إذا كان قد أخطأ النظام السابق بعدم الحفاظ على أمانة تولي مقاليد الحكم , فلم يخل الناس من الخطأ , فقد أخطأ الشعب بالخضوع لمفاسد ذاك النظام , بل و مجاراته في هذا الفساد . و إذا كان لابد من المحاكمة الشعبية للنظام السابق و عدم الإكتفاء بالمحاكمة الجنائية , فيجب معها محاكمة شعبية للشعب نفسه . فإسقاط النظام لم يأتي من قوة المصري كما ندعي , بل من هشاشة النظام السابق . لأننا لم و لن نقدر على تغيير مثقال ذرة من البلاد إلا إذا إستطعنا تغيير ما بأنفسنا , و للأسف أصبح المصري غير قادر على مواجهة نفسه بأخطائه و أخطائها , لذلك لن يستطيع مواجهة الغير بأخطائهم . و إذا أرادنا تطهير البلاد من بقايا النظام السابق , فيجب علينا تطهير الأنفس من بقايا أخلاق النظام السابق , فالمصري شخصية متفردة بذاتها , لكن سبب تأخره هو أختلاف موازين التفكير لديه حتى إبتدع أفكار لا يشعر بإنها سر إضطرابه , منها , ظنونه بل و تأكده , بأن الفرائض الدينية ما هي إلا أفعال يمكن التكاسل عنها و إذا تكاسل فلا ضرر من ذلك سواء عليه أو على المجتمع أجمع , بل و الأخطر إنه ظن أن الرزق الذي ينعم عليه الله به ما هو إلا حق يجب الحصول عليه حتى و لو بقوة الساعد و يستعد لمبارزة أي فرد من أجل ذلك و نسيانه أول مبادئ الإيمان و هي أن الأرزاق بيد الله . و قد أخطأ المصري في فهم معنى الحرية و فهم أساسيات الديموقراطية التي ينادي بها , حتى أصبحت الحرية لديه هي حريته في فعل ما يشاء دون مناقشة من أحد آخر و أن رأيه هو الرأي الصائب و لا رأي غيره , و إن خالفه أحد في الرأي فإن مخالفه هذا مذنب و مجرم و من الفلول و لا يستحق تلك الحياة التي أنعم عليه الله بها , محققاً بذلك أولى مبادئ الديكتاتورية الظالمة , فتحول من مطالباً للحرية , لطاغية مثل مَن أ ُسقطوا . و من أفعال المصري المنافية لجميع تعاليم الأديان السماوية , تصديق ما يشاع من أخبار و أقاويل و الأكاذيب حتى وصلنا لمرحلة تصديقه لرجل أبكم يقول " أنا سمعت بعيني فلان يشير إلى فلان ...." . لذلك يجب علينا التوقف و يتجه كلٌ منا إلى مواجهة نفسه و محاسبتها .., فالغش في قلوب الذين يفكرون في الشر , أما المبشرون بالسلام لهم فرح . فعلينا أن نقتنع بأن لقمة يابسة و معها سلامة , خير من بيت ملئ بالذبائح و معه خصام ...