هذه السطور التي اشرع في كتابتها الآن، وفي الساعات الاخيرة قبل ان تدور المطابع بهذا العدد، ليس الهدف منها بادئ ذي بدء ان استغل هذه المساحة لعرض أزمة شخصية تتعلق بكاتب هذه السطور، وانما باعتباري قبل ان اكون صحفيا، مواطنا مصريا من هؤلاء الذين عاشوا عمرهم يعملون ليل نهار من أجل كسب لقمة العيش بشرف والانفاق علي اسرة احرص عي ان اقدم من خلالها ابناء صالحين للمجتمع ويواصلون تعليمهم حتي تسجيل شهادة الدكتوراه. .. وفي خضم هذا المشوار الذي طال واستطال خلال ثلاثة وثلاثين عاما في بلاط صاحبة الجلالة رأيت وعايشت وصادقت مليونيرات كثيرين يعيشون مثلي تحت سماء هذا الوطن، لكني كنت أحمد الله دائما علي انهم ينظرون لي باحترام شديد لأني لم أحقد علي احدهم، ولم اشك يوما من أنني لا أمتلك ڤيلا أو شاليه أو رصيدا في البنوك.. بل علي العكس كنت في قمة الرضا عن حالي وعن ثروتي الكبري في بنوك الرضا والستر والقناعة! .. لكن تحت وطأة ظروف محددة واستثنائية تعثرت في سداد ڤيزتين للبنك الأهلي كان المسحوب منهما تسعة آلاف وخمسمائة جنيه.. وبادرت نقابة الصحفيين بعمل تسويات للزملاء المتعثرين من أمثالي.. لكني حينما تقدمت للتسوية كانت المهلة قد انتهت منذ شهر واحد دون ان يخطرني البنك برفض التسوية.. وبعد عام كامل فوجئت بأن المطلوب مني سداد مبلغ ثلاثة وثلاثين ألف جنيه!!.. وإلا تتم احالتي إلي المحاكمة بعد ان تسلمت إنذارا علي يد محضر!! اتصلت بصديقي محمد خراجه عضو مجلس نقابة الصحفيين وذهبنا إلي البنك لأشرح لهم موقفي.. قلت لهم أنني لم أسحب سوي تسعة آلاف وخمسمائة جنيه.. وسددت عشرة الاف جنيه.. أي أنني سددت أصل الدين بزيادة خمسمائة جنيه.. فمن أين لي بدفع ثلاثة وثلاثين ألف جنيه!!! شرح لي المسئول بالبنك قواعد وبنود اللوائح التي يعمل بها البنك.. وأن أقصي ما يمكن للبنك ان يساعدني فيه هو سداد مبلغ عشرة الاف جنيه خلال شهر يبدأ من اليوم.. وكان لابد من توقيعي علي طلب التسوية وإلا تحددت لي جلسة بالمحكمة!!! .. وبعد نصائح من الزملاء الذين صاحبوني فوضت أمري لله ووقعت علي سداد عشرة آلاف جنيه علي دفعتين خلال شهر.. لا أعرف من أين سوف اسددها مثلما يحدث مع آلاف المتعثرين من ابناء هذا الشعب الذين سددوا مبالغهم البسيطة ويطاردهم البنك للحصول علي فوائد!! كان المطلوب مني ان اكتب - ايضا - ظروفي الصعبة واستعطف واسترحم مسئولي البنك الأهلي، ووجدت نفسي أسرح امام شريط طويل من المواقف التي كانت يمكن ان تصنع مني مليونيرا مثل كثيرين.. لولا أنني كنت دائما أفضل الحياة حتي الموت وأنا نظيف اليد والقلب معا!.. وتساءلت هل يكون هذا جزائي في النهاية.. نعم هو ابتلاء يحتاج إلي صبر.. لكنها ازمة يمر بها آلاف البسطاء من المصريين المتعثرين لظروف لم تعد خافية علي أحد! عدت إلي الجريدة.. وأنا حائر.. لأنني لم أرفض سداد مديونيتي وانما سددتها فعلا بزيادة خمسمائة جنيه.. ثم اصبحت امام موقف صعب.. سداد فوائد عن فترة لم يخطرني بها البنك أو الحبس بسبب ثلاثة وثلاثين ألف جنيه!! والخيار الاخير الذي لامفر منه للنجاة هو سداد عشرة آلاف جنيه!!.. هذا في الوقت الذي يتناسل فيه المليونيرات في مصر كالأرانب!! هكذا كان الموقف الذي هزني في النهاية بعد ان فتحت بيتي خلال ثلاثة وثلاثين عاما ليس من مرتبي الذي لايكفي دروس ابني الخصوصية في الثانوية العامة.. .. وانما فتحت بيتي بتوفيق من الله بعد ان قدمت للمكتبة المصرية أربعين كتابا من تأليفي.. وفيلمين للسينما المصرية! أنا في النهاية لا اشكو لرئيس مجلس ادارة .. لأنه سوف يحيلني إلي اللوائح.. وفي النهاية ستكون النتيجة لاشيء! ولا أشكو للسيد الدكتور رئيس الوزراء.. لأنه - ايضا - لن يفعل شيئا. ولا اشكو للسيد الدكتور يوسف بطرس غالي لأنه هو الآخر لن يفعل شيئا. ولا السيد محافظ البنك المركزي ولا خبير البنوك الشهير طارق عامر رئيس مجلس ادارة البنك الأهلي. .. وانما اشكو لمن هو اكبر منهم جميعا والذي سنقف امامه يوم الحساب.. يوم لاينفع مال ولابنون.. ويوم يحاسب الله رؤساء هذه البنوك الذين تركوا المليونيرات الهاربين وطاردوا الشرفاء المتعثرين، ليس في سداد المديونية، حاشا لله، وانما في قبض آلاف الجنيهات منهم وهم يعلمون انهم سوف يستدينونها لتدخل في حساب مليونيرات آخرين يتعيشون من فوائد المبالغ التي يدفعها أمثالي تحت سيف المحاكمة! .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!