في مثل هذه الأيام منذ ثلاثة واربعين عاماً، وطوال الفترة التي استغرقتها معارك العبور والنصر، منذ لحظة ميلادها في الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من اكتوبر، مع انطلاق نسور الجو عابرين بطائراتهم القناة للقيام بالضربة الجوية المظفرة، ايذانا بنهوض المارد المصري لتحرير الارض واسترداد الكرامة،..، كانت انظار العالم كله شرقه وغربه مركزة علي مصر ترصد وتحلل. ورغم المفاجأة التي اذهلت الكل نظرا لعدم التوقع بإمكانية نهوض مصر من عثرتها وهزيمتها قبل أعوام وأعوام، إلا ان جميع أجهزة الرصد العالمية سجلت باندهاش كبير، القدرة المتعاظمة والتطور الكبير للجيش المصري تخطيطا وأداء، والذي ظهر واضحا في دقة التخطيط وكفاءة التنفيذ خلال الاقتحام الناجح للمانع المائي والاستيلاء علي خط بارليف وتدمير مواقع العدو الحصينة شرق القناة. وفي ذات الوقت الذي سجلت فيه مراكز المراقبة والرصد العالمية دقة وكفاءة العمليات العسكرية المصرية علي جبهة القتال، والتي مكنت الجيش المصري من تحقيق اهدافه في العبور والنصر، وتلقين الجيش الاسرائيلي درسا لا ينسي،..، كانت ايضا ترصد وتحلل مجريات الامور وسير الاوضاع في الداخل المصري، أي علي الجبهة الداخلية في القاهرة والمدن الأخري بجميع محافظات الجمهورية. وكان لافتا لانتباه الكل ذلك الهدوء المسيطر علي سير الحياة في مصر كلها دون استثناء، سواء في اكبر واضخم المدن وهي القاهرة والاسكندرية أو في أصغر قري مصر ونجوعها في الصعيد أو الدلتا،..، وكانت جميع الأمور تسير بطبيعية وسلاسة غير عادية، مع حرص واضح من كل المواطنين علي التلاحم ومساعدة بعضهم البعض. كان مثيرا للانتباه عدم حدوث ازمة واحدة واختفاء كل صور التناحر أو القلاقل، وايضا اختفاء جميع انواع مظاهر العنف الاجتماعي، واختفاء حتي الجرائم العادية طوال ايام الحرب المجيدة بطول وعرض البلاد. وكان التفسير الوحيد الذي اجمع عليه الكل لهذا الذي يحدث في مصر علي خط القنال وفي الداخل هو... »روح اكتوبر» التي تملكت كل المصريين وجعلتهم جميعا يسعون ويعملون لهدف واحد،..، انها »روح الاصرار علي النصر».