامل , صورة الزميل المأسفن , صورة الجار السخيف , صورة حكومة البيت ( الزوجة ) ... ويرى كل ملامح الكبت والقهر التي يعيشها ترتسم على وجه هذا الآخر مما فيطلق صرخة قتالية وتجعله ينطلق نحو وجه هذا الآخر يمزقه إربا إربا .. وكانه يحطم كل ما سبق متمثلا في تحطيم وجه هذا الكائن .ا أضف إلى ذلك عامل آخر هو ميل إنساني فطري للعنف سواء للممارسة أو مجرد المشاهدة .. وذلك سبب تحلق وتجمع الناس عند حدوث أي بوادر أو شرارة تنذر بخناقة كأنها مباراة بين البيج شو و جون سينا .. وقد تناولت هذا الموضوع ( ام صرعة .. أي المصارعة ) في مقال سابق .ا أما السبب الثالث هو ميل فطري أيضا ... ميل لفرض السطوة وإخضاع الآخر وأن أخيرا ثمة من يستطيع هو بسط نفوذه على هذا الآخر .. والتنفيس عن هذا الوحش المتوحش الذي بداخله الذي وجد الفرصة أخيرا حتى يخرج من قمقمه لكسر أنف هذا الآخر وتمريغها في التراب .. وأنها أيضا فرصة لاستكشاف مواهب التخويف والترويع وزرع الهيبة في نفسه والمهابة في قلب الآخر .. ورؤية هذا الخوف واضحا جليا في أعينهم ( لا سيما الشخصية المصرية .. فهم فراعنة أحفاد فراعنة فلازم له احتياج انه يتفتون ويتبلطج ويعمل فردة على حد ).ا سبب رابع .. ولا أعرف إذا كان بإمكاني إضافته أم لا .. هي تراكمات في الشخصية المصرية بوجه عام تجعله يخلع جميع أثواب الأدب و الذوق مع أقل شئ ( كما سبق ) مدعيا بأن الذوق لا ينفع ما أمثال هؤلاء .. وأن الطيبة تمثل ضعفا مع هؤلاء الحثالة ( الطيبة دي تخلي الأنواع دي تنمو .. مكي في فيلم طير انت )ا ينتهي الأمر بإحاطة كل منهم بكردون بشري وإبعادهم .. وتشييع كل منهم للآخر بنظرة معادية .. أو مجموعة شتايم أخرى .... وبس يا سيدي ....اضربة أخيرة .... الخناقات في مصر ليس مجرد التحام أجسام ثم فصلها تليها محاولات تهدئة وحثهم على الصلاة على النبي .. بل هي قراءة نفسية وفلسفية كاملة للشخصية المصرية كما تكشف أن الانسان المصري يحتاج إلى عدد 2 خناقة أو يزيدون في الشهر لكي يخرج الطاقة السلبية الحبيسة بداخله ..................................... بس كده