ثالث الثانوية الأزهرية بالأدبي: القرآن ربيع قلبي.. وقدوتي شيخ الأزهر    الجيش الإسرائيلي يقتحم سفينة "حنظلة" أثناء توجهها إلى غزة    تنقلات الداخلية 2025.. اللواء عاطف عبدالعزيز يتولى مسئولية الأمن الوطني    إصابة 3 أشخاص في انهيار جزئي لعقار بالإسكندرية    15 يومًا فقط.. وضع حد أقصى لحسم شكاوى العملاء يعزز الخدمات المصرفية    موعد تنسيق المرحلة الأولى 2025.. هل يبدأ تسجيل الرغبات قبل يوم الثلاثاء المقبل؟ «التنسيق» يجيب    بدءًا من اليوم.. مسؤول إسرائيلي: وقف إطلاق النار بمراكز سكنية في غزة    مفوضية الاتحاد الإفريقي ترحب بإعلان فرنسا اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين    نشطاء «حنظلة» يرددون أغنية «بيلا تشاو» الإيطالية خلال اقتحام الاحتلال السفينة    عض أذنه وقطع جزءا منها.. سوري يهاجم إسرائيليًا في اليونان (تفاصيل)    مدير كولومبوس: كنت غاضبا من هاتريك وسام ضد بورتو.. والأهلي نادي عملاق    البنك الأهلي يعلن رحيل نجمه إلى الزمالك.. وحقيقة انتقال أسامة فيصل ل الأهلي    الجونة يضم المدافع صابر الشيمى لتدعيم صفوفه    احتفاء أوروبي ببطل إفريقيا.. بيراميدز يواصل تألقه في معسكر تركيا ويهزم قاسم باشا    مصدر من اتحاد الكرة يكشف ل في الجول موعد مواجهة بوركينا في تصفيات كأس العالم    تفاصيل اتفاق الزمالك والرياض السعودي بشأن أزمة تيدي أوكو (خاص)    حمدي فتحي يشارك في هزيمة الوكرة أمام أتلتيكو سبتة بمعسكر إسبانيا    إبراهيم صلاح: الزمالك يسير بشكل جيد في ملف الصفقات    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأحد 27 يوليو 2025    بطاقات الائتمان لا تجد طريقها إلى جيوب المصريين رغم قفزات القطاع المصرفي    أول بيان من النيابة العامة بشأن وفاة 6 أطفال ووالدهم في المنيا: اشتباه تسمم بمبيد حشري    بيان مهم بشأن حالة الطقس وموعد انكسار الموجة الحارة: انخفاض درجة الحرارة 4 مئوية    بدء تظلمات الثانوية العامة 2025 اليوم.. لينك مباشر والرسوم    استخراج 3 مصابين والبحث عن مسنة تحت أنقاض منزل بأسيوط المنهار| صور    التراث الشعبي بين التوثيق الشفهي والتخطيط المؤسسي.. تجارب من سوهاج والجيزة    ثقافة الأقصر تحتفل بذكرى ثورة يوليو ومكتسباتها بفعاليات فنية وتوعوية متنوعة    أطفال الشاطبي للفنون الشعبية يبدعون في مهرجان "صيف بلدنا" بمطروح    سيدة تسبح في مياه الصرف الصحي دون أن تدري: وثقت تجربتها «وسط الرغوة» حتى فاجأتها التعليقات (فيديو)    5 أبراج «يتسمون بالجشع»: مثابرون لا يرضون بالقليل ويحبون الشعور بمتعة الانتصار    تفاصيل بيان الإفتاء حول حرمة مخدر الحشيش شرعًا    عاجل- 45 حالة شلل رخو حاد في غزة خلال شهرين فقط    قطاع العقارات يتصدر تعاملات البورصة المصرية.. والخدمات المالية في المركز الثاني    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. إعلام عبرى يؤكد هدنة إنسانية فى غزة اعتبارا من صباح الأحد.. ترامب يلاحق أوباما بسيارة شرطة.. والرئيس الأمريكى يطلب من كمبوديا وتايلاند وقف إطلاق النار    "الجبهة الوطنية" تكرّم أوائل الشهادة الإعدادية في بنها دعمًا للتفوق والموهبة    طارق الشناوي: زياد الرحباني كان من أكثر الشخصيات الفنية إيمانًا بالحرية    حلمي النمنم: جماعة الإخوان استخدمت القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: كنا نناقش الأفلام من الطفولة    وزير خارجية الإمارات : الوضع الإنساني في غزة حرج وسنستأنف عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات فورا    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم سفينة حنظلة المتجهة إلى غزة ويأمر المتضامنين برفع أيديهم    تقديم 80.5 ألف خدمة طبية وعلاجية خلال حملة "100 يوم صحة" بالإسماعيلية    جامعة المنصورة تطلق القافلة الشاملة "جسور الخير 22" إلى شمال سيناء    محافظ الإسكندرية يفتتح ميدانين بمنطقة سيدي جابر    علاجات منزلية توقف إسهال الصيف    ميناء دمياط.. 39 عامًا من التطوير    برلماني: دعوات الإخوان للتظاهر خبيثة وتخدم أجندات إرهابية"    هل تجنب أذى الأقارب يعني قطيعة الأرحام؟.. أزهري يوضح    ماحكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    استنكار وقرار.. ردود قوية من الأزهر والإفتاء ضد تصريحات الداعية سعاد صالح عن الحشيش    تعرف على موعد الصمت الدعائي لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    غدا آخر موعد للتقديم.. توافر 200 فرصة عمل في الأردن (تفاصيل)    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    سعر الحديد اليوم السبت 26-7-2025.. الطن ب 40 ألف جنيه    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    وزير الإسكان يتابع مشروع إنشاء القوس الغربي لمحور اللواء عمر سليمان بالإسكندرية    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    95 جنيهًا لكيلو البلطي.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الأهوال‮!‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 01 - 10 - 2016

في قرية العتارسة التابعة لمركز البرلس بمحافظة كفر الشيخ تجمع ما لا‮ ‬يقل عن مائتي شاب دفع كل منهم خمسة آلاف دولار لنقله إلي البر الآخر للبحر،‮ ‬البر الآخر للحياة،‮ ‬حيث توجد فرصة للعيش،‮ ‬وربما للثراء‮. ‬ضم الجمع الذي وقف علي الشاطئ‮ ‬ينتظر دوره في الصعود إلي المركب شبابا من مختلف الدول العربية،‮ ‬فإلي جانب المصريين الذين كانوا الأغلبية،‮ ‬كان هناك سوريون وليبيون وعراقيون ويمنيون وسودانيون وصومالي وشابان من اريتريا‮. ‬ياله من جمع عربي مهيب‮! ‬أهذا ما آلت إليه الوحدة العربية؟ ألم‮ ‬يعد هناك ما‮ ‬يوحد العرب‮ ‬غير رغبتهم في الهجرة من أوطانهم؟
كانت والدتي قد باعت أساورها الذهبية التي أدخرتها‮ »‬‬لخرجتها‮» ‬كما كانت تقول،‮ ‬حتي لا نعجز حين توافيها المنية عن شراء كفنها ودفع بقية نفقات الجنازة‮. ‬واقترض لي أحمد إبن عمي‮ ‬بقية المبلغ‮ ‬من أصدقائه علي أن‮ ‬يرده لهم بالتقسيط من دخله الشهري بالفرن الذي‮ ‬يعمل به‮. ‬لكن كيف تمكن بقية الشباب من تدبير هذا المبلغ؟ إن بعضهم‮ ‬يبدو في حالة مزرية حقا‮. ‬والبعض الآخر جاء من خارج البلاد‮. ‬لابد أنهم تحملوا نفقات إضافية للسفر‮. ‬كيف تمكنوا من تدبيرها؟
كان الوقت ليلا وكانوا جميعا نياما علي رمال الشاطئ‮ ‬ينتظرون أن‮ ‬يؤذن لهم بالصعود إلي المركب الذي وقف بعيدا عن الشاطئ حتي إذا ما داهمته السلطات إدعي أنه مركب صيد وأنكر أي علاقة له بنا‮. ‬بدا المركب من بعيد أصغر مما كنت أتوقع‮. ‬كيف‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتسع لكل هؤلاء الشباب؟ أدركت أن اليقظه مهمة،‮ ‬حتي إذا ما نودي علينا كنت في مقدمة من‮ ‬يجدون لهم مكانا علي المركب‮.‬
لم‮ ‬يغفل لي جفن في تلك الليلة التي ظل القمر‮ ‬يشاغلنا فيها،‮ ‬فتارة‮ ‬ينظر إلينا بضوئه المنيّر وكأنه‮ ‬يحصي عددنا،‮ ‬وتارة أخري تحجبه السحب ويعم الظلام‮. ‬بعد منتصف الليل بقليل نادي علينا أحد الرجال من فوق قارب مطاطي برتقالي اللون،‮ ‬فتدافع الجميع داخل الماء‮ ‬يتسابقون لركوب القارب الذي سيوصلنا إلي المركب،‮ ‬تاركين وراءهم علي الشاطئ ما كان معهم من متاع والذي لم‮ ‬يكن كثيرا علي أية حال‮. ‬مجرد لفافة تحمل‮ ‬غيارا أو بعض الطعام‮. ‬كان سباقا من أجل البقاء،‮ ‬أداته ساقان تحت الماء تتلاحقان لقطع المسافة إلي القارب،‮ ‬وذراعان فوق الماء تجدفان لإزاحة الآخرين عن الطريق‮.‬
فوق القارب وقف رجل قوي البنية،‮ ‬يحمل في‮ ‬يده عود خيزران،‮ ‬بمجرد أن امتلأ القارب أخذ‮ ‬يضرب به كل من‮ ‬يحاول الصعود وهو‮ ‬يقسم‮ ‬يصيح‮: «حارجع تاني‮ ‬يا ولاد الكلب‮!»‬ ‬ثم أدار موتور القارب وانطلق بالدفعة الأولي من الشباب‮ ‬إلي المركب‮.‬
قبل أن‮ ‬يعود إلينا القارب من جديد كنا قد مضينا نسبح في الماء لنلقاه في منتصف الطريق خشية ألا‮ ‬يكون لنا مكان هذه المرة أيضا‮. ‬لكن بعد بضعة أمتار بدأت الأرض تميد تحت أقدامنا إلي أن اختفت،‮ ‬فأكمل المسافة إلي القارب من‮ ‬يجيدون السباحة،‮ ‬وتخلف من لا‮ ‬يجيدونها‮. ‬وقد علمنا بعد أن صعدنا في النهاية إلي المركب أن الشاب الصومالي‮ ‬غرق قبل أن‮ ‬يصل إلي القارب ولم‮ ‬ينتبه له أحد‮. ‬
كانت تلك هي التصفية الأولي في هذا السباق الذي بدأت أتساءل إن كان تسابقا نحو الحياة أو الموت،‮ ‬تخلف فيها ما لا‮ ‬يقل عن ثلاثين أو أربعين شابا دفعوا ما دفعناه لكن لم‮ ‬يصبهم الدور هذه المرة،‮ ‬فظلوا علي الشاطئ‮ ‬يصيحون ويتوعدون،‮ ‬لكن سرعان ما تواري صياحهم‮ ‬خلف هدير الأمواج المتلاطمة علي جانبي المركب وهو‮ ‬يشق طريقه بنا وسط البحر‮. ‬أما التصفية الثانية فكانت في عرض البحر حيث الأكل شحيح،‮ ‬والماء‮ ‬غير كاف،‮ ‬والتكدس‮ ‬يؤدي إلي التنافر والعدوانية،‮ ‬بل والقتل‮. ‬
‮ ‬وسط برودة الساعات الأخيرة من الليل جلست ارتجف علي هذا المركب الذي لا‮ ‬يوجد به إلا قمرة واحدة‮ ‬ينام بها قائد المركب الريس عباس‮. ‬كان الشاطئ قد اختفي تماماً‮ ‬ولم أعد أري حول المركب إلا الظلمات وأطراف الأمواج تلتمع بيضاء في ضوء القمر ثم تختفي كأن لم تكن‮. ‬تغوص في الأعماق الساحقة لهذا البحر الأسود كالليل‮. ‬رفعت رأسي إلي السماء فشاهدت القمر وقد خبت أشعته الفضية وبدا لونه رماديا باهتا أمام أشعة الفجر الوردية التي بدأت تشق الظلام في الأفق البعيد،‮ ‬ثم ما لبث أن تواري من جديد خلف السحب‮. ‬
فجأة تقيأ شاب أصيب بدوار البحر،‮ ‬فانتفض زميله الجالس إلي جواره وأخذ‮ ‬ينهره بعد أن‮ ‬اتسخت ملابسه،‮ ‬فنشأت بينهما معركة بالأيدي سرعان ما قام أحد المصريين بفضها طالبا من الشباب الصبر وتحمل بعضهم البعض في هذه الرحلة التي كانت ماتزال في بدايتها‮. ‬
‮ ‬اقترب مني شاب‮ ‬يحييني ويسأل إن كان من الممكن أن‮ ‬يجلس إلي جواري‮. ‬أدركت أنه لابد‮ ‬يشعر بالوحدة ويبحث عن صحبة في هذه الرحلة الموحشة‮. ‬كان شابا نحيلا جميل الوجه‮. ‬أثيري الهيئة‮. ‬قال إنه سوري وإن اسمه فادي‮. ‬بدا كأنه‮ ‬يعرفني فكلما قلت له شيئا عن نفسي كان‮ ‬يطأطئ برأسه أو‮ ‬يكمل ما أقوله،‮ ‬وبعد قرابة الساعة كان كل منا‮ ‬يعرف كل شئ عن الآخر،‮ ‬وكأننا نعرف بَعضُنَا لبعض منذ سنين‮. ‬ثم حين بدأت شمس الصباح تطل برأسها من بعيد تركني فادي واختفي‮.‬
كانت البطون قد بدأت‮ ‬تئن من الجوع،‮ ‬وشعر البعض بنداء الطبيعة‮ ‬يلح عليهم لقضاء حاجتهم‮. ‬هنا ظهر الريس عباس لأول مرة‮ . ‬كان رجلا بدينا‮ ‬يرتدي جِلْبابا أبيض اتسخت أطرافه رغم أنني لم أشاهده طوال أيام الرحلة‮ ‬يقوم بأي عمل علي المركب‮. ‬كان وجهه فظ التقاسيم وصوته أجش‮. ‬وقف في مقدمة المركب وكأنه علي منصة رفعته فرق الجميع،‮ ‬وأحاط به خمسة من الفتوات تعرفت من بينهم علي صاحب الخيزرانة الذي نقلنا في القارب المطاطي‮. ‬كان مشهد الرجال الخمسة مخيفا وقد انتفخت عضلاتهم منذرة كل من‮ ‬يخرج علي القواعد أو‮ ‬يخالف النظام‮. ‬أما ذلك النظام فكان ما أعلنه الريس عباس من فوق منصته‮: "‬مافيش أكل علي المركب‮ ‬غير عيش وبس‮. ‬ماعندناش‮ ‬غموس‮. ‬والمية‮ ‬يدوبك علي قد الرحلة‮. ‬مافيش زيادة‮. ‬ده مش فندق‮. ‬احنا مش جايين هنا نضيفكم‮. ‬إللي عايز‮ ‬يغسل وشه ولا هدومه في البحر،‮ ‬واللي عايز‮ ‬يعمل زي الناس برضه في البحر‮. ‬مش عايز وساخة علي المركب‮. ‬إللي حايمشي مظبوط حايكمل معانا،‮ ‬وإللي حايعمل‮ ‬غير كدة مش حايكمل‮.. ‬حانقلبه في البحر‮". ‬
هبطت كلمات قائد المركب علينا جميعا كالصاعقة‮. ‬أصابنا الوجوم في هذا الصباح الأول للرحلة،‮ ‬فلم‮ ‬ينطق أحد بكلمة‮. ‬بمجرد نزول الريس عباس من علي مقدمة المركب بدأت فتواته في توزيع الطعام‮. ‬رغيف خبز واحد لكل راكب هو زاده طوال اليوم‮. ‬يأكله كله في الصباح أو‮ ‬يقسمه علي ثلاث وجبات‮. ‬لكن مع الوقت تعود الجميع علي أكل الرغيف كله بمجرد استلامه،‮ ‬بعد أن وجدوا أن أكل جزء منه في الصباح وادخار الباقي لبقية اليوم كان‮ ‬يدفع البعض لسرقته أو الاستيلاء عليه بالقوة‮. ‬أما الماء فكان في البداية ملء كوز واحد في اليوم،‮ ‬لكن ذلك لم‮ ‬يكن كافيا في نهاية الرحلة فنصحنا البعض بألا نبول في البحر وإنما نشربه حتي لا نصاب بالجفاف الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يؤدي لموت محقق‮. ‬
لم تكن تلك كل الأهوال التي ادخرها لنا القدر في هذه الرحلة‮. ‬فقد نشبت عند الغروب معركة ضارية بين اثنين من الإريتريين،‮ ‬كان أحدهما من قبيلة البجة والثاني من الأسورتا‮. ‬وقد حاول البعض تهدئتهم قبل أن‮ ‬يصل الأمر إلي
مسامع الريس عباس ورجاله،‮ ‬لكن أحد المتعاركين أخرج فجأة مطواة من ملابسه وطعن بها الآخر‮. ‬وحين وصل رجال الريس عباس كان الشاب المطعون قد فارق الحياة‮. ‬أمسك الفتوات القاتل فحاول استخدام المطواة للدفاع عن نفسه،‮ ‬لكنهم أوسعوه ضربا إلي أن حضر الريس عباس فأمر بإلقاء الجثة في البحر علي الفور،‮ ‬وتقييد القاتل وحبسه في قاع المركب‮. ‬وما إن ألقيت الجثة الدامية في الماء حتي اتسعت بقع الدماء في البحر فأحالت لونه الأزرق الداكن أحمر قانيا،‮ ‬وبدأت أسماك القرش التي أحاطت فجأة بالمركب تتعارك فيما بينها علي تلك الغنيمة المفاجئة،‮ ‬وأخذ بعضهم‮ ‬يضرب بذيله بدن المركب أثناء تلك المعركة الوحشية التي احتبست لها الأنفاس‮. ‬
ظل طائر الموت‮ ‬يحوم فوق المركب بجناحيه السوداوين طوال فترة افتراس جسد زميلنا الإريتري،‮ ‬فخيّمت علي المركب حالة من الرعب والكآبة أخرست الجميع فلم‮ ‬يتكلم أحد إلي أن أنزل الليل أستاره السوداء وحل الظلام‮. ‬عندئذ وجدت فادي‮ ‬يقبل علي وهو‮ ‬يرتجف وعلي وجهه علامات حزن دفين‮. ‬جلس إلي جواري دون أن‮ ‬يتكلم فأحطته بذراعي‮. ‬شعرت أنني أحتضن نفسي كي أهدئ من روعي‮. ‬أردت أن أبكي فوجدته‮ ‬يلقي برأسه في صدري ويبكي معي‮. ‬امتدت ساعات الليل وهو إلي جواري وذراعي حوله إلي أن نمنا حيث نحن‮. ‬لكني في اليوم التالي صحوت فلم أجده‮. ‬
بدأ توزيع الخبز عند الظهر تقريبا‮. ‬فسادت المركب حالة من الهرج والمرج اعتدي فيها رجال الريس عباس علي بعض الركاب ومنعوا عنهم الطعام‮. ‬أكلت رغيفي علي الفور‮. ‬كان جافا كالحجر،‮ ‬لكني لم أكن قد ذقت الطعام طوال ال‮48 ‬ساعة الأخيرة‮. ‬ولم أتحصل علي كوز الماء الخاص بي إلا بعد ذلك بساعتين،‮ ‬ثم جلست مع بعض المصريين نتبادل الحديث‮. ‬كان اثنان منهم من شبرا وخمسة آخرون من المحافظات‮. ‬قالوا ليإأنهم لا‮ ‬يعرفون بقية المصريين الموجودين علي المركب،‮ ‬وإنهم سمعوا أن أحدهم من الجيزة مثلي‮. ‬كانت أشعة الشمس حارقة،‮ ‬ولم‮ ‬يكن هناك من وسيلة للاحتماء من لهيبها‮. ‬خلع كل منهم قميصه ووضعه فوق رأسه،‮ ‬مفضلين أن‮ ‬يعرضوا أجسامهم العارية للفحة الشمس عن أن تصاب رؤوسهم بضربة شمس‮. ‬خلعت سترتي ووضعتها فوق رأسي مثلهم وظننت أن بقاء القميص علي جسمي سيحميه من لسعة الشمس‮. ‬لكني بعد الغروب وأنا أتأهب للنوم خلعت قميصي فوجدت جلدي قد احترق ولم أتمكن من النوم علي ظهري‮. ‬
لم أكن قد رأيت فادي طوال اليوم،‮ ‬لكن بينما كان النعاس‮ ‬يداعبني،‮ ‬وحركة المركب فوق الأمواج تهدهدني،‮ ‬أقبل علي‮ ‬يقول إنه جاء‮ ‬يبيت إلي جواري كما في الليلة السابقة‮. ‬وظل‮ ‬يفعل‮ ‬نفس الشيء في الليالي التالية،‮ ‬فلم أكن أراه إلا في الليل حين تغرب الشمس ويظهر القمر في السماء‮. ‬كان‮ ‬يقول لي إن وجوده إلي جواري‮ ‬يطمئنه،‮ ‬لكن الحقيقة أن وجوده إلي جواري كان‮ ‬يطمئنني‮. ‬في إحدي الليالي،‮ ‬وكانت الرحلة قد قاربت علي الانتهاء،‮ ‬انتظرت فادي كالعادة لكنه لم‮ ‬يأتِ‮. ‬قلقت ولم أستطع النوم‮. ‬قبل منتصف الليل بقليل ظهر أمامي فجأة‮. ‬كان مبتسما‮. ‬قلت له‮: «أين كنت؟‮»‬ ‬لم‮ ‬يرد‮. ‬قال فقط‮: «هذا لك‮»‬. ‬كان بيده كيس بلاستيك شفاف وضعه بين‮ ‬يدي قلت‮: «ما هو؟‮»‬ ‬قال‮: «احفظه في جيبك‮»‬. ‬بدا لي في ضوء القمر ما بداخله‮. ‬قلت‮: «هذه أوراقك‮ ‬يا فادي‮. ‬يجب أن تظل معك‮»‬. ‬قال‮:«أنا وأنت واحد‮»‬. ‬أخرجت الأوراق من الكيس أتفحصها‮. ‬إنها شهادة ميلادك وبطاقة هويتك السورية و‮... ‬قاطعني‮: » ‬هويتي السورية عربية مثل هويتك‮»‬. ‬قلت‮:» ‬نعم كلنا أخوة،‮ ‬لكنك قد تحتاج لابراز هذه الأوراق في أي لحظة‮»‬. ‬قلت وأنا أنظر إلي شهادة الميلاد‮: «لقد ولدت في نفس‮ ‬يوم ميلادي‮»‬.‬ابتسم ثم قال‮: «أريدك أن تبقيها معك‮»‬. ‬أدركت أنه‮ ‬يريدني أن أحفظها له خلال الرحلة‮. ‬طويت الأوراق وأعدتها إلي الكيس ثم قمت بوضعه في الجيب الداخلي لسترتي‮. ‬أدار ظهره ومضي‮. ‬خفت ضوء القمر فاختفي‮.‬
لم أر فادي بعد ذلك‮. ‬ذهبت أبحث عنه بين زملائه السوريين فلم أجده‮. ‬سألتهم عنه فلم‮ ‬يبد عليهم أنهم‮ ‬يعرفونه‮. ‬قالوا لي إنه لا‮ ‬يوجد علي المركب إلا ثلاثة سوريين فقط‮. ‬تبين لي أنهم من أسرة واحدة من حلب‮. ‬أكدوا لي أنه لا‮ ‬يوجد بينهم أحد اسمه فادي‮. ‬سألوني‮:«لماذا تريده؟‮»‬. ‬أردت أن أوضح لهم أن أوراقه معي،‮ ‬لكني قلت طالما إنه استأمنني عليها دون‮ ‬غيري،‮ ‬فلأحتفظ بها معي حتي أسلمها له في‮ ‬يده،‮ ‬فلابد سألقاه علي هذا المركب الذي نقبع فيه جميعا كالسجناء الذين لا مهرب لهم‮.‬
مضت الأيام طويلة لا نري فيها أثناء ساعات النهار الحارقة إلا أمواج البحر المتلاطمة التي كانت تحيط بالمركب من كل جانب،‮ ‬ولا نسمع فيها خلال برد الليل القارص إلا زمهرير الرياح العاصفة التي كانت تقذف بالمركب‮ ‬يميناً‮ ‬ويسارا كما‮ ‬يلهو الأطفال بالكرة‮. ‬
لم أكن قد نمت ساعة أو أكثر قليلا حين شعرت أن أحدا‮ ‬يسكب الماء علي وجهي‮. ‬قمت من نومي وسط الليل مفزوعا فإذا بنا في قلب عاصفة هوجاء ارتفعت فيها الأمواج عالية تغمرنا داخل المركب ونحن نيام‮. ‬عمت الجميع حالة من الفزع وأصيب شاب من طنطا بهياج عصبي‮. ‬لم‮ ‬يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره‮. ‬ظل‮ ‬يصرخ وأراد أن‮ ‬يلقي بنفسه من فوق المركب،‮ ‬لكن شقيقه الأكبر أطبق عليه بذراعيه وسحبه إلي الوراء‮. ‬استمرت العاصفة ما‮ ‬يزيد علي الساعة،‮ ‬وما إن هدأت حتي صدرت إلينا الأوامر بأن ننزح الماء الذي تجمع في قاع المركب‮. ‬قام رجال الريس عباس بتسليمنا الدلاء وبعض الأوان وظلوا‮ ‬يباشرون سير العمل إلي أن أكملنا المهمة‮. ‬
حاولت في الفترة القليلة الباقية من الليل أن أحصل علي قدر من الراحة دون جدوي‮. ‬في الساعات الأولي من الصباح كدت أغفو حين أيقظني اثنان من الأخوة المصريين‮ ‬يسألونني إن كان معي مخفض للحرارة حيث إن أحدهم واسمه الحسيني أصيب بحمي،‮ ‬وبعد عاصفة الأمس والبلل الذي أصابه في مرقده،‮ ‬ارتفعت درجة حرارته بشكل كبير‮. ‬قلت لهم إنني لا أحمل معي أية أدوية،‮ ‬وذهبت معهم إلي حيث كان‮ ‬يرقد الحسيني فوجدته‮ ‬يهذي من شدة الحمي‮. ‬تعرفت عليه علي الفور‮. ‬كان شابا‮ ‬مرحا،‮ ‬أذكر أن الشباب العرب تحلقوا حوله علي الشاطئ وهو‮ ‬يلقي عليهم النكات المصرية وهم‮ ‬يضحكون‮.‬
وضعت‮ ‬يدي علي جبين الحسيني فوجدته مشتعلا كالنار‮. ‬اقترحت عليهم أن نذهب إلي قمرة قائد المركب عسانا نجد عنده ما نسعف بي زميلنا المريض‮. ‬لكني فوجئت بالريس عباس‮ ‬يثور وينهرهم أن أحضروا معهم مريضا علي المركب،‮ ‬وقال إنه لابد مصاب بالحمي الصفراء التي لا شفاء منها،‮ ‬وأن عليهم أن‮ ‬يعلموا أن هذه المركب ليست بمستشفي ولا مستوصفا‮.‬
ظل الحسيني‮ ‬يهذي ويتأوه طوال اليوم والليل من شدة الحمي،‮ ‬ونحن جلوس حوله نبلل قطعا من ملابسنا بماء البحر البارد ونتناوب وضعها علي جبينه الساخن فتجف في لحظات،‮ ‬وفي الساعات الأولي من اليوم التالي أسلم الحسيني الروح‮.‬
بمجرد أن ذاع الخبر في المركب ظهر الريس عباس ومعه فتواته الذين هموا بلف الجثمان في ملاءة بيضاء تمهيدا لإلقائه في البحر‮. ‬انفعل زملاء الحسيني وطلبوا الانتظار حتي تصل بنا المركب إلي الشاطئ فيتم دفن زميلهم دفنة كريمة‮. ‬تضامن معهم راكب ليبي وآخر‮ ‬يمني واثنان من السودانيين،‮ ‬قلت للريس عباس إن هذا هو اليوم الأخير في البحر،‮ ‬وإننا في اليوم التالي نكون قد وصلنا للشاطئ‮. ‬لكنه‮ ‬
صاح فينا جميعا قائلا‮: ‬إننا لن ندير أمور المركب علي هوانا،‮ ‬وإننا جهلاء لا نعرف ما‮ ‬يجب عمله في هذه الحالات،‮ ‬وكادت تنشب بيننا وبين فتوات الريس عباس معركة جديدة لو وقعت لكانت وخيمة العواقب،‮ ‬لكن أحد العراقيين تدخل مهدئا،‮ ‬وقال لنا إنه عمل من قبل علي سفينة تجارية تركية،‮ ‬وإن إلقاء الجثمان في البحر هو الدفنة الكريمة لمن‮ ‬يتوفاهم الله في عرض البحر،‮ ‬وأكد أنه من الخطأ ترك الجثمان علي المركب،‮ ‬خاصة أنه كان مريضا‮. ‬
أمنا العراقي فصلينا علي الحسيني صلاة الجنازة،‮ ‬قبل أن نودعه إلي مثواه الأخير‮. ‬لم‮ ‬يكن هناك أسماك مفترسة هذه المرة،‮ ‬ولم تكن هناك معركة دامية‮. ‬انزلق الجثمان في كفنه الأبيض إلي قاع البحر في جلال وسط حزن مبين خيم علي المركب ومن فيها‮. ‬وذرف الأخوة العرب الذين طربوا لنكاته الدمع في صمت‮.‬
بعد أن انفض الجمع وجدت نفسي وجها لوجه مع العراقي الذي بدا لي أكبر سنا من بقية الشباب‮. ‬كان اسمه منذر وكان‮ ‬يبدو ذا خبرة‮. ‬تحدثنا في أمور البحر التي كانت جديدة تماماً‮ ‬علي،‮ ‬ثم رويت له قصة فادي وسألته إن كان قد قابله فنفي‮. ‬قلت له إنني لا أعرف كيف أرد له أوراقه‮. ‬استمع‮ ‬إليّ‮ ‬دون مقاطعة ثم قال‮: «إذا كان علي المركب بالفعل فهو لن‮ ‬ينزل إلي الشاطئ دون أن‮ ‬يسترد أوراقه‮. ‬الإنسان في مثل هذه الرحلة لا وجود له بدون أوراق‮. ‬الأوراق هي التي تثبت إن كان مهاجرا‮ ‬يبحث عن عمل،‮ ‬أو مجرما هاربا من العدالة،‮ ‬وعلي ضوئها‮ ‬يحصل علي إقامة أو‮ ‬يساق إلي السجن‮»‬. ‬قلت‮: «لكن ها نحن في اليوم الأخير من الرحلة وهو لم‮ ‬يأتِ‮ ‬بعد ليستردها‮»‬. ‬صمت منذر قليلا ثم قال وهو‮ ‬ينظر إلي البحر‮: «الرحلات البحرية تشهد الكثير من الغرائب‮»‬. ‬قلت‮: ‬ماذا تقصد؟قال‮: «ما أدراك أن فادي كان علي المركب أصلا؟‮»‬ ‬قلت‮: » ‬إن أوراقه معي‮. ‬أتريد أن تراها؟‮»‬ ‬قال‮:» ‬هذا لا‮ ‬يعني أنه كان علي المركب‮»‬. ‬سكت قليلا وهو‮ ‬يتابع حيرتي،‮ ‬ثم قال‮: «وربما‮ ‬يكون قد جاء فقط ليعطيك الأوراق‮»‬. ‬قلت‮: » ‬وما لي أنا بأوراقه؟ ظل‮ ‬ينظر للبحر ولم‮ ‬يرد‮»‬. ‬
حين وصلنا إلي جزيرة لمبدوزا الواقعة في أقصي الجنوب الإيطالي كان الشاطئ مليئا بالصخور والحجارة‮. ‬ألقت بنا المركب في عرض البحر دون أن تقترب من الشاطئ،‮ ‬وكأنها تتقيء وجبة فاسدة كانت تمغص بأحشائها‮. ‬وكما سبحنا في بداية الرحلة من الشاطئ إلي القارب الذي نقلنا للمركب،‮ ‬كان علينا اليوم أن نسبح من المركب إلي الشاطئ،‮ ‬لكن بدون قارب‮. ‬قطعنا المسافة ما بين المركب والشاطئ فيما بين نصف الساعة أو ثلاثة أرباعها قبل أن تطأ أقدامنا تلك الصخور الطاردة للغرباء‮. ‬وما إن تجمعنا علي الشاطئ حتي نسينا جميعا عذاب الرحلة وأهوالها وأخذنا نحتضن بَعضُنَا البعض مهنئين بسلامة الوصول‮. ‬لكن خلال دقائق معدودة كانت قوات خفر السواحل الإيطالية قد أحاطت بنا من كل جانب وكأنها كانت تعرف مسبقا موعد وصولنا‮. 142 ‬شابا عربيا من مختلف الأقطار تم اقتيادهم إلي مركز تجمع المهاجرين المقام بالجزيرة‮. ‬مكثنا به عدة ساعات في حالة من الاحباط الذي نزل علينا جميعا كشبكة الصيد المنيعة‮. ‬لم‮ ‬يعد هناك مصري ولا سوري‮. ‬لم‮ ‬يعد هناك صومالي ولا سوداني‮. ‬لم‮ ‬يعد هناك ليبي ولا عراقي‮. ‬كنا جميعا في محنة واحدة نواجه معا خطر السجن أو شبح الترحيل‮. ‬
ياللكارثة‮! ‬بدأ الجميع‮ ‬يندبون المصير الذي‮ ‬ينتظرهم،‮ ‬وصرخ أحد المصريين في انفعال وأخذ‮ ‬يضرب بيديه علي الحائط أن أخرجونا من هنا‮. ‬لسنا مجرمين ولا قتلي‮! ‬وقال آخر‮:«أكان كل هذا العذاب والاستدانة من أجل العودة من حيث جئنا؟‮»‬‬،‮ ‬بينما انهار أحد السودانيين وأخذ‮ ‬يولول ويلطم وجهه‮. ‬
فجأة دخل علينا رجل بدين قصير البنية‮ ‬يرتدي قبعة ومعه مترجم‮ ‬ينقل إلينا بلغة عربية ذات لكنة مغاربية ما‮ ‬يقوله الرجل من خلال ميكروفون‮ ‬يدوي حمله معه‮. ‬عند دخولهما ساد السكون وأخذ الجميع‮ ‬ينصتون لما‮ ‬يقال‮. ‬أوضح الرجل أن علي كل شاب أن‮ ‬يخرج أوراقه حتي‮ ‬يتم حصر رعايا كل بلد علي حدة‮. ‬ثم قال‮: «دعوني أنبهكم من البداية إن طلب اللجوء إلي إيطاليا لا‮ ‬ينطبق إلا علي رعايا الدول التي بها حروب وقلاقل‮»‬. ‬وذكر الرجل أسماء هذه الدول،‮ ‬ولم تكن من بينها مصر‮. ‬ثم قال‮:«أما الباقون فسيتم بحث حالاتهم،‮ ‬كل حالة علي حدة‮. ‬المطلوبون للعدالة سيتم التعامل معهم وفق مقتضيات الأمن الدولية،‮ ‬وغير المطلوبين سيتم ترحيلهم علي الفور إلي بلادهم‮»‬.‬
أخذنا نمر أمام الرجل الواحد تلو الآخر ليفحص أوراق كل منا،‮ ‬بينما أخذ المترجم الذي كان معه‮ ‬يدون بياناتنا في كشوف كانت معه،‮ ‬ومن وراءه قوات الأمن تضع الأصفاد في‮ ‬يد البعض وتنقلهم إلي سيارات البوليس،‮ ‬وتنقل من تنطبق عليهم شروط طلب اللجوء إلي سيارات أخري،‮ ‬وتُبْقِي في المكان الغالبية التي سيتم ترحيلها بعد إخطار سفاراتها‮.‬
حين جاء دوري لتقديم أوراقي تلاحقت ضربات قلبي وغامت عيني‮. ‬مددت‮ ‬يدي إلي الجيب الداخلي لسترتي وأعطيت الأوراق للرجل الذي أخرج منها بطاقة الهوية وأخذ‮ ‬ينظر إلي وجهي وإلي الصورة الملصقة عليها التي كانت مياه البحر ونحن نسبح إلي الشاطئ قد محت معالمها،‮ ‬ثم قال للمترجم‮: «سوري‮»‬. ‬فدون المترجم ذلك في كشوفه‮. ‬ثم نظر الرجل إلي وقال‮: «اذهب إلي هناك مع من تنطبق عليهم شروط اللجوء‮»‬. ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.