«والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملو الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» صدق الله العظيم. حقا قول الحق تبارك وتعالي من يتمسك بطريق الحق عليه أن يتمسك بالصبر لأن المدافع عن الحق سيلاقي الكثير فعليه أن يصبر مجاهدا في سبيل القيم السامية العليا، لذا قال «صلي الله عليه وسلم» لمن قال له أنه يحبه أن يعد نفسه لمجابهة الفقر لأن الفقر أسرع من يحبني من السيل إلي منتهاه».. في أقوال وأعمال الرسول الكريم جوانب عديدة لاتكفيها آلاف الصفحات ولكني هنا سأقتبس إضاءة من جانب واحد هو دفاعه عن الفقراء وسعيه لكرامة الإنسان. مقولات عديدة للنبي العظيم عن مكانة الفقراء وحقوقهم وارتباطه بهم منها: «ابغوني في ضعفائكم فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم». «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسائة عام»، «قمت علي باب الجنة فكانت عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون» الجد: الحظ والغني «أطلعت علي الجنة فرأيت أكثر أهلها فقراء». وكان دعاؤه (عليه السلام): «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، وأحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة» ولم يارسول الله؟ قال: «إنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا.. ياعائشة أحبي المساكين وقربيهم يقربك الله يوم القيامة». والرسول (صلي الله عليه وسلم) لم يرتبط بالفقراء بالقول والرعاية والبر والانفاق عليهم فقط وإنما عاش فقيرا كأفقر الفقراء وكان يمكنه أن يعيش كأغني الأغنياء لو أراد، وتروي السيدة عائشة (رضي الله عنها) أنه وآله لم يشبعوا من خبز القمح ثلاث ليال متتابعات منذ قدموا المدينة، وكان يمر عليهم الشهران وما أوقد في بيوت رسول الله نار (والمقصود لم يطبخوا) وتقول: كنا نعيش علي «التمرو الماء»؟! عاش الرسول فقيرا ومات فقيرا ولم يترك دينارا ولادرهما ولا عبدا ولاشيئا إلا بغلته التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لأبن السبيل صدقة، وكان الأولون في تلبية دعوته ونصرته ومكابدة الأهوال في سبيلها أغلبهم من الفقراء والضعفاء والعبيد. وإذا كان قد ورد في الأثر «إن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شعبا في الدنيا» فإنه عليه أفضل السلام لم يترك الناس نهبا للجوع والفقر والعوز والظلم انتظارا لوعد بالجنة في الأخرة فقد بين حقوق الفقراء في الثروة خاصة وعامة وحين سئل قال: «إن في المال حقا سوي الزكاة» أي أن في المال حق غير حق الزكاة ثم تلا الآية 177 من سورة البقرة « ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب» والتي تتضمن «وآتي المال علي حبه ذوي القري واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة» حتي نهاية الآية التيتؤكد أن هناك حقا لذوي القربي واليتامي.. الخ إضافة لحق الزكاة. وأوضح (عليه السلام) في أكثر من حديث أن أخوف ما يخاف علي أمته هو المال وبزخ الدنيا والافتتان بها وإذا كان هناك من يريد أن يغطي حقيقة الإسلام بثوب رأسمالي نقول له أن الإسلام عدو للرأسمالية نصير للمستضعفين، وهاهو الرسول العظيم يصف نهج التجارة التي تقوم علي النفعية المادية البحتة و«البرجماتية» قائلا: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقي الله وبر وصدق، داعيا إلي تجارة ربانية تقوم علي تقوي الله والبر والصدق لقد منحه الله الحكمة والعلم مدركا مخاطر المال ومغرياته وتأثير الثروة علي حياة الفرد والمجتمع والبشرية والحاجة لتنظيما الاقتصاد، ولم يكتف النبي الكريم بالقول والتوجيه وأن يكون قدوة فقط ولم يكتف بوضع الأسس النظرية بل أقام شريعة العدل شريعة الله التي لاتسمح أن تكون الثروة «دولة بين الاغنياء» بنص القرآن ألا تكون متداولة محتكرة بين الأغنياء فقط.. طبق قواعد الإسلام التي تمنع أحتكار فئة للثروة دون باقي الناس رغم أن الثروة لم تكن عنده معيار لأي أفضلية أو مكانة وعن السيدة عائشة ما سمعت رسول الله ينسب أحد إلا إلي الدين» فلا الثروة نسب ولا العائلة نسب وإنما قيم الدين وتعاليمه وتقوي الله مع النفس ومع الناس هي النسب وهي الشرف وهي العزة. ونضرب نموذجا لتطبيقاته الجليلة مستندا إلي ما أنزل عليه من الذكر الحكيم في سورة الحشر حين توزيع غنائم بني النضير (سواء مال أو عقار أو أرض) فقد اختص بها الفقراء ولم يوزع علي الأغنياء شيئا «كي لايكون دولة بين الأغنياء» صدق الله العظيم. ولم تتوقف رسالته النبوية عند هذا الحد بل سعي (عليه السلام) أن يؤمن لكل محتاج كفايته من الحاجات الأساسية ووضع قواعد لحياة اقتصادية إنسانية سليمة بلا احتكار ولا طبقية ولا عوزحياة تقوم علي الكرامة لا علي السؤال وعلي القناعة لا علي الشره وعلي العطاء لاعلي الطمع وعلي الكرم لا علي النهم وعلي التكافل لا علي الصراع، فالمال مال الله والبشر مستخلفون فيه لتحقيق مصلحتهم ومصلحة الجماعة والأمة كلها. وهؤلاء مفكرون ليسوا مسلمين درسوا هذا الجانب من الرسالة المحمدية وقالوا الكثير والكثير نذكر منه «محمد ملاذا اليتامي وحامي العبيد ومحرر النساء.. الأدوار الرائعة للرسول في كل دورب الحياة الإنسانية تؤهله لان يكون البطل.. «البروفسير راما كريشنا راوفي كتابه محمد النبي «أول دين يدعو إلي المساواة والديقمراطية التي تبدأ في المسجد خمس مرات في اليوم عندما ينادي للصلاة ويسجد القروي والملك جنبا إلي جنب»، أما ول دلورانت في كتابه« قصة الحضارة» فيقول« لسنا نجد في التاريخ كله مصلحا فرض علي الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد «صلي الله عليه وسلم» لإعانة الفقراء».