يوما بعد يوم يتزايد بداخلي الشعور ان ثورتنا اصبحت كالقطار الذي يندفع بلا فرامل وما من أحد بقادر علي إيقافه..عيب ما في ميكانيكية الثورة ، لكن قائدا غامضا يركب القطار في لحظة شيطانية ويصر علي قيادته وهو يعلم هذا العيب الخطير، ويدرك يقينا ان كارثة محققة لابد أن تقع دون وجود المكابح أو وجود من له دراية بكيفية التعامل مع هذه الطوارئ.. وفي نهاية الأمر ستلقي المسئولية علي الخطأ البشري ويبقي الفاعل مجهولاً. مليونية الجمعة الماضية خير مثال علي هذه الصورة. الغضب يملأ نفوس المصريين من أداء متباطئ.. متحايل علي مطالب الثوار. يزداد الغضب، ويتصاعد العناد.. يرغي الثوار ويزبدون، يهددون ويتوعدون، يتظاهرون ويعتصمون وبعضهم يضرب عن الطعام.. كلها وسائل ضغط مشروعة مهما تصاعدت لتبلغ ذروتها، مادامت في إطار المصلحة العامة ولا تتعارض مع مصير الوطن ولا معيشة أفراده. لكن القائد الغامض يركب قطار الثورة وقد بلغت الأرواح الحلقوم، ليقوده نحو الكارثة.. التهديد بالعصيان المدني! تري من هذا الإبليس الذي ألقي في روع الثوار ان قطع طريق العين السخنة مثلا، أو إغلاق مجمع التحرير ومنع الموظفين من دخوله والمواطنين من انجاز مصالحهم، سيخدم الثورة؟ من هذا الذي أقنعهم بأن إلهاء الجيش الثالث في تفريق المتظاهرين بالسويس وإضطراره للتحرك لحماية قناة السويس من "المصريين" يصب في مصلحة الثورة والوطن؟ من هذا الذي يلبس مطالب الثوار ثوب التخريب المتعمد لمرافق الوطن ويهدد شرايينه الحيوية؟ من هذا الملعون لص الموالد الذي يريد ان يغتصب الثورة المصرية ويفقدها براءتها وبكارتها؟ من ذا الذي يسعي لشل اقتصاد مصر وتركيعها؟ في ظروفنا الحالية أري ان التهديد بالعصيان المدني "خراب مستعجل" للبلاد، فمن هو ذلك الساعي لخرابها ؟ أرجو ألا يزايد أحد علي ويحاول تلقيني درساً في أساليب الاحتجاج المشروعة ولا في حقوق الإنسان المعترف بها دوليا. فالعصيان المدني الذي تبناه غاندي مثلا كان ضد حكومة اجنبية ونظام استعماري يكافح لطرده،لا ضد حكومة وطنية تسابق الزمن لضمان توفير رغيف الخبز وحفنة الأرز للأفواه الجائعة و تريق ماء وجهها مع الحكومات الأجنبية لتغريها علي الاستثمار في بلادنا من أجل تعويض الفاقد الذي أهدره ونهبه النظام السابق. نعم الغضب جماعي.. وأرواح الشهداء لن تسكن إلا بالقصاص وإقامة العدالة وإرساء القانون . نعم العدالة بطيئة والعدالة البطيئة موجعة وبغيضة، لكن العصيان المدني المعترف به دوليا كإحدي الوسائل "السلمية" للاحتجاج، وله أصول وضوابط علي رأسها ألا يضر بمصالح المواطنين ولا مصائرهم ولا يعرض حياتهم للخطر. كما انه اختياري وليس إجباريا ولا يجب إجبار أحد الموظفين علي الامتناع علي العمل وإلا تحول الأمر الي فوضي وبلطجة.وما حدث من إغلاق جبري لمجمع التحرير وبورصة الإسكندرية وقطع للطرق الحيوية في السويس وتهديد القناة يندرج تحت أعمال البلطجة التي أربأ بأهالي بر مصر منها. خيبة الأمل راكبة"جمل" بمناسبة الحديث الميكانيكي الذي بدأت به اليوميات، هل جربت مرة ان تقود سيارتك وقد رفعت فرامل اليد فيها؟ من المؤكد انك ستشعر بالسيارة تتحرك وهي مخنوقة، وقد تصدر صريرا ملحوظا يسمي لدي المتخصصين "تخبيط" .. وقد يصل الأمر الي احتراق المحرك لا سمح الله. هكذا أري حكومة الدكتور عصام شرف، بل هكذا أراه هو شخصياً. شخص وضعته المقادير في سدة الحكم وفي مواجهة أعتي التحديات، مطلوب منه ان يتواكب مع حركة الثوار ويفتح "عالرابع" لكنه ليس مطلق الصلاحيات، مكبل الإرادة ومغلول اليد، تماما كالسيارة التي وصفتها لك سالفاً، من ثم بدأ "يخبط". نفر غير قليل من المراقبين والمحللين والساسة يشعرون ان المجلس العسكري الذي يحكم البلاد قد رفع فرامل يد الدكتور شرف و مع ذلك يطالبه بالسير، الدليل علي ذلك تهاوي البيانين الأخيرين له. ثمة تصرفات استفزت الجماهير رغم تواؤمها مع القانون مثل الإفراج عن المتهمين بقتل الثوار وعودة الضباط منهم الي مواقعهم الحساسة يديرونها بكل اطمئنان، وكان من الممكن تفادي غضب الأهالي بوقفهم عن العمل لحين صدور أحكام نهائية بتبرئتهم أو إدانتهم. ومثل ترديد وتدوير مبدأ الدية إبان هذا الإفراج المؤقت لتسويغ الضغط علي أهالي الضحايا لقبول الدية وكأننا أصدرنا حكمنا المسبق بالقتل الخطأ واستبعدنا جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. لم يكن هناك اي تفسير لخروج نائب رئيس الوزراء ليعلن بنفسه انه تقدم باستقالته لرئيس الوزراء وانه قبلها لكن المجلس العسكري رفضها. لم يعلنها شرف ولا المجلس. وبدا كأن الدكتور الجمل يخرج لسانه للثوار وللكل كليلة. وكان تعبيرا مقيتا ومغيظا منه يتنافي مع القيمة السياسية لكليهما أن يصف الجمل رئيس الوزراء بأنه "راجل حنين جدا"! وكم كانت سعادة عشرات الآلاف من الثوار بقبول استقالة الدكتور يحيي الجمل. كذلك لم نسمع تفسيرا رسميا لرفض المجلس العسكري السماح لشرف بإجراء التعديل الوزاري داخل حكومته رغم يقيني من إدراك السادة أعضاء المجلس لضرورة وجود التناغم بين اعضاء الحكومة الواحدة، وإدراكهم لغياب هذا الانسجام. هناك أمثلة عديدة أخري لا يتسع لها المكان. لعله كان من الأشرف لشرف ان يتقدم هو باستقالته، وأن يؤدي الالتزام الواجب عليه نحو الثوار وكلمة الحر في ميدان التحرير دين عليه، لكن ما أفهمه أيضا انه غير مسموح له حتي بتلك الاستقالة. وحتي لو استقال الرجل أو أقيل فمن الذي يضمن نجاح خليفته فيما فشل فيه مادامت فرامله مرفوعة؟ الي لقاء قريب زميلي وأخي العزيز عماد عبد الرحمن هنيئا لك الفردوس الأعلي بمشيئة الرحمن ولأسرتك الغالية وزملائك ومحبيك الصبر الجميل