دائما ما أتعاطف مع المضربين والمعتصمين، عندما يصبح الأمر متعلقا بقضية عامة أو حتى مطالب فئوية تنشد العدالة الاجتماعية، إلا أننى لم أشعر بأى قدر من التعاطف هذه المرة مع مذيع التليفزيون المصرى خالد سعد، الذى بدأ إضرابه عن الطعام، ومن المنتظر أن تلحق به نجاة العسيلى وآخرون بسبب استبعادهم من تقديم برنامج «استوديو 27»، الذى من الممكن أن تعتبره بديلا عن «البيت بيتك» الذى حمل فى العامين الأخيرين اسم «مصر النهارده».. لست متفائلا بمستقبل البرنامج وقدرته على التأثير، هذه قضية أخرى، إلا أننى أرفض فى نفس الوقت أن يصغُر سلاح الإضراب إلى حد أن يصبح الهدف مجرد حل لمشكلة شخصية ليس بالضرورة من يطلبها هو صاحب حق! دعونا أولا نتناول برنامج «استوديو 27» الذى يبدأ من نقطة الصفر، حيث يعيد مرة أخرى بدايات «البيت بيتك» عام 2004، الذى كان على قوته قرابة 20 مذيعا ومذيعة، حاول من خلالها التعامل بطريقة الجمعية الاستهلاكية «فرخة لكل مواطن» و«يوم لكل مذيع»، وظل برنامجا خارج الزمن بعيدا عن اهتمام الناس رغم أن الهدف فى البداية هو أن يصل البرنامج إلى حاكم مصر، وأراد وقتها الدكتور ممدوح البلتاجى وزير الإعلام أن يقنعه بأن يدير المؤشر ويذهب بالريموت كنترول من «القاهرة اليوم»، حيث كان المخلوع مدمنا مشاهدته فى قناة «الأوربت» إلى التليفزيون المصرى، حاولوا استنساخ «القاهرة اليوم» لإرضائه.. كان المأمول بعد ذلك أن يستحوذ البرنامج على اهتمام الناس وأن ينفرد بتمرير كل ما يريده النظام.. كان البرنامج مطعما بقدر من الحرية المقننة بينما الهدف الكامن هو الحفاظ على أن لا يتجاوز الخط الأحمر، الذى يعنى الرئيس والعائلة الحاكمة، والخطة تسمح بانتقاد الأوضاع الداخلية وتصل ذروتها إلى رئيس الوزراء، حتى تتحقق الرسالة فى نهاية الأمر بأن الرئيس يملك فى يده فقط الحل، وأن بقاء مصر فى بقاء مبارك الأب على سدة الحكم ومن بعده الابن! الثورة فضحت كل شىء وبات الإعلام الرسمى عاريا، وقرر أسامة هيكل تغطية العريان وأعاد فكرة البرنامج مرة أخرى.. الهدف أن يصبح للدولة الرسمية صوتها بين الفضائيات بعد أن اتسعت المسافة بين الشاشة والناس.. لو تابعت أغلب الأسماء التى تم اختيارها للبرنامج تتأكد أن الرهان الأساسى إرضاء أكبر عدد من المذيعين.. الكل يعتقد أن جحا أولى بلحم طوره، هذه هى المشكلة منذ أن جاء اللواء طارق المهدى لماسبيرو بعد الثورة مباشرة، وهو يحاول أن يكسب تعاطف العاملين، مؤكدا أن ملايين ماسبيرو لصالح العاملين فيه. وبدأ كل مذيع يتقمص دور جحا ويبحث عن طوره، لو أن هناك برنامجا على القناة الثانية فمذيعو الثانية يريدون أن يلتهموا التورتة كاملة.. وبرنامجا على الأولى فملكية خاصة لمذيعيها.. ما حدث فى برنامج «استوديو 27» أن مساحة الاختيار امتدت إلى كل المذيعين فى ماسبيرو، حتى من هم فى القنوات المحلية، وعلى الفور تذكر بعض مذيعى القناة الأولى نظرية جحا، وبعض المستبعدين من تقديم البرنامج ربما كانوا بالفعل الأحق لكن الزمن تغير، فالمذيع الذى يشعر أنه صاحب موهبة سوف تتخاطفه القنوات الخاصة، بل إنها سوف تتصارع فيما بينها للاستحواذ عليه. قبل بضعة أشهر حدث خلاف بين حسن راتب مالك قناة «المحور» ومعتز الدمرداش، لم يعتصم معتز أو يضرب عن الطعام، لكنه تلقى عرضا من قناة «الحياة» فشد الرحال إليها.. دينا عبد الرحمن اختلفت مع أحمد بهجت مالك «دريم»، وهو ما تكرر مع حافظ المرازى الذى انتقل فى ستة أشهر فقط من «العربية» إلى التليفزيون المصرى ثم «دريم» ولم يستمر طويلا.. محمود الوروارى انتقل من «العربية» إلى «المحور»، ثم اختلف سياسيا مع صاحب «المحور»، وكل من حافظ ودينا والوروارى يفاضل حاليا بين أكثر من قناة. أقول لمذيع ماسبيرو المضرب وزملائه الذين يستعدون لمشاركته حافظوا على لياقتكم الجسدية والذهنية والفضاء مفتوح أمامكم، هناك عشرات من القنوات افتتحت وعشرات أخرى تستعد للانطلاق، أما إذا لم يطلبكم أحد فتلك هى مشكلتكم.. أقول قولى هذا وأنا على يقين أن برنامج «استوديو 27» سوف يموت بالسكتة الجماهيرية، لأن الكل لا يزال فى انتظار جحا! المصدر : التحرير