ربما يحسب البعض مكاسب قناة السويس بالورقة والقلم، فمنهم من يحسبها بالفلوس والعائد الضخم الذي سيدخل في ميزانية مصر، ومنهم من يحسبها بحجم العمل الذي دخل موسوعة جينس من حيث عدد المعدات المستخدمة، أو عدد العمال، أو الزمن القياسي الذي تم إنجاز العمل خلاله، ومنهم من يحسبها بالوقت غير المسبوق الذي اكتتب فيه المصريون في المشروع ودفعوا 64 مليار جنيه في أيام معدودات.. ومنهم من يحسبها بحجم الرمال التي استخرجوها من الحفر، ومنهم من يحسبها بالتخطيط الدقيق والمتقن الذي لم يترك أي ثغرة واحدة للخطأ. ولكني أختلف مع كل هؤلاء الحاسبين، الضاربون منهم والجامعون، فأنا مكاسبي أكثر منهم بكثير وليس لها وحدة قياس، فلا هي بالعدد، ولا بالوزن وبالمتر. فالروح المعنوية التي خلقتها القناة هي المكسب الأكبر، فحفر قناة السويس الجديدة جعل معنويات المصريين في عنان السماء، وهي نفس الروح التي كانت عند المصريين يوم ما أممنا القناة وبنينا السد العالي، وهي نفس الروح التي عبرنا بها القناة وحققنا الانتصار علي العدو الإسرائيلي الذي سيظل عدونا اللدود.
من سمع ليس كمن رأي، فكل من زار القناة الجديدة عاد بروح معنوية عالية وإصرار علي العمل والنجاح وتحدي المستحيل - وظني أنه بعد أن يتم استغلال هذه الروح وهذه الحالة واستثمارها لصالح البلد. أقترح أن تقوم القوات المسلحة بإقامة بانوراما لحفر القناة، علي غرار بانوراما نصر أكتوبر فالعمال الذين حملوا المعول كالجندي الذي حمل البندقية في 6 أكتوبر. والعامل الذي قاد الحفار مثل المجند الذي قاد الدبابة، وخط بارليف الذي قهره الجيش في 73 ثم قام في 2014 ممثلاً في الهيئة الهندسية التي أزالته ولم يبق منه إلا «شوية رمل». وتكون البانوراما تجسيدا حيا لملحمة مشروع القرن ليري أبناؤنا وأحفادنا ماذا فعل آباؤهم الأولون لتأمين مستقبلهم. قد يعجز البعض عن السفر إلي القناة، وقد تمنع الظروف البعض الآخر أن يحظي بلحظة الفخر في المرور بالقناة، كما فاتت الكثيرين لحظة الذهاب إلي سيناء وزيارتها بعد أن استردتها مصر من العدو الإسرائيلي، وبقيت البانوراما تسجل هذا الانتصار.
وقد نجحت دول في تسويق مشروعاتها وفنادقها وكباريها ومصانعها عبر أفلام تسجيلية رصدت مراحل إقامة هذه المشروعات، وتذاع هذه الأفلام علي قنوات متخصصة شهيرة وذات نسبة مشاهدة عالية، فلابد أن تقوم هيئة قناة السويس من الآن وفورا بعمل هذا الفيلم التسجيلي وتسويقه فورا في هذه القنوات المتخصصة مثل قناتي ناشونال جيوجرافيك و«دسكفري». وإذا كانت البانوراما هي للإبقاء علي الروح المعنوية العالية للمصريين وتصديرها للأجيال القادمة، فإن هذه الأفلام هي لتسويق مصر خارجيا، حتي يعرف العالم من هو المصري. الذي إذا أراد فعل.. وإذا فعل أنجز.. وإذا أنجز تحول عمله لإعجاز.
الفرحة التي ارتسمت علي وجوه المصريين تساوي ملايين الجنيهات، وكل واحد عبر عن فرحته بطريقته الخاصة سائق تاكسي أوصلني من وسط البلد حيث أسكن إلي مقر مؤسسة أخبار اليوم ورفض تقاضي الأجرة قائلا: أنا بركب كل يوم واحد ببلاش احتفالا بالقناة.. محلات كثيرة تبارت في التخفيضات بمناسبة افتتاح القناة. الناس كلها بتبارك لبعض متفائلين ببكرة، وحاسين إن ده أول إنجاز للثورتين (25 - 30). أسمعهم في المواصلات العامة وفي الشوارع وعلي المقاهي.. الكلمة المتداولة «الحمد لله حفرنا القناة» إحنا بقالنا كتير مافرحناش. هذا هو المكسب الحقيقي ارتفاع الروح المعنوية للشعب. حافظوا عليها، ولاتجعلوا أحدا يسرق فرحتكم ولا تنسوا أنهم شككوا مئات المرات خلال ال 365 يوم حفر في المشروع.
لن ينسي المصريون ولا التاريخ الزعيم عبدالناصر الذي اتخذ قرار تأميم القناة. لن ينسي المصريون ولا التاريخ الزعيم السادات الذي اتخذ قرار عبور القناة. لن ينسي المصريون ولا التاريخ الزعيم السيسي الذي اتخذ قرار حفر القناة. الشعب يستحق رئيسه. آخر كلمة وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَي عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ صدق الله العظيم التوبة : 105