تهتم الصحف ووسائل الاعلام كثيرا بتأثير ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري علي أسعار السيارات في الأسواق أكثر من اهتمامها بتأثيره علي أي شيء آخر. ارتفعت أسعار السيارات الي الضعف.. ووصل سعر أقل السيارات الي ربع مليون جنيه.. وهو رقم كبير استغل فيه مستوردو السيارات كل ما يمكنهم استغلاله كي يحققوا أعلي مكاسب ممكنة. هنا يمكننا أن نتوقف عن شراء السيارات لمدة عام مثلا.. يستقر فيه سعر الدولار وتستقر الأسواق.. يمكننا أن نفعل هذا مع أي شيء في الدنيا.. ولكن هل يمكن أن نفعل هذا مع الدواء. بالطبع لا.. فالدواء لاغني عنه بأي حال من الأحوال.. قد يستغني أي انسان عن أي شيء .. ولكن لا يمكنه الاستغناء عن الدواء.. فالدستور لا يكفل أن يكون من حق كل مواطن أن يمتلك سيارة.. وأن تدعم الدولة له البنزين.. ولكنه - الدستور - يلزم الدولة بضمان توفير العلاج لكل مواطن. أكتب هذه الكلمات قبل أن يلتقي رئيس الوزراء بصانعي الدواء في مصر أمس.. ولا أعرف ماذا سيسفر عنه الاجتماع.. ولكني أتوقع.. وأرجو ألا يخيب توقعي.. أن يسفر عن قرارات جريئة تحل بها المشكلة التي يمكن أن تتفاقم و تتعقد.. وهي لن يكون لها إلا نتيجة واحدة.. وهي أن نفقد المزيد من البشر. ارتفعت أسعار الكثير من أصناف الأدوية.. واختفي البعض منها.. ولكن ما أخافني هو التصريحات الخطيرة والمخيفة للدكتورة مني مينا وكيل نقابة الأطباء عن أن أحد الأطباء خاطبها بشأن إصدار تعليمات باستخدام الحقن أكثر من مرة والتقليل من استخدام المحاليل للمرضي بسبب نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات. وهي التصريحات التي واجهتها وزارة الصحة بالنفي الفوري.. واتهام وكيلة النقابة باثارة البلبلة.. ونشر الاشاعات المغرضة.. وهو ما يضاف الي مواقف سابقة لها. الأزمة تكمن في تحرير سعر الصرف للجنيه المصري في مقابل العملات الأجنبية، حيث إن فرق سعر الدولار الذي تغير من 8.9 إلي 15 جنيهًا بعد التحرير هو ما أحدث الأزمة، لأن شركات الأدوية تستورد المواد الخام؛ لذا رفضت استمرار السعر القديم، وهو ما قابلته الحكومة بالرفض؛ خاصة أنه سبق وتم زيادة سعر الدواء منذ شهرين. حاول وزير الصحة التدخل لحل الأزمة، وعقد اجتماعًا أمس الأول مع أصحاب شركات الأدوية، استمر لأكثر من 8 ساعات، ولكنهم فشلوا في التوصل لحل؛ حيث طالب وزير الصحة بتأجيل رفع سعر الدواء لحين استقرار الدولار، فيما تمسكت الشركات برفع السعر خلال هذه الأيام، أو التوقف عن إنتاج الدواء. وقال الوزير أن أزمة رفع أسعار الدواء مفتعلة، متهمًا الشركات المحلية بالتسبب فيها.. مستغلة تأثير تحرير سعر الصرف. وأن الأدوية المتداولة بشكل كبير في مصر تصل إلي 10 آلاف صنف، تنتج منها الشركة القابضة للأدوية حوالي ألف، وهناك ألف تنتجها الشركات العالمية، وال 8 آلاف صنف تنتجها الشركات المحلية.. وأن الشكاوي من زيادة أسعار الأدوية جاءت من الشركات المحلية وليست الأجنبية، مشيرًا إلي أن الشكاوي وصلت من 3 شركات من إجمالي 200 مصنع وشركة. تواجه صناعة الدواء في مصر مأزقا كبيرا.. ولكن المواطن هو الذي يواجه الموت نتيجة نقص الدواء.. أو ارتفاعه بدرجة تفوق قدراته.. وقد لا تكون تلك الأزمة موجودة بتلك الحدة والقسوة في بلدان كثيرة.. لأن حق المواطن في الحصول علي الدواء تكفله أنظمة التأمين الصحي.. التي لا يتحمل فيها المواطن إلا مساهمة رمزية.. وتوفر الدولة الرعاية الصحية والدوائية للجميع. ربما تستغل بعض شركات الأدوية الموقف.. ولكن هذا الأمر لا يتحقق إلا في دولة ضعيفة وفاسدة.. أما الدولة القوية النظيفة فلابد أن تواجهه بحسم. ولكن علي الدولة أن تقوم بدورها في دعم صناعة الدواء.. ومواجهة المتلاعبين فيه.. وقد يكون الدعم مباشرا سواء بانشاء صندوق مخصص لهذا الهدف.. أو غير مباشر بخفض الضرائب أو الاعفاء من الجمارك أو غير ذلك من الحلول. دعم صناعة الدواء أهم من دعم الطاقة والبنزين.. بل ربما يكون أهم من دعم رغيف الخبز.. دعم الدواء يحتاج الي أقل من ربع دعم البنزين.. لكنه ينقذ مواطنا من الموت.. ينقذ أمة من الانهيار.