»وهمست له قائله: لو بتحبني صحيح لازم تقدر إني متزوجة.. ولو مش عاوز تجيب الصورة، بلاش خليها معاك.. أنا واثقة فيك!!.. سيارة فارهة تخطف الأبصار تدخل ببطء إلي محطة بنزين شهيرة في قلب القاهرة..! العيون تتجه نحو نافذة السيارة حيث تجلس بالداخل امرأة يغار القمر ليلة تمامه من جمال وجهها ، تبدو أنيقة مثل نجمات هوليوود، ممشوقة القوام مثل راقصات البالية .. صاعقة الفتنة مثل حسناوات باريس.. رقيقة مثل نسمة الصباح .. في إحدي عينيها شقاوة بنت مراهقة، وفي العين الاخري خشوع امرأة تائبة!.. اقترب ابراهيم عامل البنزينة من سائق السيارة دون أن يلتفت إلي »الهانم« فهذه كانت عادته، لاشأن له بالنساء!.. لكن »زوزو« هانم تكاد تشهق حينما تقع عيناها علي ابراهيم .. تتلاحق أنفاسها وتضطرب دقات قلبها.. .. تخفي انفعالاتها .. تفكر بسرعة ثم تطلب من السائق أن يأخذ رقم تليفون»البنزينة« من العامل، ثم تبرر طلبها بأنها قد تقترح علي زوجها شراء المحطة!!. عادت زوزو هانم إلي القصر الذي اشتراه زوجها العربي حديثا لتنزل فيه زوجته بين الحين والآخر بعد اغتراب طال عشرين عاما .. كانت تمسك بالورقة وفوق أحد سطورها رقم تليفون المحطة وكأنها تمسك بكنز ثمين ربما قلب حياتها في مصر رأسا علي عقب .. دخلت حجرتها وأغلقت بابها .. اتصلت بالمحطة.. سألت عن ابراهيم كشك، وفوجئت زوزو بصوت يأتيها علي الطرف الآخر من المكالمة: - أنا إبراهيم كشك يا افندم - وأنا زوزو يا إبراهيم.. - مين يا افندم؟! - زوزو ياهيمة! - ...... - مش قادر ترد ولا المفاجأة صعبة؟! - يا افندم خدي رقم بيتي وكلميني بعد العمل.. - هاكلمك يا إبراهيم .. ضروري استناني وللظروف خلي معاك تليفون بيتي ! عاشت زوزو يوما غير طبيعي.. أهذا هو إبراهيم الذي كان خيرة شباب حي الدرب الأحمر ؟! أهذه نهايته؟! عامل في بنزينة؟!.. ألم تكن بنات الحي يتسابقن علي حبه ويتصارعن للفوز بابتسامة منه منذ كان طالبا بالثانوية العامة؟ ألم تهجر حبه بسبب علاقاته مع ليلي ونادية وياسمين؟! ألم تكن تذوب فيه عشقا وتموت حبا ، ولكنها خافت من أن يخذلها أمام جاراتها الحسناوات؟! ألم تكن تحلم بالزواج منه، لكنه كان يكسر قلبها ويجرح كرامتها كلما ضبطته متلبسا بمغازلة ليلي أو تتبع أخبار نادية أو بالذهاب لبيت ياسمين بحجة السؤال عن شقيقها ؟! لقد حذرته مرارا وتكرارا حتي بح صوتها وأصابها اليأس وقبلت الزواج من ثري عربي سافرت معه بصحبة اسرتها إلي الخليج فعاشوا جميعا هناك وانقطعت عنهم اخبار الدرب الاحمر.. بل تعمدت زوزو أن تنقطع عنها أخبار ابراهيم حتي مات زوجها الثري فتزوجت من أحد اقاربه وعاشت معه حياة الاميرات والقصور ووهبها من الحب مالم يخطر لها ببال ومنحته من الإخلاص مالم تسبقها إليه أي امرأة اخري!.. لقد مرت السنوات وطوت معها الأحداث والأشخاص والأماكن ، حتي حينما فكرت في زيارة مصر لم تتوقع ثمة لحظة أن تضعها الصدفة وجها لوجه أمام ابراهيم ، وهو بهذه الحالة التي جعلتها تضرب كفا بكف طوال النهار ، وتنتظر الليل صابرة علي أحر من الجمر ! الحادية عشر مساء .. طلبته علي الموبايل .. كاد يطير من الفرحة حينما تأكد أنها فعلا » زوزو« .. طلبت منه أن يؤجل أي حديث حتي تزوره حالا في بيته وتتعرف علي زوجته وأولاده ثم سألته: - أنت في نفس البيت.. يا إبراهيم ؟! يازوزو هانم .. - ايه هانم دي بقي.. أقصد أني ساكن في حتة اسمها مساكن الزلزال في المقطم!! - ايه يعني اديني العنوان.. وأنا اللي حسوق عربيتي بنفسي وأجيلك من النجمة ! استباحت زوزو لنفسها أن تزوره وتقدم الهدايا لزوجته وأولاده علي ألا تكررها مرة أخري ، كانت تتمني أن تكون زوجة ابراهيم واحدة من الثلاث اللاتي دمرن اعصابها في الماضي حتي تثبت لهن كيف صار حالها وما وصلت اليه من الثراء ! .. شيء واحد كان يقلقها ويفسد عليها مشاعر اللحظة وهي تسأل نفسها: أليس الذهاب إلي حبيب الأمس نوعا من أنواع الخيانة؟! ألم تكن تباهي بينها وبين نفسها بإخلاصها ووفائها وصراحتها مع زوجها الذي يبادلها نفس الاخلاص والوفاء والصراحة ؟! هل ستخبره بزيارتها لإبراهيم وإن أخبرته ، هل ستحكي له قصتها مع إبراهيم ؟! غادرت قصرها .. ركبت سيارتها كأنها عروس ليلة زفافها .. كانت مرتبكة طوال الطريق من مطاردة نفس الأفكار لها، شعور خفي كان يملؤها بأنها تضع نفسها في ورطة بزيارة ابراهيم .. لكن عزاؤها الوحيد كان في وجود زوجة ابراهيم وأولاده ولو من باب التغطية علي زيارة الرجل الذي كان أول من دق أبواب قلبها ونامت الليالي تحلم به ! وصلت إلي العنوان .. نادت علي بعض الصبية ليحملوا الهدايا التي ينوء بحملها الرجال، اتجهت إلي بيت ابراهيم وهي تتأفف من بعض المشاهد والروائح... طرقت الباب.. وقفت كالتائهة حتي ظهر ابراهيم .. تمني لو كان باستطاعته أن يحملها فوق رموش عينيه ويدخل بها إلي شقته ! جلست علي أقرب مقعد ثم سألته: - أمال فين مراتك والعيال؟! يازوزو أنا متجوزتش لغاية دلوقت!! انتفضت واقفة .. سألته وجسدها يرتجف : - أنت عايش هنا لوحدك؟ أيوه لأني عازب !! - أنا لايمكن أقعد هنا دقيقة واحدة .. كان لازم تعرفني أنك عايش لوحدك ! أنا ماكدبتش .. ممكن أكون معلقتش علي كلامك لأن الموقف كان مذهلا بالنسبة لي .. كمان أنتي عارفة اخلاقي كويس - لكن الناس متعرفش .. تفتكر أي حد شافني طالعة لك دلوقت يقول عني ايه؟! .. لو جوزي عرف تفتكر أقدر اقوله؟! ما اقدرش! أخبي عليه؟! يبقي خنته! .. أنا لازم أمشي دلوقت يا إبراهيم ! من غير ماتعرفي ايه اللي حصلي بعد حضرتك ما اتجوزتي وسافرتي؟! - ممكن نتكلم في التليفون.. عموما أنا ممكن أساعدك وده اللي خلاني اجيلك دلوقتي ، عشان خاطر العيش والملح! والحب الكبير؟! - أنا دلوقت ست متجوزة .. وعمري ماخبيت حاجة عن جوزي .. ومش من حقي أتكلم في الماضي انا كنت فاكرة اني هلاقي زوجتك واولادك معاك ..... لكن من حق الماضي يتكلم يازوزو .. شوفي صورتك علي الحيطة وشوفي كلامك المكتوب علي طرف الصورة . .. ونظرت زوزو حيث أشار إبراهيم فإذا بصورتها التي أهدتها له يوما تتوسط الحائط !.. تهلل وجهها ودبت الدماء في عروقها وتراجعت نبرة الغضب في صوتها وهي تتجه نحو الصورة وتنزلها من فوق الحائط ! ** ايه ده يا ابراهيم .. البرواز قزاز من الناحيتين.. ده برواز غريب جدا.. *** علشان كل يوم اقرا كلامك قبل ما انزل الشغل! حاولت زوزو ان تحبس دموعها وهي تعيد قراءة السطور التي كتبتها بيدها في لحظة حب لازالت بقاياها محفورة في اعماق قلبها منذ عشرين عاما .. هاهي الكلمات كأنها كتبتها منذ لحظات : إلي حبيبي وزوج المستقبل. .. أنا ياحبيبي بموت فيك ، وقد ماعمري يطول ياحبيي هستناك علي طول .. ياحبيبي وكل حاجة في حياتي يا أول من لمس قلبي وجسدي وسرق مني عقلي... حبيبتك زوزو . لحظات و نجحت زوزو في أن تلملم بقاياها وتستجمع قوتها وتسترد ثباتها.. وقفت بعد ان جفت دموعها ثم همست لإبراهيم : - انت لسه بتحبني يا إبراهيم ؟ ؟ شوفي يازوزو أنا خسرت كل حاجة .. بعد جوازك دخلت أنا المستشفي وأمي ماتت حزنا علي حالتي.. بعد سنة البيت وقع.. والحكومة ادتني الشقة دي ، لكن ما اقدرتش اكمل تعليمي لأن كل حاجة راحت تحت الانقاض إلا حاجة واحدة لقيتها امام عيني.. صورتك وكلامك..صورتك كانت اقوي من الأنقاض .. من يومها وانا عايش هنا ومعايا الصورة والذكريات ، ومالقتش شغلانة إلا في المحطة وأديني كافي خيري شري وعايش! - ما رديتش علي سؤالي .. انت لسه بتحبني يا ابراهيم! أكتر من أي وقت فات .. أنا حاسس دلوقتي أني في حلم وخايف اصحي منه.. اوعي تسيبيني تاني !! اندفع ليعانقها لكنها صدته بيديها .. صرخت فيه بأنها لم تعد تملك جسدها .. بل اصبح واجبا عليها حماية هذا الجسد الذي صار من ممتلكات رجل آخر !! وقاطعها ابراهيم في حزن : خايفة علي نفسك ومش خايفة ممكن يحصل لي ايه لو خسرت أنا آخر حاجة في حياتي.. خلاص يا زوزو الفلوس والثروة .. والمجد اللي انت عايشاه نساكي ابراهيم ! - لو بتحبني صحيح تحترم اني زوجة .. وان حكم الزمن اقوي مني ومنك .. ولو مش عاوز تجيب الصورة .. خليها عندك .. أنا واثقة فيك .. بس كان نفسي أشعر أنك لسه ما بتأخرش طلب لزوزو زي زمان .. انا هفضل قلقانة بصراحة طول ما الصورة ممكن تضيع منك او تقع في يد انسان آخر .. لكن هيفضل عندي أمل تتصل بي في أي لحظة وتقولي تعالي خدي الصورة .. تليفوني معاك يا ابراهيم ! صمت إبراهيم لحظات بينما اتجهت زوزو نحو الباب .. كلاهما كان يخفي دموعه عن الآخر .. لكن ابراهيم لحق بزوزو في آخر لحظة وفي يده الصورة .. التفتت زوزو ثم مدت إليه يدها وهي تتحاشي النظر في وجه إبراهيم لحظة استلامها الصورة منه ثم تمضي حتي تغلق الباب خلفها ! لم ينم ابراهيم ليلته بعد ان فتحت زوزو الجراح دون مخدر وتركتها تنزف ومضت ! لكنها هي الأخري كانت تتألم في ليلتها أكثر مما يتألم إبراهيم .. شيء واحد أراح ضميرها مع اشراقة الصباح بعد ان اتخذت ثلاثة قرارات وعزمت علي تنفيذها فورا الأول أن تذهب للشهر العقاري وتنقل شقة الزمالك باسم ابراهيم بكل ما تحتوي من اثاث وتحف ! الثاني ، أن تعرض قصرها للبيع وتعود إلي زوجها لتخبره انها لن ترجع مصر ثانية كما كانت ترجو وتتمني ! ونجحت زوزو في تنفيذ القرارين بسرعة البرق .. أرسلت بعقد الشقة الجديدة إلي إبراهيم ومعه شيك بمائتي ألف جنيه .. أما القرار الثالث فقد نفذته قبل لحظات من مغادرة القاهرة... أشعلت النيران في صورتها وجلست امامها تبكي كأم أحرقت ابنها. وصل العقد إلي إبراهيم ومعه الشيك فأسرع إلي رقم تليفون زوزو ... أدار قرص التليفون ليشكرها ويعتذر عن عدم استلام ثمن الصورة ويخبرها أن كرامته تأبي هذا السلوك منها .. لكن جاءه صوت مسجل علي الطرف الآخر من المكالمة : هذا الرقم غير موجود بالخدمة ! عجز ابراهيم عن معرفة عنوان زوزو أو أي معلومات عنها كأن الارض انشقت وابتلعتها.. وخلال اسابيع قليلة آفاق من الحلم وعاش الواقع الجميل .. الآن صار مليونيرا من حيث لا يدري .. ظل يفكر في مشروع يتناسب مع ثرائه .. فجأة تذكر سهير طالبة معهد التمثيل وزبونة المحطة التي يعمل بها .. بل كانت الوحيدة التي يتفائل بها حينما تمون سيارتها القديمة في الصباح الباكر .. عرض عليها قصته وطلب نصيحتها .. اقترحت عليه ان يشاركها في اقامة كوفي شوب بحي المهندسين .. اعجبته التفاصيل بعد ان تكررت لقاءاته بسهير واستقال من محطة البنزين .. بدأ الاثنان في التجهيز للمشروع وشجعته سهير علي أن يصارحها بحبه ويطلب يدها رغم فارق السن الكبير ! .. و لم تتردد في الموافقة علي العريس المليونير فتم الزواج بسرعة عقب بيع شقة الزمالك بمليوني جنيه ..!! .. لكن وقع مالم يخطر ببال أحد .. قبل انتهاء شهر العسل بيوم واحد فارق ابراهيم الحياة وعاد من شرم الشيخ جثة هامدة ! وكانت سهير وريثته الوحيدة !!!.. والوحيدة ايضا التي تعلم سر الليلة التي فارق فيها ابراهيم الحياة وهي بين ذراعيه !! خلال سنوات بزغ نجم سهير في الادوار الساخنة في الافلام التي تشارك في انتاجها دون ان يعرف احد انها تشارك في الانتاج .. هكذا كانت رغبتها حتي لا يعتقد احد انها تمثل بفلوسها فلم يكن خافيا علي الوسط الفني انها محدودة الموهبة !.. اما المفاجأة الاخيرة فكانت الكوفي شوب الذي افتتحته واطلقت عليه اسمها الذي اشتهرت به !! تري هل علمت زوزو بسر ممثلة الادوار الساخنة ؟؟ هل تعلم زوزو ان هذه الممثلة اشتهرت بثمن الصورة ؟؟ كثيرون يؤكدون ان زوزو علي علم منذ قرأت نعي ابراهيم في جميع الصحف والذي حرصت سهير علي ان يكون في مساحة بارزة وبالبنط العريض !!