حريق سوق التونسي لم يكن الاول ولن يكون الاخير فملف حرائق الاسواق العشوائية بل الوصف الادق لها " الاسواق الضالة " متخم بالحروق فالعشرة ملايين جنيه التي احترقت وارواح الابرياء الثلاثة التي أزهقت تشكو الله من مسئولين جلسوا في مقاعدهم الوثيرة داخل مكاتبهم المكيفة وقادوا عملية التخطيط علي الورق دون ان يجعلوها واقعا يرحمنا من تلك الحرائق التي تحرق اجساد المصريين واقتصادهم.. هل تعلم أن هناك قرارا يعود إلي شهر أكتوبر 2008 بإزالة سوق التونسي من هذه المنطقة، ولكنه لم ينفذ حتي الآن . هل يمكن تقديم المسئولين عن عدم تنفيذ هذا القرار للمحاكمة العاجلة بتهمة القتل والاهمال والتقاعس عن القيام بالمهام الموكلة لهم.. بطريقة " الفلاش باك " نستعيد ذكريات "حرائق تجارية جدا " التهمت قوت باعة غلابة ضاع كل ما يمتلكونه في غمضة عين والسبب اعتمادنا علي لغة التواكل رافعين شعار "ياعم سيبها علي الله "و " قضاء أخف من قضاء " والرهان علي دعاء الوالدين كشماعة لتبرير الاهمال والسلبية والتخاذل رغم ان والدينا لن يحلوا تلك المشاكل بدعائهم. حرائق متكررة بالامس القريب شب حريق هائل في سوق باب اللوق بوسط العاصمة.. نعم في قلب العاصمة يوجد سوق عشوائي مهدد بالحرق كل يوم والاغرب انه بالفعل اشتعلت فيه النيران " عشر مرات " ولولا العناية الالهية ووصول سيارات الاطفاء في الوقت المناسب لقضي علي السوق بأكمله بل ولحدثت كارثة في قلب القاهرة ولم يتم التوصل الي حلول عاجلة تضع حدا لمسلسل الحرائق. ومن القاهرة الي الاسكندرية اندلع حريق هائل في سوق المنشية بالإسكندرية وأتت النيران علي 210 أكشاك لبيع الملابس وحطمت مدخل سنترال المنشية وأحدثت تلفيات في الطابق الأرضي وقدرت الخسائر ب7 ملايين جنيه.. وانتهت التحقيقات الي ان السوق تم إنشاؤه منذ عامين وتبلغ مساحته 400 متر، وكانت جزءاً من موقف السيارات وذلك من أجل تجميع الباعة الجائلين فيه بدلاً من افتراشهم منطقة محطة الرمل والمنشية وشهد السوق تركيبات عشوائية للوصلات الكهربائية، الأمر الذي يؤكد أن تلك التوصيلات هي السبب الرئيسي في اندلاع الحريق. مسلسل الحرائق التي تكالبت علي القاهرة لتزيد من سخونة الاجواء الملتهبة اساسا من جراء الصيف الحارق الذي يساعد علي تفاقم تلك الحرائق واشتعالها .. وتعد أسواق التونسي بمنطقة السيدة عائشة، والخميس بالمطرية، والجمعة بالمرج، وأيضا بالخليفة، والمقطم والأحد بشبرا الخيمة، أسواقا للفقراء الذين يجدون كل ما يحتاجونه بها من الإبرة إلي أكبر الأجهزة الكهربائية، حتي ان الأسر والعائلات تجهز بناتها من هذه الأسواق التي لم تقتصر في بعض الأحيان فقط علي طبقة الفقراء، بل تستقبل الأغنياء وأبناء الطبقة المتوسطة الذين يكتشفون عدم اختلاف البضاعة بتلك الأسواق عن الموجودة في المراكز العملاقة المتخصصة، كما توجد كل البضائع التي تحتاجها العائلة أو الأسرة أو حتي صغار التجار، ساعد ذلك علي كثرة الرواد والازدحام الشديد وهي إحدي السلبيات لتلك الأسواق التي تحتاج لتدخل بعض الجهات لتنظيمها حتي تستوعب ملايين الرواد ولا تربك الشوارع والأماكن الموجودة بها. عالم عجيب جولة داخل بعض هذه الأسواق تكشف عالما آخر مليئا بالاسرار والعجائب والغرائب فهناك عدة مصادر للبضائع المعروضة منها والمصانع التي تقوم ببيع انتاجها الذي به عيوب طفيفة في الصناعة، وكذلك بالات الملابس المستعملة القادمة من أوروبا، بالإضافة إلي ما يجلبه بائعو الروبابيكيا الذين يقومون بإعادة بيع ما يجلبونه من بضائع مستعملة لتاجر الجملة أو إعادة بيعها في السوق مباشرة.. وللأسف الشديد، يضاف إلي هذه المصادر السابقة مصدر غير شرعي هو المسروقات التي يري سارقوها أن السوق فرصة ملائمة للتخلص منها، مستغلين الزحام الشديد. محافظة القاهرة أعلنت منذ عامين علي لسان المحافظ عبد العظيم وزير عن وضع خطة لتحديث السويقات التقليدية وإنشاء أسواق حضارية بدلا من الأسواق العشوائية، وذلك في مواقع جديدة مناسبة للمستهلك لا تعوق حركة المرور، وتسهل للمستهلك سرعة الوصول للسلعة التي يرغب في شرائها.وأشار الوزير وقتها الي ان البداية ستكون مع سوق التونسي بالسيدة عائشة حيث تم تكليف نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية بالإشراف علي إنشاء 4 أسواق بديلة لهذا السوق بتكلفة قدرها 5 ملايين جنيه بالاضافة الي تقسيم سوق المطرية المعروف بسوق الخميس إلي عدة أسواق متخصصة للقضاء علي المشكلات المتعددة لهذا السوق. الا ان تلك التصريحات والوعود لم تعرف طريقها الي التنفيذ واستمرت تلك الاسواق علي حالها عامرة بالسلبيات والعيوب والمشاكل واصبحت تهدد السكان المحيطين بها بعد ان تحولت الي اوكار وبؤر خطر في اماكن هامة في القاهرة. معاناة مستمرة ولكن ماذا عن معاناة المواطنين من تلك الاسواق ؟ يقول "ماجد سعيد" انها ليست اسواقا بل فوضي.. لا نستطيع الحياة في ظل وجودها، ملتقي للبلطجية وتحدث يوميا عشرات بل مئات الخناقات بين مرتاديها او بين الزبائن والباعة فضلا عن الازدحام المروري فيتم عرض السلع بطريقة عشوائية وتقتطع مساحات عريضة من الشوارع كذلك انتشار السرقات والملوثات واطنان المخلفات والقمامة لماذا لا يتم نقل هذه الاسواق الي مكان يتم تحديده بعيدا عن الكتل السكنية ووضع حد لتلك المعاناة التي لا تنتهي. ويؤيده في الرأي "خالد السيد "قائلا" اسكن بجوار احد الاسواق الشعبية ولا تتخيلوا مدي »البهدلة« التي نتعرض لها بسبب هذا السوق ويوم إقامة السوق احرص علي البقاء فترة طويلة خارج المنزل بسبب الازعاج الشديد الذي يتسببون فيه فهو يوم العذاب بالنسبة لنا جميعا ونتمني اليوم الذي استيقظ فيه فأجد السوق وقد اختفي الي الابد ولكن يبقي ذلك حلما لن يتحقق "ولكن ماذا يقول الباعة الذين يتواجدون في تلك الاسواق. "مجدي السعيد" بائع في سوق الخميس بالمطرية" لا نرتكب ذنبا بل نسعي من أجل لقمة العيش نتمني ان يتم تقنين اوضاعنا كبائعين كي نتخلص من مضايقات رجال الشرطة الذين يطاردونا باستمرار لاننا لا نحمل تراخيص. .هل نسرق حتي يستريحوا ام نجلس علي المقاهي بلا عمل كلنا يرعي عائلات واسرا ونتمني ان يتم إقامة وحدات نعرض فيها بضاعتنا لتحمينا من حر الظهيرة في الصيف وبرد الشتاء، وفي الوقت نفسه تحمينا من مطاردة الشرطة بسبب إشغال الطريق وعدم وجود تراخيص لدي أغلبنا.. كما أن إنشاء مثل هذه الوحدات يسهل للمشتري الذهاب للأماكن التي تباع فيها السلع التي يريدها مباشرة دون الحاجة إلي الطواف بالسوق كله. أسباب الحرائق ولكن ما اسباب اندلاع الحرائق المتكررة بتلك الاسواق؟ يجيب مسئول بالدفاع المدني -رفض نشر اسمه قائلا "انه لابد من اختيار المواقع المناسبة لإنشاء تلك الاسواق بأن تكون خارج الكتل السكنية، وان تكون بعيدة عن محطات الضغط العالي وخطوط السكة الحديد وألا تكون اسفل الكباري وان تبعد عن كل ذلك بمسافة لا تقل عن 50 مترا كما ورد في الكود المصري وان يتم انشاء طرق واسعة وممرات للمشاة بعيدة عن ممرات السيارات، مع ضرورة وجود تجانس بين الانشطة داخل الاسواق وضرورة انشاء نقط اطفاء داخل كل سوق وان تكون هناك سيارة اطفاء متواجدة بصفة دائمة تجنبا لحدوث ايه حرائق وتمهيد الطرق داخل الاسواق لتسهيل عملية دخول السيارات الضخمة وان تخلو الاسواق من مخازن انابيب البوتاجاز حتي لاتحدث انفجارات اثناء نشوب الحرائق.. كذلك توفر خطوط مياه وشبكة مياه حريق بهذه الأسواق. وعن دور جهاز حماية المستهلك في الرقابة علي هذة الاسواق تقول سعاد الديب عضو مجلس ادارة جهاز حماية المستهلك ورئيس جمعية حماية المستهلك ان الأسواق العشوائية توجد في جميع محافظات مصر ويباع فيها كل ماهو فاسد فهي منافذ لمنتجات مصانع بير السلم وليس للجهاز او الجمعيات حق لمراقبة مثل هذة الأسواق مشيرة الي ان الاقبال يزداد علي هذه الاسواق بسبب ارتفاع الاسعار بشكل جنوني فاق قدرة اصحاب الدخول المتوسطة ومحدودي الدخل. واكدت ان جهاز حماية المستهلك لا يمتلك حق الضبطية القضائية ولا بحث شكاوي المواطنين من السلع الفاسدة التي تباع لأنها مجهولة المصدر ولاتوجد مع المستهلك فاتورة شراء لضمان حقه مشددة علي اهمية فرض الرقابة علي الأسواق العشوائية التي تعتبر قنابل موقوتة تهدد حياة وصحة المواطن وهذه الرقابة مسئولية مباحث التموين ووزارة الصحة وأجهزة الإدارة المحلية.