الحكمة من أفضل نعم الله علي بني آدم، لذلك عز وجل من قائل ( يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذّكر إلا أولو الألباب). ليس من الحكمة أن نحكم علي الناس بظواهرها، لأن في ذلك ظلما شديدا، وخللا في العلاقات الإنسانية لذا أراد الحبيب المصطفي »صلي الله عليه وسلم» أن ينبهنا إلي ألا نحكم علي الرجال بظاهر أمرهم ولا علي الأمور بظواهرها، فذات يوم مر به رجل بادي الفقر والمسكنة، فسأل النبي جلساءه من الصحابة رضوان الله عليهم : ما تقولون في هذا؟ فيجيبون : (هو والله خليق إن خطب ألا يزوج، وإن تكلم ألا يصغي له)، ويصمت الرسول حتي يمر رجل آخر عليه مخايل النعمة ومظاهر الثراء فيسألهم : ما تقولون في هذا؟. فيجيبون : (هو والله حري إن خطب أن يزوج، وإن تحدث أن يسمع له )، فيقول لهم الرسول : ( والذي نفسي بيده، إن الأول لخير من ملء الأرض مثل هذا). والمسكنة لا تعني بأي حال من الأحوال الهوان أو العجز لأن الحبيب المصطفي يقول في الأدعية المأثورة عنه : ( اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين) فهو عليه أفضل الصلاة والسلام يعلي من شأن الكادحين البسطاء الذين لا يركنون إلي عصبية أو قبلية، ويمنح الأمل للضعفاء، ويرفع من معنوياتهم لأنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع وركن ركين من أركانه لا غني عنه، بل لا يقوم المجتمع الإسلامي إلا به، حيث يقول المبعوث رحمة للعالمين : (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم). والأفضل من إضاعة خطبة الجمعة في الحكم علي هذا أو ذاك بظواهر الأمور أتمني أن يتحلي الدعاة الأجلاء بالحكمة ويوفروا جهدهم ووقتهم ووقتنا لما هو أهم وهو التوعية بضرورة إعانة المنكوبين بالسيول وغيرها من الابتلاءات وإغاثتهم بدلا من أن ينبري بعضهم كي يذكرنا مع كل ابتلاء بغضب الله علينا معتبرين أن هذا الإبتلاء أو ذاك ليس إلا انتقاما من الله علي حد زعمهم !! وكأنهم لا يدركون أن مجتمعاتنا لا تخلو من شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع، وأن الله سبحانه وتعالي هو أرحم الراحمين. قليل من الحكمة يا حماة الخطاب الديني حتي تصيروا دعاة للتبشير والتيسير لا دعاة للإحباط واليأس والتنفير.