تظهر بعض صفات الحكومات الناجحة وبالتالي مجتمعاتها في طريقة توالي المسئولين والوزراء والقيادات بها وتطور المؤسسات أو الهيئات المشرفين عليها وبالتالي تطور الوزارة والحكومة والبلد ككل. يظهر لنا جليا هذا التوالي الناجح في تولي السلطات في اسلوب عمل الحكومات المتقدمة حين يقوم المسئول ببعض التعديلات فقط على خطط الحكومة التي تسبقه لتتوائم وطريقة عمله، لكن ابدا لا يهدم الخطط والأهداف التي تسبقه بل يقوم بالبناء عليها، حيث يبدأ من حيث انتهى الآخرون. لكن عندما تسمع تصريحات القيادات في بلدنا الحبيب في عهد ما قبل الثورة أو ما بعدها –لإن لسة العقلية مختلفتش تقريبا – تقول "احنا هنبدأ من جديد في انشاء كذا وكذا وكذا..." أو "لقد بدأنا بالفعل وضع خطة جديدة للتنمية بأساليب مختلفة" وعلى شاكلة "الحكومة الجديدة .. بداية لعصر النهضة" إذن هنا السؤال... ماذا كانت تفعل الحكومة السابقة؟ سؤال آخر ... هو مافيش خطة طويلة المدى في البلد دي والا ايه؟ وبعد أن فاض بي الكيل "يادي النيلة لسة هنبدأ من الصفر تاااااااني!!!" المشكلة الأكبر.. أن الشعب في أغلب طوائفه تقريبا تحول إلى نسخة طبق الأصل من الحكومة في التعامل مع أي شئ وكل شئ... حتى الثورة.. تقريبا أغلب الناس نسيوا أهدافها الحقيقية وتاهو وسط مشاكل الحياة مثل "الأكل بيغلى – مفيش شغل – العيال داخلين المدرسة – عايز أتجوز بقى – هي الستات مش هتهمد – فيلم العيد – مسلسلات رمضان – الكورة "أهي دي عايزة خمسين مقال لوحدها" وذكر نسيان أهداف الثورة هنا ليس بدوره أن يضع اية اهانة للثوار أو للثورة، إنما هو ذكر طريقة حياة تكونت في داخل أغلبنا.. فقط استطعنا الثورة عليها والانتصار عليها أيضا أثناء ال18يوم ما بين اندلاع الثورة وتنحي الرئيس السابق "للأسف!!" إذن فنحن أمام ثورة أخرى يجب أن تندلع بداخلنا.. ثورة تخرجنا من قالب النظام السابق الذي وضعنا فيه وصرنا نفكر بطريقته... "نطلع نطلع نطلع. ونبدأ المشوار.. ومع الوقت ننسى الهدف ونتوه في زحمة حاجة جديدة" ، "نبدأ فكرة ونختلف ونتفرق وكل واحد فينا يبدأ من الصفر من جديد" لعلي هنا أقوم بذكر بعض الأمثلة على ما نفعله وما نراه يوميا تقريبا "بيننا" وفي السياسة وفي المجتمع. - في بداية الأمر كان الفيس بوك موقع للتواصل الاجتماعي ليس إلا ، ثم بدأنا في استخدامه لتسويق منتجات وشركات حتى أصبح عالميا من أهم منافذ التسويق الالكتروني بجوار اليو تيوب وتويتر.. لكن مع الوقت تحول استخدامه سخافة لا تستحمل في كثرة الصفحات التي لا هدف لها والتي تتشابه مع بعضها لدرجة انك من الممكن أن تشترك في صفحة تحمل نفس الاسم تقريبا - وبقيت مش عارف الاصل من التقليد-.. مثل شارع عبد العزيز "بدأ تاجر في محل للموبايل".. الشارع بأكمله صار تاجرا في الموبايلات... بعد الثورة تكون ائتلاف شباب الثورة.. خرج علينا مجموعة لتقول "ملناش صلة بالناس دي أصلا" وعملوا إئتلاف لوحدهم".. وأضحت الإئتلافات في كل حارة وشارع .. حتى أصبحت بلا نهاية.. وبلا هدف... وعلى نفس الشاكلة.. الأحزاب.. حزب يتم تكوينه.. يخرج منه أشخاص يعترضوا على بعض نقاطه ليكونوا حزبا آخر.. لنغوص في سوق للأحزاب.. ولا يسمع طرف للآخر.. والوحدة التي نطالب بها عربيا.. أصبحنا نطالب بها داخليا. "مرة واحد عرض عليا أدخل في حزب علشان هيطلع لنا سبوبة حلوة من الحوار ده"!!!! - بسبب التعدد في الاحزاب والائتلافات.. أصبح كل ائتلاف أو حزب حين يبدأ حديثه.. يبدأ من الصفر.. مثل الحكومات الماضية، البداية من الصفر.. وليست من حيث انتهى الآخرون. - بسبب هذه الاخطاء التي غرسها النظام السابق طيلة بقاءه.. كنا في بداية الثورة نملك أهدافا واضحة الرؤى ونضعها نصب أعيننا، مع الوقت.. تحولت الأهداف أن تكون مصر "اسلامية أم مدنية".. "دستور أولا أم مجلسي شعب وشورى أم الرئيس" "نلعب كورة ولا نلغيها – نطبق الهبوط ولا نلغيه".. "نعمل أفلام عن الثورة ولا لأ"... الخ الخ!!! وهكذا تاهت الأهداف المهمة في وسط الزحام.. لدرجة أنها تلاشت.. وأصبح من يتحدث عنها في عداد المفقودين.. وعادت ريما لعادتها القديمة "محدش فاهم حاجة"، إعلام "على ما تفرج"، صحافة "بتنفخ البالونة وترميها"، مسئولين "محدش عارف ايه دورهم الفترة دي ولا هم بيقولوا".. الشعب "إضراب في كل شارع في بلادي". بلد "محدش عارف رايحة على فين.. واللي عارف مش عايز يقول" سألني واحد صاحبي من فترة قال لي "هي البلد دي مش ناوية تتعدل بقى؟" قلت له "لما تلاقي أغلب سكانها بيدوروا من نفسهم على صفيحة الزبالة علشان يرموا منديل ورق .. وقتها بس هتعرف ان البلد دي اتعدلت بجد"