«صحة البحر الأحمر» تنهي استعداداتها لاستقبال عيد الأضحى    سعر الخضار والفواكه اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025 فى المنوفية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 4-6-2025 في مصر بعد ارتفاعه الكبير (آخر تحديث)    الرئيس السيسى يتوجه إلى الإمارات للقاء الشيخ محمد بن زايد: ملفات أولوية وأمن المنطقة    احتجاز زوجة وأبناء منفذ الهجوم على مسيرة لمؤيدى إسرائيل فى كولورادو    ترامب يضاعف الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50%    إسرائيل: مراكز توزيع المساعدات في غزة ستغلق اليوم والطرق المؤدية إليها تعتبر مناطق قتال    عالمي يا أهلي.. المارد الأحمر يطير إلى أمريكا للمشاركة في مونديال الأندية    امتحانات الثانوية العامة.. فتح اللجان مبكرا وتفتيش الطلاب    طقس الأربعاء مائل للحرارة بوجه عام نهارا والعظمى في القاهرة 33    لبيك اللهم لبيك.. تصعيد الحجاج لعرفات بأوتوبيسات مكيفة وسط أجواء روحانية    اليوم.. طقس حار نهارا على القاهرة الكبرى والوجه البحري والعظمى 33 درجة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 4-6-2025 في محافظة قنا    وزير خارجية إيران: تخصيب اليورانيوم داخل أراضينا هو خطنا الأحمر    دوري الأمم الأوروبية، قمة نارية اليوم بين ألمانيا والبرتغال في نصف النهائي    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    زلزال يضرب جزيرة «سيرام» في إندونيسيا بقوة الآن    انخفاض أسعار النفط بعد زيادة إنتاج مجموعة أوبك+    علي الهلباوي يحتفل مع جمهوره بعيد الأضحى في ساقية الصاوي    رشوان توفيق عن الراحلة سميحة أيوب: «مسابتنيش في حلوة ولا مرة»    اليوم.. السيسي يتوجه إلى أبو ظبي للقاء رئيس دولة الإمارات    الدولار ب49.62 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 4-6-2025    "مايكل وملاكه المفقود" لهنري آرثر جونز.. جديد قصور الثقافة في سلسلة آفاق عالمية    تنسيق 2025.. هؤلاء الطلاب مرشحون لجامعة "ساسكوني مصر"    مصرع وإصابة 17 شخصا في انقلاب ميكروباص بالمنيا    حبس مقاول و4 آخرين بتهمة التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    إصابة 14 شخصًا في انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوى الغربى بأسيوط    رسميا.. رفع إيقاف قيد الزمالك    ظهور وزير الرياضة في عزاء والدة عمرو الجنايني عضو لجنة التخطيط بالزمالك (صور)    ليلى علوي تنعى الفنانة سميحة أيوب: "كانت الأم المشجعة دايمًا"    كامل الوزير: تذكرة المونوريل بنصف تكلفة بنزين السيارة    موعد أذان فجر الأربعاء 8 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    «احنا الأهلي».. رد صادم من ريبيرو على مواجهة ميسي    دعاء النبي في يوم التروية.. الأعمال المستحبة في الثامن من ذي الحجة وكيفية اغتنامه    «حسبي الله فيمن أذاني».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل برسالة نارية    يُعد من الأصوات القليلة الصادقة داخل المعارضة .. سر الإبقاء على علاء عبد الفتاح خلف القضبان رغم انتهاء فترة عقوبته؟    رئيس حزب الجيل: إخلاء سبيل 50 محبوسًا احتياطيًا من ثمار الجمهورية الجديدة    مراجعة المخططات النهائية لأعمال تطوير محاور العاشر من رمضان    90.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    للتنظيف قبل العيد، خلطة طبيعية وآمنة لتذويب دهون المطبخ    الهلال يسعى لضم كانتي على سبيل الإعارة استعدادا لمونديال الأندية    تعرف على أهم المصادر المؤثرة في الموسيقى القبطية    أبرزهم شغل عيال وعالم تانى.. أفلام ينتظر أحمد حاتم عرضها    مي فاروق توجه رسالة نارية وتكشف عن معاناتها: "اتقوا الله.. مش كل ست مطلقة تبقى وحشة!"    مسلم يطرح أحدث أغانيه "سوء اختيار" على "يوتيوب"    رئيس الأركان يعود إلى مصر عقب انتهاء زيارته الرسمية إلى دولة رواندا    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد شراكة وتطوير لإطلاق مدينة «جريان» بمحور الشيخ زايد    قبل العيد.. ضبط 38 كيلو أغذية غير صالحة للاستهلاك بالمنيا    إرهاق جسدي وذهني.. حظ برج الدلو اليوم 4 يونيو    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    تامر حسني: «زعلان من اللي بيتدخل بيني وبين بسمة بوسيل ونفسي اطلعهم برة»    بمكون منزلي واحد.. تخلصي من «الزفارة» بعد غسل لحم الأضحية    رجل يخسر 40 كيلو من وزنه في 5 أشهر فقط.. ماذا فعل؟    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    ماهر فرغلي: تنظيم الإخوان في مصر انهار بشكل كبير والدولة قضت على مكاتبهم    لأول مرة.. الاحتلال يكشف أماكن انتشار فرقه فى قطاع غزة..صورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"72 كيلو متر"..وثائقي يسجل ملحمة البشر في قناة السويس الجديدة:
عودة الروح
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 08 - 2015

لا يوجد أحد في الإسماعيلية بأكملها بداية من سائق التاكسي وحتي العاملين بالقناة إلا ويشعر بأنه يفعل شيئا لأولاده وللتاريخ
استعاد المصريون روح وفكر أجدادهم الفراعنة ليصححوا التاريخ، فلم تكن فكرة إنشاء قناة السويس الجديدة أو بمعني أدق جعل قناة السويس ازدواجية المسار، مجرد مشروع اقتصادي ولكنه يحمل معاني كثيرة، فرحلة هذه القناة بدأت منذ آلاف السنين وكانت مرحلتها الأولي في عهد الملك سيتي الأول الذي قبل اقتراح كبير المهندسين لديه وولاه قيادة المشروع، ليشاركه الآلاف من العمال والفنيين في حفر قناة تربط بين البحر الأحمر ونهر النيل.
تولدت فكرة القناة التي تربط بين البحرين وتحققت للمرة الأولي في عهد الملكة حتشبسوت، وتشهد كتب التاريخ الإسلامي بعظمة هذا المجري المائي، وإن لم تذكر متي وكيف تم تنفيذه، بداية من مؤرخي الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ومرورا ببقية الخلفاء الراشدين وحتي جاءت الدولة الأموية ثم العباسية، إلي أن أمر أبو جعفر المنصور بردمها لأسباب سياسية، يقال أنه أراد بهذا معاقبة تجار الحجاز فعاقب مصر وشعبها.
بعد اكتشاف الحضارة الفرعونية ورؤية ما تركوه من أعمال تتسم بالدقة والمهارة، أصبح مؤكداً أن المصريين قد قاموا بهذه الإنجازات العلمية والفنية بروح المحب العاشق لبلاده، ولم يكن هناك أي نوع من أنواع التعذيب أو الإجبار، فلا يمكن لبشري أن يبدع وروحه تعاني، وهذا ما اكتشفه الفرنسيون عندما جاءوا في حملة بقيادة نابليون إلي مصر.
اكتشف العلماء والمهندسون الفرنسيون أمر القناة التي تربط بين البحرين وأنها في هذا العصر ستكون ذات أهمية بالغة إن أعيد حفرها، خاصة بعد الحروب الطويلة بين العديد من الأطراف من أجل السيطرة علي طريق رأس الرجاء الصالح الذي تضطر معه السفن إلي الدوران حول أفريقيا وصولا إلي جنوب آسيا، فإذ بفكرة فرعونية عبقرية تختصر الطريق كثيرا، بهذه الروح أقنعوا نابليون بإعادة حفر القناة، ولكن ظروف الحروب في بلاده وما آلت إليه الحملة لم يسمح له بذلك.
عندما عادوا إلي بلادهم تلقف الفكرة برؤية أخري بعض من التجار والسماسرة ولهذا تردد الكثير منهم علي مصر سواء بالتنسيق مع حكومة بلاده أو بدون، لإقناع حكام مصر بإعادة حفر القناة، فجاء أحدهم إلي محمد علي وحاول إغراءه بعدة مشاريع أخري أهمها إنشاء القناطر، والذي بدوره رحب بهذه المشاريع باستثناء إعادة حفر القناة، حيث أدرك بحسه العسكري ومواجهاته السابقة مع الإنجليز والفرنسيين أن حفر هذه القناة سيكون بمثابة إذن لتحويل مصر إلي مطمع وأرض لمعركة بين المستعمرين للسيطرة علي مجري مائي قصير يربطهم بمستعمراتهم في آسيا.
تكررت المحاولات مع أبنائه الذين ساروا علي نهج أبيهم، وصولا إلي محمد سعيد الذي عرفه التاريخ بالخديو سعيد، وبعيدا عن ملابسات موافقته علي هذا المشروع فإنه أصدر فرمانا به ومنح للمحظوظ من بين عشرات حاولوا تنفيذه من قبل، الاقتصادي والدبلوماسي فرديناند ديليسبس، امتيازا بتسعة وتسعين عاما قابلة للتجديد، وتضمن هذا الامتياز توفير جميع الوسائل من آلات وبشر، ليقوم العسكر الشركس والأتراك بالانقضاض علي شباب مصر من شمالها لجنوبها واقتياد الآلاف بالحبال كقطعان وضربهم بالسياط، ليعيدوا حفر هذه القناة، التي استمر العمل فيها نحو عشر سنوات زهقت خلالها أرواح ما يقرب من 120ألف، بعضهم مات من التعذيب والبعض الآخر لقلة الرعاية الصحية والتغذية، إلي جانب عدد كبير من أبناء صعيد مصر الذين قتلهم رصاص الغدر عندما ثاروا ورفضوا العمل.
دماء ذكية أخري وأرواح طاهرة ضحت من أجل استعادة هذه القناة، لتكن عزاء لأبناء وأحفاد من ماتوا من أجل حفرها وحتي تصبح موردا اقتصاديا هاما يساعد مصر بعد ثورتها عام 1952، وإن كان تأريخ الفراعنة لمشروعهم لم يصلنا بعد، وتأريخ إعادة حفر القناة وثائقيا الذي أعده الفرنسيون لم يكن مشرفا، فإن عدداً من شباب مصر استغلوا الفرصة وشرعوا في تأريخ المشروع الجديد لقناة السويس، ليكونوا شهودا علي استعادة روح الفراعنة لدي الآلاف من الجنود المجهولين والعاملين بسواعدهم في حفر قناة السويس الجديدة.
هيثم خليل، طبيب أسنان، التحق بالمعهد العالي للسينما، قسم الإخراج، قرر أن تكون قناة السويس الجديدة هي مشروع تخرجه في السنة الثالثة، فكان أكثر ما أثاره بالأمر هو العامل الذي ينفذ المشروع بيده، وليس القيادات التي تتخذ القرارات الإدارية، لذلك ذهب إلي العمال وحاورهم وتعرف علي شعورهم ورؤيتهم لمشروع القناة، لتكون النتيجة بالنهاية الفيلم التسجيلي "72 كيلو متر"، وقد اشترك معه من أقسام المعهد الأخري كل من: مصطفي يونس من قسم الرسوم المتحركة ومصمم البوستر، محمد صالح في التصوير، أبرار عماد مسئولة الصوت، ريهام يوسف كمديرة إنتاج، ومن خارج المعهد عاونه في الإخراج إبراهيم رزق.
في الخامس من أغسطس عام 2014 أعطي الرئيس السيسي إشارة البدء لهذا المشروع ووقع علي أمر الحفر، الذي عرضه عليه الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، وبعدما كان التخطيط لتنفيذه مقرراً له 3 سنوات، أعلن عن موعد افتتاحه بعد عام، وكان ذلك التحدي، فأصبح بمثابة المشروع القومي للقرن الحادي والعشرين لتطوير مصر، وصرح السيسي قائلا: "لن ابدأ هذا الأمر وحدي، لابد أن نفعل هذا الأمر معا"، وقد كان.
بعد شهرين أو ثلاثة من متابعة هيثم لهذا المشروع، شعر أن هناك شيئا مهما، وأكثر ما لفت انتباهه كانوا القائمين علي العمل، وفي ذلك يري مستويين، الأول هم المسئولون المعلومات وذهبوا بعنصريتهم إلي الأسوأ فيما يخص البشر وطبيعتهم، فكانت تخميناتهم دائما أن الفرعون يبطش بالشعب وأنه الإله علي الأرض وغيرها من الخرافات التي أثبتت الدراسات التاريخية والاجتماعية والنفسية عكسها.
والبارزون علي السطح مثل الرئيس والحكومة ومجلس إدارة القناة، والمستوي الثاني هم من عملوا بأيديهم، وهؤلاء من أراد الاقتراب منهم، وأصبحوا محور مشروعه، يقول: "من يصنعون المشروع هم أبدع من المشروع ذاته، لا يوجد أحد في الإسماعيلية بأكملها بداية من سائق التاكسي وحتي العاملين بالقناة إلا ويشعر بأنه يفعل شيئا لأولاده وللتاريخ، كلما سألت أحدهم عن أبنائه وإحساسهم يخبرني أنهم فخورون به جدا، في مقابل هنا بالقاهرة سألت سائق تاكسي إن كان يسمع عن قناة السويس، فأجابني "نعم، ولكن يبدو أنها كاريكاتير أو فوتوشوب وكلام علي الورق"، هذا هو الفرق، المنطقة هناك بها تحف بشرية حقا، وقد سجلنا مع كثيرين منهم، وابهرنا بشدة جديتهم وحماسهم في العمل أثناء شهر رمضان".
ذهب هيثم مع فريق عمل فيلمه إلي كراكة ابن بطوطة الأجنبية، وهناك قابلوا فريقا متميزا ورائعاً علي حد وصفه، حيث كانت لديهم دقة شديدة في العمل، والعجيب أنهم رغم كونهم أجانب إلا أن روحهم المعنوية مرتفعة جدا، لأنهم يصنعون شيئا للتاريخ الحديث، فيستطرد: "المشروع كقناة مائية هو إنجاز بلا شك، ولكن الروح والبشر هي حقا الملحمة الحقيقية، كما أن هذا المشروع يمكن أن يكون وسيلة تحفيز لبقية الناس في مختلف مناطق ومحافظات مصر، فكما فعل أهالي القنال ليصنعوا التاريخ، يمكن للفلاحين ذلك في مشروع المليون فدان، ومثلهم العاملون في الآثار، وغيرهم، حينها ستعم حالة بناء الوطن".
عمال بسطاء جدا، يعملون في نهار شهر كلل أو ملل، بل أنهم يرفضون أي سبب لتعطيلهم حتي وإن كان سيريحهم لبعض الوقت، فعندما ذهب فريق عمل الفيلم لمجموعة من النجارين لكي يصوروا معم أخبروهم بأنهم لا يستطيعون إكمال عملهم بسبب من يأتون إليهم طوال الوقت للتصوير، ويؤكد هيثم: "لا يوجد أي نوع من الإهمال أو المعنويات المحطمة".
لم يكتب هيثم خليل سيناريو تفصيليا للفيلم، ولكنه وضع 3 خطوط عريضة سار في دربهم، أما الأول فكان أن يتحرك مع هؤلاء الناس ويري كيف يعملون، حيث شعر أن ذلك هو الذي سيولد له أفكارا تفصيلية من الداخل: "عندما أصعد مثلا لكراكة يعمل فيها مصريين لقناة السويس الجديدة، أفكر أن هؤلاء بالطبع لديهم تفكير وأسلوب حياة وطريقة في العمل وفكر، فكل ذلك وليد اللحظة، وهو ما حدث، وجدت تفاصيل كثيرة جدا في كل موقع مررت عليه".
بينما كان الخط الآخر، هل هذا المشروع يعتبر إنجازا في تاريخ مصر ويختلف بالنسبة للعمال عن المشاريع التي عملوا فيها من قبل؟ وفي ذلك كان جوابهم "نعم، إنه للتاريخ ولنا ولأولادنا"، فهم يؤرخون لأنفسهم بغض النظر عن الإدارة الكبيرة للقناة أو الدولة.
أما الخط الثالث، هل يؤثر وجود ضحايا أو وقوع حوادث لآخرين معهم علي معنوياتهم، فهناك من يمرضون نتيجة إرهاق العمل ولكن ذلك لا يؤثر البقية، لأن كل مكان بالدنيا به مشاكل، ويتعجب هيثم: "منهم من مرض وأصيب بغيبوبة سكر وبعد ساعتين وجدته يقف بجواري ليكمل عمله، فرغم أن كلهم موظفون حكوميون ويمكنهم فعل المعتاد كالأجازات العارضة وتعطيل العمل والإهمال، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، تلك هي الروح التي خرجت من المكان".
رغم الانبهار بتلك الروح التي وجدوها، إلا أن التصور قبل الذهاب كان مختلفا تماما، يقول هيثم: "تصورته كأي مشروع ينفذه المصريين، مليء بالتباطؤ والكسل والمشاكل المستمرة والإهمال، ولكن منذ أن وضعت قدمي هناك شعرت بروح أخري، كأنهم يصنعون مدينة أوليمبية، والجميع له هدف، وربما السبب في فرق الإحساس هذا، أن هناك يلمسون المسألة ويرونها، بينما علي المستوي الإعلامي أو السياسي لم يتشبع الناس هنا بالفكرة، فإذا تأخر الافتتاح شهرا مثلا سيكون الأمر لدينا بالقاهرة عاديا، ولكن هناك ستمثل لهم كارثة، تلك الروح المفقودة هنا، بالضبط مثلما كانوا يقولون عام 1973 أن الحرب علي الجبهة شيء وفي بقية محافظات مصر شيء آخر".
يتضمن الفيلم حتي الآن 5 حوارات، ومازال هناك بقية، ربما أبرزهم هم هؤلاء الثلاثة الذين وضعت رسومات لهم علي البوستر، فهم أصحاب الحوارات الثلاث الرئيسية في الفيلم، لأنهم حسبما أوضح هيثم، شخصياتهم ناضجة جدا ومن أكثر المتفاعلين في المشروع، ولكن يبقي حوار مازال عالقا في ذهنه والأكثر تأثيرا عليه، مع عامل يسمي محمد عمرو حسين، عندما سأله عن إحساسه بالقناة، فقال "القناة، إنها روحي، لقد صنعت صداقات هنا لم أجدها في أي مكان آخر، نأكل ونشرب ونعيش سويا، لا أعلم ماذا أفعل بعدما ينتهي الأمر"، وكانت المفاجأة لهيثم خليل عندما سأله عن سنه ففوجئ بأنه 18 عاما، وطلب منه نسخة من الفيلم: "هو لديه أمل عندما يتزوج وينجب أن يكون الفيلم هو الإثبات علي عمله في مشروع قناة السويس، إنه يعمل من الرابعة فجرا وحتي الثانية ظهرا، ثم يستريح بعض الوقت ثم يستكمل لما قبل المغرب، وقد كان بالنسبة لي شخصية مثيرة، لصغر سنه وفكره، فهو يعمل بحفار في منطقة صحراوية وحده وبلا رقابة، ومع ذلك لم يهمل أو يتباطأ، إنه مشحون بفكرة معينة تلزمه بإكمال عمله الذي ينتظره الملايين".
يؤكد هيثم مرارا أن الأساس في الفكرة هي مشاركة التاريخ، فهي حالة نادرة حقا أن تذهب لمجموعة من الناس للتصوير معهم وتطلب منهم التوقف، فيردون "ننهي النصف ساعة الباقية من عملنا ثم نتفرغ لكم، إذا كنت تريد التصوير ونحن نعمل فافعل ذلك أما التوقف فلا نستطيع"، رغم أن ذلك أثناء الصيام، ورئيس الهيئة هو من أوصل فريق عمل الفيلم إليهم وطلب منهم معاونتهم.
في تلك اللحظة تدخل مصطفي يونس، مصمم بوستر الفيلم، والطالب بالفرقة الثالثة بقسم الرسوم المتحركة في معهد السينما، قائلا: "المشاكل في تنفيذ المشاريع يكون أساسها دائما الإدارة، وهؤلاء أنجزوا في عام واحد مشروع خطط تنفيذه في ثلاثة أعوام، لم لا نتعرف علي مقومات الإدارة الصحيحة التي نفذت في هذا المشروع ونبدأ في تطبيقها".
ربما تكون سيطرة الادارة الهندسية للقوات المسلحة علي الأمر لها دورها في ضبط إيقاع العمل ونظامه، لكن البشر العاديين في الداخل من ضبطهم هو الإحساس والشحن المعنوي، ويري هيثم أن أي مشروع ستتوافر فيه صفات القومية تلك سيكون به روح ونجاح أكثر، لسبب واحد، أن المشتركين فيه سيحاولون بكل طاقتهم علي اختلاف فئاتهم، فلاحين أو أثريين أو مثقفين، أن يثبتوا أنهم جزء من التاريخ كما فعل عمال قناة السويس، وهذا طبيعي جدا، فروح البناء هي الأساس وسبب النجاح، ولو كان مشروع القناة فشل في الاختبار من حيث المدة والإنجاز لتسبب ذلك في سقوط مروع للمعنويات والروح. وكما أن هؤلاء العمال هم محور الفيلم، فإن موقفهم وحماسهم يمثل اللقطة المحورية لهيثم حتي الآن، فيقول: "أهم لقطة بالفيلم إلي هذا الوقت هي التي كان يعمل فيها كل العمال والمهندسين في شهر رمضان ورفضوا الاستجابة للراحة أو التصوير علي حساب الشغل، تلك التي غيرت كثيرا من المفاهيم لدي وأشعرتني بالمكان الذي أقف فيه".
أما مصطفي يونس، المصمم، فهو فنان تشكيلي وتخرج من كلية التربية الفنية قبل التحاقه بالمعهد، شارك في صالون الشباب دورتين، ومعارض جماعية صغيرة في أتيليه القاهرة ومسرح الجمهورية، ثم بدأ في السنوات الأخيرة التركيز في مجال الدعاية والإعلان، وكانت أول تجربة له هي بوستر وشعار وكتالوج مهرجان سينما الغد الذي أقيم في مهرجان القاهرة السينمائي العام الماضي، وهذا العام سيكررونها مرة أخري، وربما ذلك ما خدمه عند رسمه للغلاف، ويوضح تفاصيل عمله قائلا: "الموضوع بدأ عندما حدثني هيثم عن فكرة المشروع، وكان مخططا أن أذهب معهم لموقع المشروع لرسم بعض المناظر هناك، ولكن الظروف حالت دون ذلك، بعد عودتهم ومشاهدتنا للمادة المصورة بدأنا في عمل البوستر الأول، وركزت في تصميمه أن يرسخ للموضوع ويظهر قيمته وعظمته، فجاءت معظم تفاصيله في شكل هرمي، بعد ذلك أردنا عمل واحد آخر تعبيري أكثر ويعبر عن المفهوم الذي نقصده، وهو حياة العامل الذي حفر القناة، فلجأنا إلي عمل الأيادي التي تحفر الأرض وأبرزنا العروق، وبدلا من أن يكون بها دم جعلناها زرقاء كمياه القناة، فهي روحهم وتجري في عروقهم لذا يحفرونها بجد".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.