مشهد متكرر... علي قوارع الطرق أو في شارع يقع بجوار أحد الأسواق حيث يجلس بائع بفرش لبيع الخضروات أو الجبن أو السمك، لا يهم إذا كان هذا المكان وسط بركة من المياه الملوثة أو مقلبًا للزبالة وتطاير رذاذ السيارات والمشاة، المهم هو خطف زبون قبل أن يذهب للسوق أو يستقل الميكروباص من أجل شراء سلعة بسعر أقل وفي وقت قصير. في ظل غياب الجهات الرقابية يصبح القانون الحاكم لهذه العملية هو «بين البائع والمشتري يفتح الله وأشياء أخري»... أما «الأشياء الأخري» فهي مكمن الخطر فقد تكون ذبابا أو مياهًا آسنة أو حيوانات ضالة تنقل الميكروبات والأمراض. خلفيات إنسانية خلفيات إنسانية لهذا العالم ستجعلك تتعاطف مع هؤلاء الباعة الذين ضاقت بهم السبل ولم يجدوا ما يكفي من المال لعرض ما لديهم من سلع في أماكن لا تحدث أي ضرر للمشتري ما بين رجل يحصل بالكاد علي ما يسد به رمق أولاده، وسيدة تبحث عن مال لتسدد به إيجار قطعة أرض، وأخري تنفق علي أبنائها اليتامي، ما بين كل هؤلاء، ستجد نفسك أمام مأساة إنسانية تحتاج لحل لا يقطع الأرزاق أو يشرد الأسر. «روزاليوسف» رصدت هذا العالم بكل آلامه الإنسانية والصحية لتبحث عن جواب لسؤال بسيط... كيف نجد حلاً دون أن يضار أحد في رزقه أو في صحته إلي التفاصيل: أم عبده بائعة خضار تجلس في أحد الشوارع المؤدية إلي سوق مركزي للخضروات لجذب أي مشتر قبل أن يدخل السوق علي الرغم من جلوسها وسط أكوام من الزبالة تعلوها أسراب من الذباب إلا أن انخفاض السعر نصف جنيه عن السوق كفيل بجلب عدد لا بأس به من الزبائن «إذا كنت بدون محل لا أستطيع أن استكمل ال6000 جنيه ثمن الإيجار السنوي للفدان، فكيف سأعوض الإيجار إذا وجدت محلا يحتاج هو الآخر إلي إيجار وضرائب». هذا ما أجابت به أم عبده - الفلاحة القادمة من إحدي القري التابعة لمحافظة الجيزة - عند سؤالها لماذا لا تستأجرين محلاً للبيع؟ لذا فضلت أن تجلس وسط الزبالة مقابل أن تبيع كيلو الملوخية ب2 جنيه بدلاً من 2.5 كما في الأسواق. الغسيل الجيد العودة مبكرًا إلي المنزل سبب جعل - مروة سالم - الموظفة بالإدارة التعليمية تحط رحالها أمام فرش أم عبده للشراء حتي لا تتأخر عن الموعد الرسمي للعمل إذا ما دخلت السوق المركزي لكن توفير نصف جنيه لا يهم. الغسيل الجيد هو الحل الأمثل من وجهة نظر مروة للتخلص من أية ميكروبات عالقة بالملوخية.. فالخضار ليس سائلاً سيتعكر من الأتربة والمياه المتطايرة - كما تري. أحمد عبد السميع - بائع كرنب قام بوضعه علي قطعة من القماش وسط حفرة أمام أحد المحلات هذه الحفرة تتجمع فيها المياه المتبقية من تنظيف المحلات أو الساقطة من الملابس المغسولة. أحمد تساءل: «أين أذهب لا أملك تلك نقوداً لاستخراج ترخيص عمل أو دفع إيجار شهري يصل إلي 400 جنيه إضافة إلي الضرائب والشهادات الصحية وغير ذلك. وحول عدم ملاءمة المكان لبيع خضروات قال: الكرنب يتم سلقه في مياه ساخنة لذلك مهما لامسته مياه أو اغرقته سيتم تنظيفه في المنزل. أيضاً تعرض الخضار للشمس طوال اليوم يقلل من أي أضرار، رغم أن المنظر مقزز إلا أن علام محمود العامل بهيئة السكة الحديد قام بشراء كرنبتين معللاً ذلك بقوله «لدي 5 أولاد واريد أن أوفر لهم وجبة غذائية بأقل الأسعار، وحيث تباع الكرنبة هنا ب3 جنيهات بينما في السوق ب6 جنيهات ثمن الواحدة. أما عن الضرر الصحي فيقول: زوجتي تقوم بغسل الخضار وسلق الكرنب لذا لا خوف من حدوث أي مرض، لأن ربنا عالم». أم محمد بائعة جبن تجلس علي ناصية شارع حيث تطاير الأتربة من السيارات وعمال النظافة في المنطقة ونظراً لطبيعة الجبن قامت بتغطيته بأكياس بلاستيكية. لكن الزبون غالباً ما يرفع هذه الأكياس لمعرفة ملمس وطعم الجبن فيصبح محطاً للأتربة. المكسب الضئيل من بيع الجبن يكفي بالكاد مصروفات أولاد أم محمد لذلك يكون من المستحيل إيجاد إيجار لمحل وصناديق زجاجية يوضع فيها الجبن. إنخفاض السعر سهير محمود - ربة منزل - تأتي خصيصاً كل فترة لشراء الجبن من أم محمد نظراً لانخفاض السعر فكيلو الجبن ب8 جنيهات في حين يتم بيعه في السوبر ماركت ب20 جنيهًا. هذا الفارق 8 جنيهات في السعر في موسم انطلاق المدارس حيث يحتاج الأطفال إلي سندوتشات الجبن كفيل بعدم الاهتمام بالنظافة. لكن سهير قالت: أقوم بوضع الجبن بعد شرائه في الماء مع مادة كيمائية لمدة يوم أو اثنين وهذا كفيل بتطهيره من أي شيء عالق بالجبن. وعاء كبير ملئ بالمياه يسبح فيه عدد قليل من الأسماك وتجلس بجواره سيدة رفضت أن تذكر اسمها أو تتحدث لكنها تبيع الكيلو ب12 جنيهاً شاملة التنظيف. بقايا التنظيف جعلت القطط والذباب تتجمع أمام الأسماك بعد تنظيفها ووضعها جانباً في مشهد مقزز ومع ذلك يتوافد كثيرون لشراء السمك الطازج بدلاً من المثلج. عالم وراءه هموم إنسانية تحتاج إلي تنظيم وقانون يضبطها لحماية صحة المشتري دون أن يقطع أرزاق الباعة.