حرب أكتوبر كانت وستظل إنجازا هائلا علي مستوي التاريخ المصري والعربي. وأيضا التاريخ العسكري العالمي. لم تكن حرب أكتوبر حربا عادية علي الإطلاق خاصة بعد ظروف هزيمة حرب 67 القاسية زلزلت كيان الإنسان المصري لنتائجها الكارثية التي نعاني منها حتي الآن. أن احتلال إسرائيل لسيناء كان يعني عسكريا قربها من قلب مصر. حيث المسافة 120 كيلو فقط من القناة إلي القاهرة. كذلك وجود مانع مائي صناعي من أكبر وأعرض الموانع المائية في العالم يعتبر أول خط دفاع صعب اجتيازه والأخطر التفوق العسكري الإسرائيلي. لقد وضعت كل هذه الخطط منذ نهاية حرب 67 وتطورت مراحلها إلي ما قبل الحرب بشهور الاعتراف بهذه المستحيلات عمليا وواقعيا. نجح الجيش المصري في تحدي هذه المستحيلات. إن العدو يراقب كل شئ بجميع مستويات المراقبة والاستطلاع. من إستطلاع مباشر من الجانب الآخر ثم إستطلاع جوي بطائرات الاستطلاع المجهزة بأحدث أجهزة الرؤية الليلية والإليكترونية.. وفوق ذلك شبكات التنصت الهائلة. والأقمار الصناعية. كيف يتم خداع هذا كله عند حشد القوات استعدادا للعبور كيف سيتم إخفاء أجزاء الكباري »البراطيم» تم تحميلها علي سيارات نقل ضخمة وإنزالها علي شاطئ القناة. العالم كله يسمع ويري ويتنصت ماذا جري في هذا اليوم الذي أعتقد أن علي كل المعاهد العسكرية في العالم أن تحتفل به. ماذا جري للعدو وهو يري هذه الحشود وفي نفس الوقت بعض الجنود ينزلون للسباحة في القناة ويلعبون الكره في المواقع الأمامية. نحن لا نمجد أشخاصا مهما كانوا ولكن يجب ألا نخطئ في حق الله سبحانه وتعالي. كان السادات رئيس الجمهورية وأيضا القائد الأعلي للقوات هو اللاعب الخطير الذي قام بدور لم يحدث من قبل علي الإطلاق. أن كل أعمال الخداع والتمويه تنفذها وحدات ووسائل متعددة لتحقيقها. ولكن أن نجد أعلي سلطة في الدولة هو نفسه يحقق مفاجأة إستراتيجية الأولي من نوعها. لقد بدأ السادات بعد أن استقر الأمر والسيطرة علي الدولة من مراكز القوي التي كانت تدين للإتحاد السوفيتي. وضع السادات لنفسه الدور الخطير منذ تولي السلطة كاملا. بدأ يرسل إشارات بعيدة المدي. فأعلن رغبته في تمديد مبادرة وقف إطلاق النار للمرة الثانية التي كان قد وافق عليها عبد الناصر قبل وفاته. ثم أطلق بعد ذلك مبادرته للسلام برؤية مصرية فانفجرت مظاهرات الطلبة تطالب بالحرب وتتهمه بالضعف أمام إسرائيل. بدأ السادات يستغل هذه المظاهرات المعارضة له لكي يبدأ في خداع العالم. ولكن السادات فاجأ العالم بقرار لا مثيل له في ذلك الوقت وهو طرد الخبراء السوفييت نهائيا من مصر فاقتنع العالم بأن السادات لن يحارب لأنه طرد الخبراء الذين يدربون ويعملون كمستشارين في الجيش المصري. ومن هنا بدأ يزور زعماء العالم ومد جسور المودة وكان في لقاءاته يرسل رسائل مباشرة بأن هدفه هو تحقيق السلام بأي صورة لأن مصر ظروفها لا تسمح بحرب جديدة. وفي زيارات خارجية تالية استغل ظروف المظاهرات ضده واستطاع أن يرسل رسائل مضلله للعالم بأن موقفه السياسي حرج، وأنه يسعي لحل سياسي. وفي لقاءاته مع صديقه مستشار النمسا »كرايسكي» كان يظهر له الضعف وأن مصر علي وشك الانهيار وأن الجيش غاضب لأنه يريد حربا عاجلة.. لهذا حكم العالم عليه بالضعف وقلة الحيلة وأن أيامه معدودة في الحكم. وإن مصر في حالتها الراهنة لن تحارب أبدا.. بل وصل الأمر إلي أن طلب السادات من بعض رؤساء الدول أن يرعوا أسرته إذا حدث له مكروه. فقد قام بتمثيل دور الضعيف الذي لا حول له ولا قوة وحياته الشخصية مهددة لأنه يرفض الحرب ويريد السلام. وبلع العالم كله الطعم كاملا ونام كل زعماء العالم وأجهزة المخابرات في العسل نوما لذيذا. ثم استيقظوا فجأة علي زلزال هز العالم والتاريخ وهو عبور الجيش المصري لقناة السويس وسقوط التاريخي المذل لخط بارليف. تحية إلي السادات وإلي جنود وضباط مصر شهداء أو علي قيد الحياة.