خبرته في مجال التعليم العالي تمتد لاربعين عاما من البحث والتدريس بكلية الاعلام التي يحتل الآن الكثير من كوادرها مناصب رفيعة.. وصل إلي مدير مركز الرأي العام ثم وكيلا للكلية لشئون الدراسات العليا ثم وكيلا لشئون البيئة ومستشارا للعديد من وزراء التعليم العالي.. ومن هنا تأتي أهمية رؤيته النقدية لأوضاع التعليم الجامعي سلبا وايجابا فهو في داخل الميدان الذي يعرف خباياه واوجاعه وأهل مكة أدري بشعابها.. د. محمود علم الدين استاذ الصحافة باعلام القاهرة يري ان ايجابيات التعليم الجامعي أكثر من سلبياته وان تحقيق المعادلة الصعبة بين اتاحة التعليم لحوالي 375 ألف طالب بالجودة المطلوبة هدف تحقق بشكل كبير وان أزمة التمويل مؤقتة بفضل البرامج المميزة والتعليم المفتوح الذي تجمد حتي تعالج المشكلات الناجمة عنه ويطالب بخطة بحثية قومية لربط 180 مركز بحثي لحل مشكلات المجتمع وغيره من الآراء المهمة في الحوار التالي: نظرا لخبرتك الطويلة في مجال التعليم الجامعي كيف تري ايجابياته؟ - لا شك انه للتعليم الجامعي ايجابيات تفوق سلبياته ففي السنوات الأخيرة شهد التعليم الجامعي مجموعة متغيرات ايجابية منها التوسع الكمي والنوعي في مؤسسات التعليم التي وصلت الي 50 مؤسسة تعليمية منها 24 جامعة حكومية و24 جامعة خاصة وعددا من الاكاديميات وجامعة الازهر ويدرس بها حوالي 2 مليون طالب وتضم تنوعا بين التخصصات المختلفة والحقيقة انه منذ بداية الالفية الثالثة وخلال فترة تولي د. مفيد شهاب ثم د.عمرو سلامة ثم د. هاني هلال لوزارة التعليم العالي بدأت الجامعات والمعاهد في تطبيق مفاهيم الجودة في ادارة العملية التعليمية ربما لم يتم تنفيذها بنسبة 100% حتي الآن ولكن يكفي اننا منذ 15 عاما ونحن ندخل مفهوم الاعتماد وضمان الجودة وهو فكر مختلف بالنسبة للعملية التعليمية مع التوسع في انشاء الجامعات الاقليمية وتحويل عدد من الفروع لهذه الجامعات وهذا يوفر (الاتاحة) وهو احد محوري تطوير التعليم والثاني : هو محور الجودة وبالنسبة للاتاحة اصبحت معظم المحافظات بها جامعات ومعاهد حكومية واحيانا جامعات خاصة ايضا وهذا التوسع الكمي يوفر الاتاحة بمعني مزيد من الفرص للطلاب للالتحاق بالجامعة. سلبيات التعليم ولكن هناك سلبيات للتعليم الخاص؟ - بالتأكيد لكنه يقدم تجارب جيدة ومتميزة فبعضها لا يكتفي بالتعليم ولكن يعمل أيضا في مجال البحث العلمي فوفرت فرص عمل واتاحت اماكن للطلاب في التعليم الجامعي ويتولي المجلس الأعلي للجامعات ومجلس الجامعات الخاصة متابعة الاداء من خلال مستشار من التعليم العالي بكل جامعة وهناك شراكات في برامج متميزة مع الجامعات الاجنبية لادخال تخصصات جديدة. ما أهم مشاكل التعليم العالي في مصر؟ - أهم مشكلة هي حل الاشكالية بين الاتاحة والجودة فنحن مطالبون بتوفير اماكن بالجامعات لهذا (الجيش) المتخرج من الثانوية العامة الذي وصل الي 375 ألف طالب سنويا وحتي لو كانوا ربع مليون كيف يمكن ان نقدم لهم تعليم جيد. وكيف نحل هذه المعادلة الصعبة؟ - بالتوسع في التخصصات والبرامج المختلفة ونقيم وضعها وفقا للعالم لمعرفة التخصصات الناقصة والتي نحتاج الي تغطيتها سواء بالنسبة للبحوث العلمية او الاجتماعية وتقييم الاداء باستمرار بدءا بالمعيد وحتي الاستاذ والاعتماد علي الاساليب الجديدة التي تقيس الكفاءة المؤسسية وقدرات ومهارات الاساتذة ورد الفعل لدي الطلاب ومدي تحقق الاهداف التعليمية فنحن بحاجة لاستيعاب منظومة الجودة وتطبيقها بشكل حقيقي وفعال وليس مجرد (تستيف اوراق) ولابد ان نعطي الفرصة للشباب من المعيدين والمدرسين المساعدين لنفتح لهم مزيدا من الفرص للتفاعل مع العالم من خلال سفريات قصيرة او مهمات علمية او بعثات مشتركة مع دول العالم فعلينا ان ننفتح علي الجديد في التعليم والبحث العلمي ونحتاج دراسة لآليات مشاركة الشباب والتفاعل والتواصل معهم ولدينا تجربة جامعة القاهرة كنموذج جيد في الاستماع للشباب والحوار معهم ليضعوا انشطتهم بانفسهم فالطالب يقضي بالجامعة وقتا أطول مما يقضيه في البيت ويحتاج لمن يتواصل معه ويستوعب اهتماماته وابداعه العلمي ولابد ان نكثف اهتمامنا بالانشطة ولا يشغلنا الكم فقط. مشكلة مؤقتة هذه الاهداف الطموحة تحتاج لتمويل ضخم من اين للجامعات به؟ - التمويل مشكلة ناتجة عن احداث الخمس سنوات السابقة والعجز الذي تعانيه موازنة الدولة لكن الجامعات تحاول التعويض عن طريق البرامج المميزة التي توفر دخلا اضافيا وكذلك التعليم المفتوح وهي مصادر للتمويل الذاتي ولكن الازمة في التمويل مؤقتة وسوف تنتهي ولكن لابد للجامعات ان تبحث عن مصادر أخري لزيادة تمويلها بشكل يحافظ علي حق الطالب في التعليم الذي يقره الدستور وتؤمن به الدولة ولكن هل توفره للطالب كثير الرسوب؟ وهل تظل الدراسات العليا مجانية؟ هناك الكثير من الامور لابد من تقنينها مع التوسع في التمويل.. فهناك أزمة تمويل في البلد كلها وعلاقة الجامعة بالمجتمع يمكن ان تزيد التمويل. ولكن زيادة اعداد الطلاب المقبولين بالجامعات يمثل مشكلة تؤثر علي جودة التعليم؟ - الازدحام يأتي نتيجة الاضطرار لقبول الاعداد التي يوافق عليها مكتب التنسيق فمثلا كلية الاعلام لا تحتاج لأكثر من 250 طالبا ولكن مكتب التنسيق يرسل لنا 800 طالب ومن الممكن حل المشكلة بتقسيمهم إلي مجموعات، ولكن الازدحام لا يعطي فرصة للتفاعل بين الاستاذ والطالب ويحد من حصوله علي حق التعليم كحق من حقوق الانسان فالمصروفات لا تزيد عن 200 جنيه ولا يزيد ثمن الكتب عن 500 جنيه تقريبا والدولة تتحمل عبء وضخم وتحتاج لحلول مبتكرة وأعتقد ان الطالب الذي كان يدفع في المدارس الأجنبية أكثر من 70 ألف جنيه لابد ان يعامل بشكل مختلف عن الطالب القادم من المدارس الحكومية! ما تقييمك للبرامج المميزة بالجامعات؟ - تجربة جيدة تجاوزت العشر سنوات تحاول ان تقدم نمط تعليمي جديد وتخصصات جديدة بعضها شراكات مع جامعات أجنبية نقدمها للطلاب مع فرض رسوم اعلي للطلاب القادرين ونقدم نمط تعليمي لا يتعارض مع المناهج الموجودة وفي نفس الوقت يشكل تجربة جديدة تضيف جانبا معرفيا جديدا للجامعة وتدخل دخلا ماديا جديدا فدورها العلمي والتعليمي مهم جدا فهي تتابع احدث التخصصات العلمية وتوفر مصادر دخل للجامعة ويجري لهم اختبارات للالتحاق بها وليست للقادرين فقط فدخولها ليس مرهونا فقط بالقدرة علي دفع مصروفات بل له شروط علمية وبعضها مشكلته ان العرض اكثر من الطلب مثل شعب اللغة الانجليزية. تعليم مفتوح وماذا عن التعليم المفتوح؟ - لم يتم الغاؤه بل تم تجميده وهو ضرورة في مصر لأن هناك من فاتهم قطار التعليم فمن حق من حصل علي الثانوية العامة وحالت ظروفه دون دخول الجامعة ان يلتحق بها فهي فكرة صائبة وموجودة في الهند وانجلتر وماليزيا ومعظم دول العالم ولكن مشكلته انه اسرف في الكم علي حساب الكيف ولم يكن هناك نوع من التشدد في عملية القبول واحيانا يلتحق ببعض البرامج من لا يصلحون لدراستها ولم تحسب التأثيرات السلبية لبعض التخصصات وبعض الوظائف وبعض الجامعات التي لا تملك امكانات التعليم المفتوح التي تملكها جامعة القاهرة توسعت لدرجة انها عملت برامج تعليم مفتوح في جامعات كبيرة مثل عين شمس لأنها مصدر للحصول علي اموال دون ان تكون مؤهلة والحل الابقاء علي التعليم المفتوح وتغيير الاسم الي التعليم عن بعد وعمل برامج جديدة بتخصصات يحتاجها سوق العمل ولا تتوافر في الكليات ويمكن ان تكون الدراسة لعامين فقط وتحددها لجنة من الخبراء وان يتم التشدد في الالتحاق به فمن الممكن عمل امتحان علي الكمبيوتر لا يتدخل فيه بشر وبعده يجري مقابلة مع الدارس لأن جزءا من المشكلة هو التساهل في القبول ولم تدرس التخصصات لكنه يوفر فرص تعليم ويمكن تخصيص جزء للحاصلين علي مؤهلات اخري وهذا لم يتم لأن الحملات المضادة للتعليم المفتوح وبعضها وصفه بالتعليم (المفضوح) جعل الناس تهرب فمثلا عميد كلية باحدي الجامعات الاقليمية كان يدرس في التعليم المفتوح فجزء منها زيادة في الثقافة العامة. الجزر المنعزلة مادور الجامعات هام في البحث العلمي الذي تشجعه الدولة حاليا؟ - لدينا 180 مركزا بحثيا بالجامعات والمراكز البحثية تبذل جهدا كبيرا سواء في رسائل الماجستير والدكتوراه أو بحوث الاساتذة بالاضافة الي المراكز البحثية التابعة لوزارة البحث العلمي والمراكز التابعة لبعض الوزارات ولكن لا توجد خطة قومية توحدهم ففي التخصص الواحد قد نجد ابحاثا مكررة نتيجة عدم التنسيق بين الجهات البحثية ولهذا لابد من وجود خطة استراتيجية تتضمن خريطة للاحتياجات والاهتمامات البحثية بشكل يضمن عدم ضياع جهد الباحثين نتيجة التكرار ولا يترك للباحث حرية اختيار الموضوعات ليعمل في اطار الخطة المطلوبة والحقيقة ان الجهة الوحيدة التي تحاول تطبيق هذه الفكرة هي اكاديمية البحث العلمي ويقوم صندوق تنمية البحوث العلمية بتمويل البحوث ولكن لابد من ربطه بالمجتمع حتي لا نعمل كجزر منعزلة. هل هناك زيادة في النشر العلمي للابحاث العلمية المصرية ؟ - بالتأكيد هناك زيادة ملحوظة للنشر العلمي في الدوريات ذات الثقل الدولي وهي احد الاسباب التي التي رفعت تصنيف جامعة القاهرة بين الجامعات الدولية والجامعة أيضا تكافيء الاساتذة الذين ينشرون ابحاثهم في الدوريات العلمية وهذه الجهود الايجابية تحتاج ايضا الي خطة تربطها باحتياجات المجتمع وهناك ابحاث تهدف الي مواكبة التطورات العلمية بالخارج مثل ابحاث زويل الذي وصل الي الفيمتو ثانية ونال عنها جائزة نوبل ثم بدأ في الابحاث التطبيقية واتمني ان تتصل اكاديمية البحث العلمي بالوزارات والهيئات وتطلب منهم تحديد مطالبهم البحثية التي تحل مشكلاتهم وتوزع علي الجامعات ومراكز البحوث حسب تخصصاتها. بحوث قيمة لماذا لا تتم الاستفادة من البحوث القيمة التي ينتجها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية؟ - هذا المركز قلعة من قلاع البحث العلمي في مصر ويغطي معظم مجالات البحوث الاجتماعي ولكن الاعلام يظلمه بعدم الاعلان عن الابحاث والترويج لها ليستفيد منها المجتمع فمثلا عندما توفي الدكتور محمود حافظ لم ينشر الخبر لأن الجمهور لا يعرفه وكذلك الدكتور مصطفي كمال طلبة الذي اخترع تعبير التنمية المستدامة كان نادرا ما يستضيفه الاعلام أو الصحافة رغم تقدير العالم له لكن الاعلام يتحدث عن السلبيات والسرقات العلمية عندما يتابع جهود العلماء والباحثين ويهتم فقط بأخبار الفنانين ونجوم الرياضة ورجال الاعمال والسياسيين! الاعلام العلمي هل يقوم الاعلام العلمي بدوره المهم؟ - الاعلام يظلم البحث العلمي عندما لا يلقي الضوء يوميا علي جهود مراكز البحوث بينما البحث العلمي هو فن توليد المعارف الجديدة التي تساهم في اضافة مبتكرات ومنتجات وخدمات جديدة تفيد المجتمع فالعلماء الذين طوروا الموبايل والانترنت وصاحب ميكروسوفت والفيس بوك تتصدر اخبارهم وسائل الاعلام العالمية عندما يبدعون فالعلماء ايضا نجوم للمجتع ولابد ان ينتبه الاعلام للبحث العلمي ونعود للمحررين المتخصصين في البحث العلمي فلدينا كوادر لها تاريخ المفروض ان تعد كوادر اخري علينا ان نتابع ما يحدث في الجامعات ومراكز البحوث وننشر جهد هؤلاء فكل التخصصات موجودة في المراكز البحثية في مصر والمفترض ان 50 شعبة بالمركز القومي للبحوث يخرج منها اخبارا يومية صالحة للنشر ونتائج البحوث العلمية المصرية والاجنبية تعرف الناس بكيفية تصدي العلماء لحل المشكلات وتربي عند الناس الحس النقدي الذي نحتاجه فالاعلام العلمي دوره اخطر من مجرد الاعلان عن العلماء بل يخلق نمط تفكير مفتقد عند الناس الآن فمثلا عندما تكررت الحرائق دون سبب في بعض القري هل بحثت الصحف عن السبب العلمي ام روجت للخرافات التي ينسبها الناس للجن والقوي الغيبية فالمفروض ان يناقش المشكلات علميا ويتابع اخبار العلم في الخارج فلا يوجد نشر علمي منتظم سواء الداخلية أو الخارجية. اقر الدستور تخصيص نسبة من الناتج القومي للتعليم وللبحث العلمي كيف تري ذلك؟ - مع احترامي للدستور فهذا طموح يمكن ان نصل اليه مع التطورات الاقتصادية ومع تحسن الاحوال من 2018 الي 2020 معظم الجامعات الخاصة فتحت كليات للاعلام وتخرج اعدادا اكبر من استيعاب وسائل الاعلام؟ - تخصص الاعلام من التخصصات الجاذبة وذات الجماهيرية وبالتالي معظم الجامعات الخاصة تقبل عليه ولكن لابد من التدريب لأن خريج الاعلام لن يعمل فقط في وسائل الاعلام م ولكن العلاقات العامة والنشر الالكتروني تخصصات اخري تنتظره لكن بعض الشباب يظن انه لابد ان يعمل في وسائل الاعلام وهي محدودة ومع زيادة التدريب العملي لابد من الحد من الاعداد المقبولة وهي مهمة المجلس الاعلي للجامعات واعتقد انه يقوم بدور مهم في ضبط منظومة القبول في الكليات. كأستاذ اعلام كيف تري اداء اجهزة الاعلام؟ - الاداء الاعلامي في حاجة الي مراجعة فهناك تراجع مهني وخلل في الاداء في عدد كبير من الوسائل الاعلامية واختراق لاخلاقيات المهنة لعدم وجود اي منظومة للمحاسبة والمساءلة اعتقد ان الهيئات الثلاث التي سيتم انشاءها وفقا للدستور يمكن ان تقوم بدور مهم لضبط مسار الاعلام في مصر وعلي المسئولين عن المؤسسات الاعلامية ان يراجعوا الاداء وبعضها يحتاج الي مراجعة لاصداراته وإعادة هيكلة كاملة وأري ان يتم ذلك قبل صدور القانون وأن تركز المؤسسات القومية علي الكيف وليس الكم لأن هذا مصدر الخلل اما الاذاعة والتليفزيون فتحتاج إلي تطوير نظرا لوجود 22 قناة تلفزيونية متداخلة متشابهة المحتوي ولا توجد قناة متخصصة للمرأة أو للطفل أو للاقتصاد ولا توجد قناة سياسية مهنية تستطيع مخاطبة العالم الخارجي بشكل صحيح مهنيا لانهم غارقون في الدراما والسينما في حين ان الاستثمار الاعلامي الخاص يبدأ في تغطية المجالات الناقصة في منظومة الاعلام المصري باعتباره شريكا اساسيا ووطنيا واثبت ذلك في 30 يونيو.