أعطاهم أربعمائة ألف جنيه وأخذ منهم الثعالب، ووضعها في حجرة، وهاتفهم ليأخذوا الثعالب كانت جميع هواتفهم مغلقة هل كان السيدان مديرا مرور قناوسوهاج في انتظار تعليمات عُليا بإغلاق طريق قنا/سوهاج الصحراوي؛ وكل المؤشرات تدل علي قُرب نزول السيول في هذه المنطقة، بل إن بوادرها نزلت بغارب والغردقة، وصار من الطبيعي أنها في اتجاه وادي نهر النيل، لماذا لم يغلقا الطرق المحتمل مرور السيول بها أم انتظرا حتي تتدحرج السيارات بمن فيها في مخرات السيول الطبيعية؟ وتنقطع الطرق وتنهار الفتحات الجديدة التي أنفقت الدولة عليها الملايين وكأنها لُعب صفيح في أيدي الأطفال؟ لم تستطع عربات الإسعاف أن تنقذ الأتوبيسين الغارقين والسيارات الأخري بمن فيها لأنها لم تستطع أن تصل إليهم إلا بجهود فردية، وبعد أن غرق من غرق وفُقد من فقد، وطواقم الإسعاف معذورون فالجسور مزقتها المياه، وسياراتهم ليست طائرات حتي تسبح في الفضاء لانتشال من يسبح في مخرات السيول المعلومة، ناهيك عن أنهم غير مدربين لحالات شبيهة بتلك، ومن العجب أن السيل لم يعد مفاجئا بل صار علما يُدرّس في العالم، ويستطيع طالب قسم الجغرافيا أن يحدد لك سير السيل ومخراته علي خريطة، ويستطيع عالم الأرصاد الجوية أن يحدد لك وقت سقوط الأمطار، ولنا أن نتساءل: أين مجموعات إدارة الأزمات؟ وهل في كل كارثة نحن في انتظار الجيش ليرسل طائراته؟ وأين الإسعاف الطائر الذي رأيناه في التلفاز إذا لم ينقذ ضحايا السيول فما فائدته؟ لا أستطيع أن أصف شعور هؤلاء الذين جرف السيل سياراتهم فامتلأ نصفها بالماء وهي مقلوبة يسيِّرها الماء ولا منقذ لهم! هؤلاء الغرقي في رأس غارب مَن المسئول عن قتلهم؟ ومن المسئول عن الشوارع التي »غرقت في شبر ميَه»؟ لقد أنقذت ترعة مخر السيل قرية المعني بقنا لأنها كانت تنظف دوما ولولاها لتكررت مأساة سيولقنا فشكرا للقائمين عليها، لقد كتب الراحل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في هذا المكان في يومياته التي عنونها ب »قِنا شرَ الماء» محذراً من السيول في الصعيد، وكتبت هنا طالباً الإفادة من مياه السيول بإنشاء سدود لها في الصحراء تتجمع فيها المياه بحيرات عذبة للزراعة والرعي والحياة.. لكن يبدو أن الجميع في انتظار توجيهات عليا. هل يعرف المسئولون أننا نفقد 50 مليار متر مكعب من الأمطار كل عام؟. إذا لم يقم المسئول بمسئوليته فلْيترك هذا المكان لمن يقدر أن يساعد الناس.. لقد صرفت الدولة في تجهيز المخرات لاستقبال السيول مليار جنيه؟ فلماذا عجزت كل هذه التجهيزات عن استقبال السيول ومرورها في سلام؟.. هل يعرف ذوو الطفلتين أريج وأروي مَن قتل طفلتيهما وأباهما وبقية الناس الغرقي ؟ الفراغ السياسي لدي الشباب يعيش شبابنا في حالة فراغ سياسي فالأحزاب لم تستطع استيعاب الشباب وصار الشباب بعد ثورتين في حالة ترقب إذ لم تتمخض الثورتان عن حزب سياسي شبابي قوي، فلا الأحزاب الموجودة قادرة علي احتوائهم، وليس لديهم بدائل شبابية قوية؛ وهذا خطر لأن المتربصين بفراغهم كثر، وقد رأينا من شبابنا من انضم لداعش وهم قلة لا يقاس عليها لكنه مؤشر خطير ينذر بأنهم ليسوا بمأمن من التأثر، وهنا من يتربص لاحتلال الشارع الشبابي سياسيا والإستيلاء عليه، لا أومن بفرض حزب قومي ينتظم فيه الشباب لكن علي الأقل لماذا لا نقوم بتثقيف هؤلاء الشباب وقد لمست في القوافل التي قمت بها مع جمع من الزملاء المفكرين والإعلاميين والأدباء والفنانين وطفنا بها جامعات المنيا وأسيوط وسوهاج وأسوان وعين شمس في نهاية العام الماضي عندما كنت أمينا عاماً للمجلس الأعلي للثقافة، لمسنا جميعا مدي حاجة الشباب إلي من يستمع إليهم ويحاورهم ويسمع رؤاهم وشكواهم وكيف التحم الشباب في حوار فكري راق ينبئ عن أهمية التواصل الفكري معهم وتثقيف عقولهم قبل أن يملأ عقولهم الآخرون ؟! فهناك من يراهن علي امتلاك الشارع الديني والشارع السياسي معا. الأستاذ فتحي النجار من الشخصيات التي تأثرت بها كثيراً الأستاذ فتحي النجار أمدَ الله في عمره الذي درّسني في الإعدادية والثانوية وقد لمس فيَّ حب القراءة والكتابة، وجعل مكتبته الخاصة متاحة لطلاب المدرسة، وقد تعلمت عَروض الشعر علي يديه وبمساعدة أستاذ قدير قَدِم من الإسكندرية وهو الأستاذ السيد أحمد مصطفي الجندي، وكان ذا حماس قلَ أن نجد له مثيلا، واليوم لو أن المدرس يُعين خارج قريته فإنه يسعي للتحويل حتي يكون بجوار بيته. نعود إلي الأستاذ فتحي النجار الذي أهداني كتابا أدبيا نظم عليه بخطه بيتيْ شعر قال فيهما: يا فضلُ خذ هذا الكتابَ هديةً/ مِنّي، وخيرُ هديةٍ لَكتابُ/ فيه البلاغةُ والفصاحة فيه مِنْ/ أدبٍ، وفيه من العلوم لُباب/ ولك أن تتخيل فرحتي عندما أري أستاذي العلَامة وهو يهديني كتابا ويخط الإهداء لتلميذه شعراً، تذكرتُ هذا وأنا أقرأ علي صفحة الدكتور العربي ثائر رسالة ألبير كامي لأستاذه عندما حصل كامي علي جائزة نوبل في الآداب في عام 1957، كتب ألبير كامي هذه الرسالة إلي معلمه في المرحلة الابتدائية 9 نوفمبر 1957 »عزيزي مسيو جيرمان، انتظرت حتي تهدأ قليلا الضجة التي تحيط بي في هذه الأيام قبل أن أتحدث إليك من أعماق قلبي. لقد مُنحت للتوّ شرفا كبيرا، شرفا لم أسع إليه ولم ألتمسه. ولكن عندما سمعتُ الخبر، فكّرت، بعد والدتي، بك. بدونك، بدون يدك الحنون التي مددتها إلي الطفل المسكين الصغير الذي كنته، بدون تعليمك ونموذجك الخاص، فإن شيئاً من كل هذا لم يكن ليحدث. لم أفعل الكثير كي أنال شرفا من هذا النوع. ولكنه علي الأقل يتيح لي الفرصة لأقول لك ما الذي كنت تعنيه ولاتزال بالنسبة لي، وأؤكد لك أن جهدك وعملك وقلبك السخي الذي وضعته في عملك لايزال يعيش في واحد من تلاميذ مدرستك الذي - علي الرغم من السنوات - لم يتوقف عن كونه تلميذك الممتن علي الدوام. أعانقك من كل قلبي. ألبير كامي» قطار 984 في ترحالي المستمر اتجهت الأربعاء الماضي لمناقشة رسالة جامعية مع الدكتور حسن عبد الرحمن سليم حول »شعر رفعت المرصفي»، ومنها إلي آداب القاهرة لأشارك الدكتور أحمد مرسي والدكتور خالد أبو الليل السبت الماضي لمناقشة رسالة عن »أغاني الأقصر الشعبية»، من القاهرة اتجهت الأحد إلي المنيا لمشاركة الدكتور أحمد السعدني والدكتور عمر عبد الواحد في مناقشة رسالة عن »المهمشين في قصص ريتشارد رايت وخيري شلبي» ولوجود اسم خيري شلبي لم أستطع الاعتذار، فخيري شلبي من أهم من أنجبتهم العربية في السرد، وهو الحكّاء الصادق المُوجع، وربطتني به - رحمه الله - علاقة احترام ومودة منذ نقلتُ إليه رسالة كانت تُعد بجامعة بون عن روايته »رحلات الطرشجي الحلوجي» الذي أعاد فيها كتابة الماضي بالحاضر في حَكْيي مدهش، ولذلك اتجهت للمنيا، وساقني حظي أن أستقل قطار 980 الذي تحرك من محطة مصر في تمام الثامنة صباحاً ليصل إلي المنيا الثانية عشرة والربع، كان الزملاء بجامعة المنيا في انتظاري لكن القطار وصل متأخرا ساعة لكنه كان نظيفا، بعد أن أنهيتُ المناقشة حجزتُ في القطار 984 إلي قنا كان من المفترض أن يأتي المنيا الساعة الرابعة وخمسا وعشرين دقيقة، لكنه جاء متأخرا ساعتين دون إعلام المسافرين بالتأخير وأسبابه، والناس في المحطة منتظرون؛ ركبت القطار من المنيا في السادسة والنصف لأصل إلي قنا في الساعة الثانية قُرب الفجر! دخلت العربة كانت أشبه بالثلاجة، واستمر البحث عن مسئول التكييف وبعد العثور عليه طلبنا منه أن يخفف الثلج فجاءت الإجابة »كدا أو مفيش تكييف» فاخترنا ألا تكييف، دورة المياه الوحيدة بالعربة قذرة ولا ماء بها ولا قفل مفتاح بها.. كان بائع الحمص والبليلة يروح بالعربة جيئة وذهابا مناديا عن الحمص الدافئ، وتعالت شكوي سيدة باع لها بائع البوفيه كوب الشاي بعشرة جنيهات وثمنه خمس جنيهات، وكم عذرت هؤلاء الذين يسافرون أسبوعياً. وحمدتُ الله أن وصلنا.. وإذا كان هذا حال راكبي الدرجة الأولي فما أحوال راكبي الدرجة الثالثة الذين كان قطارهم يمرّ بجوارنا والنوافذ والأبواب مفتوحة والعربات مظلمة لأن اللمبات احترقت، وسيشترون بدائل لها في القرن القادم.. لقد توقف قطار ينتظره بمحطة المنيا مئات الفتيات الجامعيات والطلاب والقطار قذر الشكل، ومظلم العربات، واحتل عمال البوفيه دورات مياهه، ولا شبابيك ولا أبواب، والشباب يفترش الأرض به؛ فكيف تأتمن الأُسر علي بناتهم فيه؟ وأين المسئولون بالسكك الحديدية؟، ومن المضحك أن هذا القطار اسمه »المُمَيّز» ولا أدري فيم تميّز هذا القطار؟ ومن المؤكد أن قطارات الدلتا بهذا الحال السيء؛ فمتي ندرك قيمة المواطن وقيمة الوقت؟ عندك ثعالب؟ المشهد ليس بعيدا... توقفت سيارة ربع نقل في البنزينة، كان القفص الحديدي فوقها لافتا للنظر؛ لأنه كان مملوءا بالثعالب التي كانت تصيح مما لفت الأنظار وتحلق الناس حول السيارة يصوّرون الثعالب في قفصها، وخرج مالك البنزينة علي صوت الثعالب والناس سائلا السائق ومن كان بجواره عن سر الثعالب، فأجابه أحدهم : سفارة... تطلبها ونحن نوردها لهم. - لماذا؟ - لأنهم يأخذون قلبها في علاج جديد للأورام - وبكم تورّدون الثعالب؟ - بألف جنيه للواحد، ولو كان عندك ثعالب نشتريها - بكم؟ - الثعلب بألف جنيه وأخرج السائق له خمسين ألف جنيه عربونا، وأعطاها لمالك البنزينة دون إيصال، ومضي بسيارته علي وعد أنه سيأتي بعد أسبوع ليأخذ منه 50 ثعلبا، وبدأ صاحب البنزينة في تجنيد الشباب لصيد الثعالب في حقول قصب السكر والصحراء، وبعد ثلاثة أيام لم يكن قد صادوا سوي سبعة ثعالب فقط، ودّقَّ الهاتف يسألونه إذا كان قد جمع الثعالب؟ لأن السفارة الأجنبية تطلبها بإلحاح شديد، ولو بضعف الثمن فنحن موافقون؛ في اليوم الرابع هاتفوه بأنهم سيشترون الثعلب بخمسة آلاف جنيه، ولكن ماذا يفعل؟! في اليوم السادس توقفت سيارة غريبة محملة بالثعالب لتملأ خزان وقودها بالبنزين وهنا سألهم مالك البنزينة عن الموضوع، فأخبروه أنهم يوردونها لسفارة بالقاهرة للأبحاث الطبية، والثعلب بأربعة آلاف جنيه.. وهنا فرح وطلب منهم أن يبيعوه الثعالب كلها، كل ثعلب بأربعة آلاف جنيه، أعطاهم أربعمائة ألف جنيه وأخذ منهم الثعالب، ووضعها في حجرة، وهاتفهم ليأخذوا الثعالب كانت جميع هواتفهم مغلقة، وماتزال الثعالب في الحجرة المغلقة منذ شهر وقد مات نصفها والموت ينتظر ما تبقي !! نَحْنُ الشُّعراء نحن الشعراءْ نصطادُ الماءْ نبحثُ عن موجٍ في الصحراءْ نحن الشعراء نتخيَّل أشياءْ نتخيَّلُ أنَّ الموجَ جميلٌ في الصحراءْ أن الوردَ يغطي كلَّ فضاءْ نجعل من ليلي قمراً حتي لو كانت شمطاءْ نجعلها أحلي من كل بناتِ الأرضِ ونمنحُ عينيها السحرَ ولو كانت عوراءْ نحن الشعراء نتخيَّل أشياءْ أن المعشوقةَ أجملُ من حُور الجنةِ نتخيَّلُ أنَّا لم نُسبقْ في العشقِ وأن المحبوبةَ ليستْ واحدةً من بين نساءْ أن المعشوقةَ إنْ صمَتَتْ أبلغُ من كلّ الفصحاء حتي لو كانت مِثْلي تجهلُ نُطْقَ السّين ونُطق الثاءْ نحن الشعراء من قَيْس المجنونِ وحتَّايَ نهرولُ بحثاً عن ليلي في البيداءْ نبحثُ عن وهمٍ، لكنَّا لا نعترفُ بأنَّا كنا نبحث عن سمكٍ في الصحراءْ نحن الشعراء ضعفاء يخشانا الأمراءْ نحن الشعراء ملائكةٌ في الحبِّ وجِنٌ في الهيجاءْ نرفع ألويةَ سِنانِ الهجْوِ مع البأساءْ جيوشٌ في الحربِ وخيرٌ في السِّلم وهمسةُ قيسٍ في الصحراءْ نكتبُ فوقَ الرملِ الأسماءْ نحن الشعراء ملايين منذ المتنبي والخنساءْ نبحثُ عن جوهر ذات الذات نترجم عنكم شوقَ العشق ومعني الفرحة أو في الحزن رِثاءْ نحن الشعراء مساكين ننزفُ شعرا كي يحيا الشعر ويفني الشعراءْ نمتلك كنوز الدنيا لكنْ فقراءْ نعرف جوهرَ كلِّ الأشياءْ نختلق الأنباءْ نخترع الأشياءْ نمنح للقبح جمالا نمنح للرمل الهمسة نقف علي الأطلال ونستوقفكم في استبكاءْ نبقي في حضرة مولانا الشعر ونركض إثر غزالتنا حتي نملكها نطلقها في الريح فتعدو في خيلاءْ نحن الشعراء مجانين يعشقنا العقلاءْ