كان برما جالسا يضبط أوتار العود الذى اشتراه من شارع محمد على، سألته عن سعره فقال: الأسعار ولعت.. كنت أتمنى أن يفرض مجلس الضباط طوارئ لتحجيم ثورة الأسعار بدلا من طوارئ لتحجيم ثورة يناير.. لقد أصبح المشهد المألوف أمام أى سوبر ماركت فى مصر حاليا كالتالى.. رجل وامرأة -غالبا زوجته- يحملان أكياس المشتريات ويقفان أمام باب السوبر ماركت، وفى يد الرجل الفاتورة يتأملها، وإلى جواره زوجته دافسة راسها فى الفاتورة معاه.. يتأملان الفاتورة بوجوم وصمت رهيب ثم يطلق الرجل زفيرا مصحوبا باستغفار ثم تمصمص زوجته شفايفها بحسرة، ثم يحملان ما اشترياه وينصرفان بخطوات ثقيلة. الناس ستموت بإسفكسيا الأسعار، وكلما نجت من فخ مصروفات بأعجوبة وقعت فى فخ جديد بسرعة مذهلة، رمضان ثم العيد ثم مأساة بدء الدراسة بطقم المدرسة الذى ارتفع سعره 300% بالمصروفات بأجر المدرسين الخصوصيين بساندوتشات العيال.. الأب دلوقتى بيعدى على أكتر من محل جنب بعض علشان يشترى نص كيلو الجبنة بأرخص سعر ممكن.. مع أن الجبن هو نفسه فى كل مكان لكن فى مصر حاليا كل تاجر يبيع بضاعته على كيفه وبالسعر اللى يرضيه.. لازم تاخد جولة قبل ما تشترى البقالة، ولأول مرة فى مصر تقدر تفاصل فى سعر علبة الحلاوة الطحينية، كل هذا ومجلس الضباط وحكومته مش شايفين حد من الشعب غير اللى فى الميدان واللى فى التليفزيون وياريت حتى عارفين يتعاملوا معاهم. قلت له (كل ده هيتصلح وأنا متفائل بس تخلص المرحلة الانتقالية)، قال برما: على رأى واحد صاحبى قال لى مجلس الضباط قال قدامنا 6 شهور مرحلة انتقالية، وبعد كده كل حاجة هترجع إن شاء الله زى أيام مبارك. قلت له: وليه التشاؤم؟ هو أنت كنت تحلم تشوف الناس دى واقفة ورا القضبان؟ هو أنت بالمناسبة شايف المحاكمات دى هتخلص على إيه؟ قال برما: اكتشفت أننى لست مشغولا بمصير الرئيس السابق قدر انشغالى بمصير أحد المتهمين الآخرين، فالرئيس السابق انتهى وذهب إلى غير عودة، لكن هذا المتهم سيعود إلينا، وسيرفع فى وجوهنا المستندات المنسوخة مما تنشره الصحف ليقف ويهلل فى كل مكان وفى كل برنامج بصوته العالى وانفعاله البرانى، سيعود ليربكنا من جديد ويشوش أفكارنا وسيسلط سيف خصومته الشخصية على كثيرين ليشغلنا بصراعاته معهم فى كل وقت.. يساعده فى ذلك الإعلاميون الذين نثق بهم لكنهم يفردون له مساحات زمنية واسعة مقتطعة من محبتنا لهم ومن حقنا عليهم أن نخرج من عندهم بشى مفيد، سيعود محملا بشحنات من السب والقذف المجانى.. قرص الطين اللى مابيلزقش فى الحيطة بيعلم.. وهو للأمانة علم على كثيرين بقذفهم بقرص الطين دون أدنى دليل.. والعامة لدينا لا يهتمون بالدليل ما دام الشخص ظهر فى التليفزيون، فأكيد هو على حق وعارف بيقول إيه، بل إن العاديين قد يخترعون الدليل بأنفسهم تأكيدا على أقراص الطين الطائرة. للثورة علامات للنجاح كثيرة، من بينها أن يتم تطهير ساحة الإعلام من نموذج يسىء بشكل عشوائى للجميع ويمثل طريقة فى التفكير والتعايش مرفوضة تماما، وأنا كلى ثقة بالله أن هذا سيحدث قريبا وقريبا جدا كمان. المحاكمات مليئة بالكثير من الجمل والتعبيرات التى قيلت فى أثنائها، والتى ستظل ماثلة فى وجداننا، أنا شخصيا اخترت واحدة اتقالت من كام جلسة واعتبرتها بشرة خير «انتهى وقتك.. انتهى وقتك». قلت له: لعلها بشرة خير فعلا إن شاء الله، بس أفهم من كلامك إنك ضد تحديث قانون الطوارئ؟ فقال لى: بالعكس.. أنا من خلالك أدعو الناس للتخلى عن مصطلح «آدى اللى خدناه من الثورة» وعليهم أن يستخدموا المصطلح الجديد «آدى اللى خدناه من الطوارئ».. مش خلاص المجلس والحكومة ربنا كرمهم وفعلوا القانون اللى هيكتفوا بيه الثورة؟ خلاص يبقى كلمة الطوارئ هى الأعلى صوتا فى الشارع دلوقتى.. ماسمعش حد يشتكى من الثورة تانى.. الدكر بقى اللى يلاقى حاجة مش عاجباه ويقولها بصوت عالى «آدى اللى خدناه من الطوارئ». قلت له «باقولك إيه.. ما تفكك من السياسة دى شوية وتسمعنا حاجة على العود الجديد»، سألنى عايز تسمع إيه؟ قلت له: أى حاجة بمناسبة زيادة الأسعار، ضحك ثم قال: لأ أنا هاسمعك حاجة بمناسبة عودة المدارس. اعتدل برما فى جلسته واحتضن العود بنعومة وبدأ يغنى... محافظتى الشرقية ومدرستى.. مدرستى بحر البقر الابتدائية وكراستى.. كراستى مكتوب عليها تاريخ اليوم مكتوب على الكراس اسمى سايل عليه عرقى ودمى من الجراح اللى ف جسمى ومن شفايف بتنادى يا بلادى يا بلادى أنا باحبك يا بلادى يا بلادى يا بلادى أنا باحبك يا بلادى المصدر : جريده التحرير