مُسن يبلغ ال 90 عاماً يُدلي بصوته في ثاني أيام انتخابات النواب 2025    المرأة تقود دفة المشهد الانتخابي بدائرتي الخارجة والداخلة    «العمل» تستجيب لاستغاثة فتاة من ذوي همم وتوفر لها وظيفة    المواد الغذائية: قرار منع استيراد السكر المكرر خطوة إيجابية لدعم الصناعة    «الزراعة»: تحليل أكثر من 18 ألف عينة غذائية خلال أكتوبر الماضي    الفريق أسامة ربيع: 40 مليار دولار إيرادات قناة السويس خلال 5 سنوات رغم الأزمات العالمية    رئيس مياه القناة يتفقد انتظام سير العمل بالمحطات وشبكات صرف الأمطار    روسيا تقصف مطار ستاروكونستانتينوف رداً على محاولة خطف طائرة ميج 31    روبيو: تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر    وزير الخارجية: نأمل التوصل لصياغات توافقية دون المساس بالثوابت الفلسطينية    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    حقيقة عودة عبدالمنعم للأهلي ومفاوضات ضم مصطفى محمد    موقف أحمد عبد الرؤوف من الاستمرار مع الزمالك    ستاد القاهرة يستضيف ودية منتخب مصر الثاني أمام الجزائر    «أنا مش العقلية دي».. ياسر إبراهيم يرفض الاعتراض على قرار حسام حسن    تكليف مهم من وزير العمل بشأن مصابي حادث انهيار سقف مصنع بالمحلة    حالة الطقس في الكويت اليوم الثلاثاء    إصابة 16 في حادث إنقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي بالفيوم    قرار قضائي ضد نجل عبد المنعم أبو الفتوح في اتهامه ب«نشر أخبار كاذبة» (تفاصيل)    إغلاق مستشفى بمدينة نصر لمخالفة اشتراطات الترخيص    مشاجرة الملهى الليلي.. النيابة تحيل عصام صاصا و15 آخرين لمحكمة الجنح    إغماء شيماء سعيد زوجة إسماعيل الليثي في جنازته ب إمبامبة    جائزة أفضل فيلم روائي طويل لفيلم ملكة القطن بمهرجان سالونيك السينمائي    القومي لثقافة الطفل يعلن عن البوستر الرسمي لملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية السابع    «العشم واخدهم».. 5 أبراج تتعلق بسرعة وتصاب بخيبة أمل بسهولة    رحلات تعليمية وسياحية لطلاب المدارس بالشرقية    عطور الماضي تلتقي بالفنون المعاصرة في ختام مهرجان قصر المنيل    «الصحة» تكشف النتائج الاستراتيجية للنسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    هيئة محامي دارفور تتهم الدعم السريع بارتكاب مذابح في مدينة الفاشر    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    طن عز الآن.. سعر الحديد اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 أرض المصنع والسوق    انتخابات مجلس النواب 2025.. توافد السيدات والفتيات على لجان الاقتراع بالمنيا    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    أوباميكانو يثير الجدل حول مستقبله مع البايرن    مراسل إكسترا نيوز ينقل كواليس عملية التصويت فى مرسى مطروح.. فيديو    «الشرقية» تتصدر.. إقبال كبير من محافظات الوجه البحري على زيارة المتحف المصري الكبير    الأوراق المطلوبة للتصويت فى انتخابات مجلس النواب 2025    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    تحرير 110 مخالفات للمحال غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    بعد تعديلات الكاف.. تعرف على مواعيد مباريات المصري في الكونفدرالية    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    وزير الصحة يبحث مع نظيره الهندي تبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية المصرية - الهندية    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    "طلاب ومعلمون وقادة" في مسيرة "تعليم الإسكندرية" لحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب 2025    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر 2025 بنسبة استجابة 100%    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    انتخابات مجلس النواب.. تصويت كبار السن «الأبرز» فى غرب الدلتا    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح الحياة الفكرية والعلمية في مصر زمن الحملة الفرنسية
نشر في أخبار الحوادث يوم 24 - 09 - 2016

اهتم حكام مصر خلال فترة الحكم الإسلامي المتعاقبة علي البلاد بنشر المعارف عن طريق ترسيخ شبكة واسعة من بناء المدارس والمساجد التي كانت تستخدم كمراكز ثقافية ومنارات تعليمية إلي جانب دورها في أداء العبادات والشعائر،‮ ‬كان أبرزها الجامع الأزهر،‮ ‬الذي بات شاهدا علي بث روح التعليم والحركة العلمية في مصر منذ تأسيسه،‮ ‬بل أصبح مقرا للدراسات الدينية والحلقات الأدبية والعلمية رفيعة المستوي‮.‬
بُني الجامع الأزهر عام‮ ‬972‮ ‬ميلادي وعرف في ذلك الوقت باسم‮ "‬جامع القاهرة‮" ‬وأطلق عليه‮ "‬الأزهر‮" ‬بعد أن أطلق علي القصور الفاطمية اسم القصور الزاهرة تيمناً‮ ‬بلقب السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول‮.‬
وتحول الجامع الأزهر إلي جامعة علمية في عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله،‮ ‬بعد اقتراح من وزيره‮ ‬يعقوب بن كلس بتعيين مجموعة مؤلفة من‮ ‬37‮ ‬من الفقهاء للقراءة والتدريس في حلقات الدرس كل‮ ‬يوم جمعة من صلاة الجمعة حتي صلاة العصر،‮ ‬وأجري لهم المرتبات الشهرية لنفقاتهم‮. ‬ثم أنشأ مسكناً‮ ‬خاصاً‮ ‬للطلاب بجوار الأزهر‮ ‬يعتبر أول رواق أنشيء‮ ‬لطلبة العلم فيه و توالت بعدها الأروقة‮.‬
مع بداية عهد صلاح الدين الأيوبي ادخلت إليه العلوم الحديثة،‮ ‬وشهد عصر الدولة الأيوبية سنة‮ ‬1171‮ ‬ميلادية بناء الكثير من المدارس و المساجد بغية الدراسة وتحصيل العلم حتي قيل إنه بلغ‮ ‬عددها في القاهرة فقط ما يربو علي‮ ‬155‮ ‬مدرسة‮.‬
لكن العناية بالتعليم تلاشت تقريبا في ظل الاحتلال العثماني لمصر وانعزلت البلاد تماما عن العالم طوال ثلاثة قرون وتأخرت عن اللحاق بركب التطور العلمي الذي شهدته القارة الأوروبية بفضل إسهامات حركات الإصلاح الديني والتيارات الفكرية الحديثة إلي جانب الثورات الصناعية،‮ ‬فلم يكن نصيب مصر سوي التراجع الذي ساعد في تأكيده تعصب الدولة العثمانية وإهمالها شؤون البلاد بوجه عام وشؤون التعليم بوجه خاص وانهيار حركة التقدم العلمي والفكري في مصر‮.‬
كانت السلطة في مصر العثمانية موزعة بين ثلاث هيئات تتبع مباشرة الباب العالي هي‮: ‬الوالي والديوان وأمراء المماليك‮. ‬وكان للحكم الاستبدادي تأثيره علي حركة التعليم والمجتمع عموما،‮ ‬فأصبح التعليم شأنا‮ ‬غير تابع للدولة،‮ ‬بل شأنا من شؤون الدين والأفراد،‮ ‬يعتمد في المقام الأول علي المبادرات الفردية أو الأعمال الخيرية،‮ ‬هذا إلي جانب‮ ‬غرق الإنسان المصري العادي في مشاغل الحياة سعيا وراء الرزق الأمر الذي أسهم بدوره في حرمانه وأبنائه من فرص الانتظام في التعليم أو حتي المطالبة به‮.‬
وبحلول نهاية القرن الثامن عشر،‮ ‬ومع قدوم الحملة الفرنسية علي مصر تحديدا‮ (‬1798‮-‬1801‮)‬،‮ ‬كانت ملامح الحياة الفكرية والعلمية في مصر تتجسد في مؤسستين كبريين متناقضتين من حيث الشكل والمضمون والهدف أيضا هما‮: ‬مؤسسة الأزهر الدينية،‮ ‬والمجمع العلمي المصري الذي أسسه الفرنسيون خلال حملتهم العسكرية علي البلاد‮.‬
ظل الجامع الأزهر ناهضا بدوره التنويري كمنارة للفكر الإسلامي في الشرق منذ تأسيسه علي يد جوهر الصقلي وقت إنشاء مدينة القاهرة عام‮ ‬970‮ ‬ميلادي،‮ ‬لكن دوره التنويري أخذ يخفت مع تسلل حالة الجمود الفكري إلي عقول علمائه وتمحور هدفه العلمي في تدريس علوم الفقه الديني واللغة العربية،‮ ‬متجاهلا تماما النهضة العلمية الحديثة التي اجتاحت دول أوروبا كما ذكرنا،‮ ‬بل أصبح أساتذته مجرد رجال دين وعلماء بلاغة،‮ ‬لكن وضعه هذا لم يحل دون استمرار تدفق الطلاب عليه يأتون من كل حدب وصوب لينهلوا من شهرته الواسعة‮ "‬البراقة‮".‬
لم يعبأ المصريون في تلك الفترة بالنظر إلي‮ "‬الغرب‮" ‬وما حققه من إنجازات فكرية وعلمية،‮ ‬فبطبيعة الحال سادت فكرة‮ "‬دينية‮" ‬وصورة‮ "‬ذهنية‮" ‬نمطية حصرت الدول الغربية في بوتقة‮ "‬الكفُر والعداء للإسلام‮" ‬فاكتفي المصريون بعلوم الأزهر وما يقدمه من مناهج إسلامية ولغوية فقط،‮ ‬و هو ما خدم شيوخه الذين اعتمدوا بدورهم علي سلطة مستمدة من الدين لبث روح السيطرة الفكرية علي طلابهم‮.‬
حظر‮ "‬رجال‮" ‬الأزهر في تلك الفترة أي نقاش قد ينتج عنه تنوير للعقول،‮ ‬فبات مفروضا علي الطلاب ترديد نصوص وشروح وضعها شيوخهم لكسب رضاهم،‮ ‬حتي تبلد المشهد الفكري تدريجيا في مصر وأصبح عبارة عن مؤسسة دينية‮ ‬غارقة بطلابها في‮ ‬غفوة زمنية وعلمية كبيرة‮.‬
وفي هذا الصدد يقول المسيو جاسبار دي شابرول‮ ‬،‮ ‬أحد علماء الحملة الفرنسية والذي تدين له باريس بكثير من الأعمال ذات النفع العام،‮ ‬في دراسته عن عادات وتقاليد المصريين المحدثين في موسوعة‮ "‬وصف مصر‮" ‬إن الجامع الأزهر هو‮ "‬الجامعة الوحيدة في مصر‮" ‬وتضم هيئة تدريس مؤلفة من نحو‮ ‬50‮ ‬مدرسا من بينهم خمسة أو ستة ذائعو الصيت‮. ‬وينقسم المدرسون والطلاب إلي ستة‮ "‬أروقة‮" ‬أو فروع كبيرة‮: ‬السوريون والبربر والإغريق وسكان الريف والصعايدة والعميان في حين يخصص رواق سابع لطلاب الأقاليم،‮ ‬ويضيف العالم الفرنسي في موضع آخر أن المصريين‮ "‬يهملون العلوم المقننة وأن الرياضيات لا تكاد تكون معروفة في البلاد‮".‬
وفي ذات الفترة التي عانت فيها مصر من صنوف التخلف الثقافي والفكري والعلمي،‮ ‬كانت أوروبا قد سبقت الشرق بخطوات هائلة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر في مجالات علمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والميكانيكا‮. ‬
اكتشف نيوتن قوانين الجاذبية وأسس أنطوان لافوازييه علم الكيمياء الحديث،‮ ‬واخترع بابين‮ ‬ ووات أول آلة بخارية وبدأ بنيامين فرانكلين‮ ‬ البدايات الأولي لعلم الكهرباء وصنع رينيه أنطوان ريومور أول ترمومتر في حين وضع بيير فرانسوا ميشان‮ ‬ أول نظام متري واهتم بدراسة المذنبات والأجرام السماوية،‮ ‬وأطلق الأخوان مونتجولفييه أول مناطيدهم في السماء‮.‬
ومع ازدهار العلوم والصناعات الأوروبية تعقدت المقارنة بين مؤسسة الأزهر في ذلك العصر وما تقدمه من علوم دينية بحتة في مصر،‮ ‬ومدارس علمية أوروبية مثل مدرسة الهندسة‮ ‬ ومدرسة الفنون والحرف في فرنسا،‮ ‬أو المجمع العلمي الفرنسي الذي تأسس عام‮ ‬1795‮ ‬وكان دافعا لنابليون بونابرت أثناء حملته علي مصر لتأسيس مؤسسة تحاكيه أثمرت عن إنشاء‮ "‬المجمع العلمي المصري بهدف تقديم خدمات علمية للفرنسيين والمصريين علي حد سواء،‮ ‬وجاءت الخطوة أشبه بصدام فكري وأيديولوجي بين مؤسسة دينية راسخة الجذور في أعماق مجتمع مصري لا تربطه أي صلة بالعالم الخارجي وما يحدث فيه،‮ ‬ومؤسسة علمية ترسي كيانا ولبنة سترتكز عليها مصر طوال قرن كامل خلال مسيرة البناء الحديثة علي يد محمد علي‮.‬
كان المجمع العلمي المصري الدعامة الثانية لبث الحياة الثقافية والعلمية في المجتمع المصري،‮ ‬أسسه الفرنسيون وجعلوه أشبه بجامعة لأقسام علمية مختلفة مقره قصور المماليك مثل قصر المملوك حسن كاشف في حي السيدة زينب الذي ضمت‮ ‬غرفه أقساما لعلماء الآثار والأطباء والكيمياء والنبات،‮ ‬كما استغلوا حديقته في تجهيز أماكن وأحواض لعمل تجارب زراعية،‮ ‬أما منزل ذوالفقار كتخدا،‮ ‬فقد خصصه الفرنسيون لوضع الأفران وأدوات العالم الكيميائي روجيه في حين شغل الرسامون والفنانون‮ ‬غرف منزل إبراهيم كتخدا السناري،‮ ‬وكانت أنشطة لجنة‮ "‬العلوم والفنون‮" ‬من نصيب قصر قاسم باشا‮.‬
وفي هذا الصدد ينقل لنا عبد الرحمن الجبرتي،‮ ‬في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار،‮ ‬شهادته التي رأها رأي العين‮ :‬
‮"‬أفردوا للمديرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث الدرب الجديد وما به من البيوت،‮ ‬مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف وبيت حسن كاشف جركس القديم‮ .....‬
وأفردوا لجماعة منها بيت ابراهيم كتخدا السناري وهم المصورون لكل شيء ومنهم اريجوا المصور وهو يصور صور الآدميين تصويراً‮ ‬يظن من يراه أنه بارز في الفراغ‮ ‬بجسم يكاد ينطق،‮ ‬حتي أنه صور صورة المشايخ كل واحد علي حدة في دائرة وكذلك‮ ‬غيرهم من الأعيان،‮ ‬وعلقوا ذلك في بعض مجالس صاري عسكر،‮ ‬وآخر في مكان آخر يصور الحيوانات والحشرات وآخر يصور الأسماك والحيتان بأنواعها وأسمائها‮.....‬
وكذلك أفردوا أماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم روياً‮ ‬ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك،‮ ‬ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية،‮ ‬وركب له تنانير وكوانين لتقطير المياه والأدهان واستخراج الأملاح وقدوراً‮ ‬عظيمة وبرامات وجعل له مكاناً‮ ‬أسفل وأعلي وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الأطباء والجرايحية‮.‬
وأفردوا مكاناً‮ ‬في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع وآلات تصاعيد الأرواح وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الأرمدة المستخرجة من الأعشاب والنباتات واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج البلوري المختلف الأشكال والهيئات علي الرفوف والسدلات وبداخلها أنواع المستخرجات‮."‬
تأسس المجمع العلمي المصري بقرار بونابرت الصادر في‮ ‬21‮ ‬أغسطس عام‮ ‬1798‮ ‬بعد نحو‮ ‬شهر من قدومه إلي مصر،‮ ‬وعقدت أولي جلساته في‮ ‬24‮ ‬أغسطس،‮ ‬وبلغ‮ ‬إجمالي عدد جلساته‮ ‬62‮ ‬جلسة كانت آخرها في‮ ‬22‮ ‬مارس عام‮ ‬1801،‮ ‬وعين المسيو مونج‮ ‬ رئيسا للمجمع،‮ ‬والمسيو فورييه‮ ‬ في منصب الأمين العام،‮ ‬أما بونابرت نفسه فكان نائبا لرئيس المجمع،‮ ‬وقد نظمت أعمال اللجنة وفق القواعد التنظيمية لأعمال الأكاديميات الفرنسية‮.‬
بلغ‮ ‬عدد أعضاء المجمع‮ ‬37‮ ‬عضوا اختيروا من بين أبرز ممثلي‮ "‬لجنة العلوم والفنون‮" ‬و‮ "‬جيش الشرق‮"‬،‮ ‬وتكون المجمع من أربع لجان فقط‮: "‬الرياضيات‮" ‬و‮ "‬الطبيعة‮" ‬و"الاقتصاد السياسي‮" ‬و‮ "‬الآداب والفنون والجميلة‮". ‬
يان الهدف الرئيسي من تأييس المجمع هو يل مشكلات تواجه الحكومة والإدارة الفرنسية في مصر،‮ ‬ومن ثم كلف بويابرت علماء اليجان بتقديم أفضليحلول علمية لتلك المشكلات يلتييتواجه حملته في ييبلاد‮. ‬وكانت تعقد جلسات المجمع مرة كل خمسة أياميلمناقشة موضوعات علميي مختلفة،‮ ‬علي أن تنشر بعض نصوص تلك الجلسات في صحيفة‮ "‬لا ديكاد إييبسيان‮ (‬العشرية المصرية‮) ‬التي أسسها الفرنسيون‮.‬
كانت فليفة المجمع العلمي المصري قائمة علي ينه يمثل التيار الفكري الفرنسي السائد في القرن الثامن عشر وفكر الثورة الفرنسية تحديدا،‮ ‬تلك الفلسفة الفكرية التي ركزت أولا علي توجيه الانتقادات للنظام القائم،‮ ‬ثانيا تصاعد تيار‮ "‬الفكر الحر‮ ‬ "،‮ ‬ذلك التيار الفكري الذي يعلي من قيمة العقل أمام مواجهة القضايا الدينية واستبعاد أي عقيدة تجنح للحد من حرية التفكير والتأثير عليه‮. ‬
جاءت الثورة الفرنسية ونادت بضرورة تقدم العلوم،‮ ‬وساد‮ "‬المبدأ النقدي‮" ‬أو ما يعرف بروح النقد صالنابع من فلسفة ديكارت‮ ‬،‮ ‬وهو مبدأ فلسفي دعا إلي إعمال العقل وعدم قبول شئ واعتباره حقيقة إلا بعد أن تثبت التجارب صحته‮.‬
ويقف ذلك المحتوي الفلسفي علي طرف النقيض مع ما يعتنقه الأزهر من فكر جامد،‮ ‬علي الرغم من محاولة الفرنسيين فرض ذلك المحتوي الفلسفي ولو بقوة‮ "‬السلاح‮" ‬علي‮ ‬المصريين الرافضين بدورهم ما يعرضه عليهم الفرنسيون دون أن السعي لسبر أغوار هذا الفكر الفلسفي الجديد علي مجتمعهم وربما عقيدتهم أيضا،‮ ‬وهو رد فعل متوقع بالطبع من شعب تجاه قوات وطأت أقدامهم أرضه قادمة من بعيد بحجة تخليصهم من طغيان المماليك‮.‬
لكن الأمر لم يخل من فضول بعض المصريين المستنيرين الذين حرصوا علي إلقاء نظرة علي ذلك المجمع العلمي والتعرف علي ما يقدمه من أنشطة علمية،‮ ‬وهنا لم نجد أبرز من هذه الشهادة الطويلة التي أوردها الجبرتي يصف فيها زيارته للمجمع الذي كان يفتح أبوابه لطلاب العلم يوميا‮:‬
‮"‬تجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب علي كراسي منصوبة موازية لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها،‮ ‬فيحضرها له الخازن فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتي أسافلهم من العساكر،‮ ‬وإذا حضر إليهم بعض المسلمين ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول الي أعز أماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وإظهار السرور بمجيئه إليهم،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعاً‮ ‬للنظر في المعارف بذلوا له مودتهم ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والأقاليم والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الأمم وقصص الأنبياء بتصاويرهم وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث أممهم مما يحير الأفكار،‮ ‬ولقد ذهبت إليهم مراراً‮ ‬وأطلعوني علي ذلك‮. ‬
‮(‬ويذكر الجبرتي‮) ‬رأيت بعضهم يحفظ سوراً‮ ‬من القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في معرفة اللغة والمنطق،‮ ‬ويدأبون في ذلك الليل والنهار،‮ ‬وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت الي لغتهم في أقرب وقت،‮ ‬وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بهم الآلات الفلكية الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن‮ ...... ‬وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وأرصادها ومعرفة مقاديرها وأجرامها وارتفاعاتها واتصالاتها ومناظراتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني الدقائق الغريبة الشكل الغالية الثمن وغير ذلك‮."‬
ونستخلص من الاستشهاد السابق ونضيف عليه أن الجبرتي شاهد الكواكب بواسطة تلسكوب قدمه له علماء الفلك الفرنسيون،‮ ‬وعرض عليه الرسام ريجو صورا مرسومة لبعض المشايخ الذين يعرفهم حق المعرفة،‮ ‬كما أجريت أمامه تجارب عملية كيميائية لعمليات ترسيب وبلورة،‮ ‬وأثاروا لديه الخوف عندما خلطوا بعض المواد‮ ‬الكيميائية التي أحدثت دوي انفجار،‮ ‬وشرح له علماء الفيزياء الكهرباء الاستاتيكية ورأي بعينه الشرارة الكهربية وتجربة للتفريغ‮ ‬الكهربي‮.‬
لكن الجبرتي لم تساوره أي حماس علي أرجح التقديرات بعد مشاهداته لأنشطة المجمع العلمية كحال الكثيرين،‮ ‬علي نقيض رد فعل الشيخ المهدي الذي يعد المصري الوحيد الذي صادق المستشرق المسيو مارسل،‮ ‬نظرا لوجود اهتمام مشترك بين الطرفين يتعلق بدراسة الآداب،‮ ‬وهو وضع اختلف أيضا عن وضع باقي العلماء الفرنسيين من ذوي التكوين العلمي وانعدام نقطة التلاقي بينهم وبين شيوخ الأزهر الآخرين‮.‬
لم يكن من المعقول تفعيل اندماج سريع بين الشعبين،‮ ‬المصري والفرنسي،‮ ‬وإن كان بونابرت قد أعطي إشارة البدء عندما وزع برنامج عمل أكاديمي علي المجمع العلمي المصري وتكليفاته للعلماء أنفسهم،‮ ‬وهي خطوة أعطت بطريقة أو بأخري دفعة قوية أحدثت إفاقة للأذهان المصرية من‮ ‬غفوتها،‮ ‬فكانت مصر علي موعد مع مستقبل ليس ببعيد بعد طرحها عدداً‮ ‬من القضايا ومناقشتها أثناء بناء دولتها الحديثة‮.‬
وإلي جانب الدور المؤسسي والأكاديمي الفرنسي في تشكيل الحياة الفكرية والعلمية داخل المجتمع المصري خلال فترة الحملة،‮ ‬ظهر دور آخر كان له مبلغ‮ ‬الأثر في المشهد السائد وهو الدور الذي لعبته‮ "‬المطبعة‮" ‬وتدشين الفرنسيين دوريتين علميتين أو مجازا‮ "‬صحيفتين‮". ‬
لم تعرف مصر المطبعة قبل وصول الحملة الفرنسية،‮ ‬بل كانت تعرف الكتب المطبوعة بكميات قليلة القادمة من‮ ‬اسطنبول،‮ ‬وأول مطبعة عرفتها مصر هي مطبعة مارك أوريل‮ ‬ التي أحضرها الفرنسيون‮ ‬معهم‮. ‬وكان مارك أوريل يطبع منشورات الحملة بالإضافة إلي طبع الأعداد الأولي للصحيفتين الفرنسيتين‮ "‬لو كورييه ديجيبت‮ (‬بريد مصر‮) ‬و‮ "‬لا ديكاد إيجبسيان‮ (‬العشرية المصرية‮) ‬،‮ ‬وهما صحيفتان لم يظهر مثلهما في مصر من قبل،‮ ‬واستمر مارك أوريل في عمله هذا حتي أنشئت المطبعة الرسمية،‮ ‬وظل في مصر حتي عام‮ ‬1800‮ ‬ورحل إلي فرنسا بعدما باع معداته للحكومة الفرنسية‮.‬
كان بونابرت قد أحضر معه مطبعة أخري من إيطاليا تتمتع بإمكانات أكثر مقارنة بمطبعة مارك أوريل،‮ ‬مجهزة بحروف فرنسية وعربية فضلا عن وجود طاقم من عمال الطباعة القائمين علي تشغيلها وصيانتها،‮ ‬وأطلق الفرنسيون علي تلك المطبعة اسم‮ "‬المطبعة الشرقية الفرنسية‮" ‬ثم تغير اسمها إلي‮ "‬المطبعة القومية‮".‬
أصدرت المطبعتان الفرنسيتان مطبوعات أخري من أبرزها كتاب يتعلق بقانون العقوبات العسكري وكتاب عن تمارين قواعد اللغة العربية الفصحي وكتاب عن اللهجة العامية المصرية و كتاب حكايات لقمان الحكيم وكتاب عن أمراض العيون في مصر‮.‬
وكانت‮ "‬المطبعة القومية‮" ‬أكثر المنشآت الفرنسية نشاطا وجذبا للمصريين علي نحو أثار فضولهم وإعجابهم علي حد سواء،‮ ‬ويقال إن مشايخ من الأزهر أمثال المهدي والفيومي والصاوي زاروها أكثر من مرة،‮ ‬وبعد خروج الفرنسيين من البلاد ظلت مصر بلا مطبعة طوال‮ ‬25‮ ‬عاما حتي عرفتها من جديد علي يد محمد علي باشا‮.‬
استخدم الفرنسيون مطبعتيهم في إصدار صحيفتين دوريتين في مصر كما ذكرنا هما صحيفة‮ "‬لو كورييه ديجيبت‮" ‬و صحيفة‮ "‬لا ديكاد إيجبسيان‮ "‬،‮ ‬ويقال إن هناك صحيفة ثالثة باللغة العربية صدرت في عهد الجنرال منو أطلق عليها اسم صحيفة‮ "‬التنبيه‮" ‬لكن لا يوجد منها أي نسخة‮.‬
بلغت أعداد صحيفة لو كورييه ديجيبت‮ ‬116‮ ‬عددا،‮ ‬وظلت تصدر باستمرار اعتبارا من عددها الأول الصادر في‮ ‬29‮ ‬أغسطس عام‮ ‬1798‮ ‬حتي العدد الأخير الصادر في‮ ‬27‮ ‬يوليو عام‮ ‬1801،‮ ‬وكانت تصدر كل أربعة أيام،‮ ‬وعين بونابرت المسيو فورييه والمسيو كوستاز‮ ‬ مشرفين علي تحرير مقالاتها‮.‬
ركزت تلك الصحيفة علي توجيه الرأي العام الفرنسي والتشجيع علي التواصل مع المصريين،‮ ‬وكانت معنية بنشر القرارات الرسمية الصادرة من قيادة الجيش الفرنسي وأنباء الجيش والاحتفالات والمناسبات المختلفة إلي جانب الإشارة إلي أنشطة ترفيهية كالعروض المسرحية والحفلات أو أنشطة تجارية كالإعلان عن منشآت فرنسية جديدة افتتحت في القاهرة‮. ‬أما الأخبار المتعلقة بفرنسا فكانت تخضع لتحقيق في شكل مقالات تكتب بدافع بث الشعور الوطني لدي الجنود أكثر من كونها أنباء‮. ‬كما نشر بها بعض الكتّاب قصائد خاصة في مناسبات معينة مثل قصيدة بينابن‮ ‬ بمناسبة عيد الثورة الفرنسية‮. ‬
أما صحيفة‮ "‬لا ديكاد إيجبسيان‮" ‬فكان قرار إصدارها نابعا من علماء المجمع العلمي المصري أنفسهم منذ أن عقدت الجلسة الأولي للمجمع،‮ ‬وكتب تحت العنوان الرئيسي للصحيفة عبارة‮ "‬صحيفة أدبية وللاقتصاد السياسي‮"‬،‮ ‬وكانت تصدر كل عشرة أيام وهو سبب تسميتها ب‮ "‬العشرية المصرية‮" ‬لكن بمرور الوقت أصبحت تصدر مرة كل شهر‮.‬
أصدرت الصحيفة أعدادا ألفت ثلاثة مجلدات مهداة لقادة الحملة الثلاثة علي التوالي،‮ ‬الأول لبونابرت والثاني لكليبر والثالث لمنو،‮ ‬وصدر العدد الأول في أول أكتوبر عام‮ ‬1798‮ ‬وكان العدد الأخير في عام‮ ‬1800،‮ ‬وأصدرت مطبعة مارك أوريل الأعداد الثلاثة الأولي كما ذكرنا ثم تولت المطبعة القومية إصدار باقي الأعداد حتي العدد الأخير،‮ ‬وتولي المسيو ديجينت رئاسة التحرير حتي حل محله المسيو فورييه في أعقاب حملة الشام‮.‬
كانت لا ديكاد إيجبسيان معنية بنشر محاضر جلسات المجمع العلمي المصري،‮ ‬وكذا المذكرات والدراسات العلمية المقدمة من علماء الحملة،‮ ‬باستثناء بعض الأعمال الأدبية منها وإن كانت شحيحة،‮ ‬وفي ذلك بعض التناقض مع توصيفها بعبارة‮ "‬أدبية‮" ‬تحت عنوانها الرئيسي كما ذكرنا،‮ ‬فهي لم تحتو سوي علي بعض الأشعار العربية التي ترجمها المسيو مارسل الذي ترجم أيضا‮ "‬فاتحة‮" ‬القرآن‮.‬
أما صحيفة‮ "‬التنبيه‮" ‬فيقول المسيو جالان‮ ‬ إنها صدرت باللغة العربية وكانت مخصصة للتوزيع في جميع أنحاء مصر لنشر قرارات الحكومة،‮ ‬وكانت تخضع أيضا لإشراف المسيو فورييه،‮ ‬ويقال أيضا إنها كانت مجرد مشروع صحيفة،‮ ‬وعلي أية حال لا توجد أي نسخ تدل عليها‮.‬
كانت الصحافة الفرنسية في مصر،‮ ‬علي الرغم من قصر مدتها الزمنية،‮ ‬تلقي رواجا لدي الأوربيين والفرنسيين المتعطشين لقراءة أعدادها التي كانت ترسل إلي أوروبا بصعوبة شديدة بسبب الحصار البحري علي مصر وكذا صعوبة الوصول إلي فرنسا،‮ ‬لأن مقالاتها،‮ ‬لاسيما صحيفة لا ديكاد إيجبسيان،‮ ‬كان يكتبها أبرز علماء فرنسا في ذلك العصر،‮ ‬ممكن كان لهم أبلغ‮ ‬الفضل في تشكيل رؤي جديدة في المشهد الاقتصادي والسياسي والعلمي ووضع لبنة علم الآثار المصرية‮ "‬المصريات‮"‬،‮ ‬كما كان للصحيفتين الفرنسيتين كذلك الفضل الأكبر بل والأساس المشترك الذي نهض عليه الصرح العلمي الشامخ موسوعة‮ "‬وصف مصر‮".‬
وأورد المؤرخ الفرنسي هنري لورانس في ختام كتابه الأهم بعنوان‮ "‬الحملة الفرنسية علي مصر ما يشر إلي حرص بونابرت علي اختتام حملته ببيان ورد في مراسلاته بتاريخ‮ ‬22‮ ‬نوفمبر‮ ‬1801‮ ‬يذكّر فيه بذلك‮ "‬المطمح التحضري‮" ‬لحملته قائلا‮: "‬لقد تركوا‮ (‬أي الجنود الفرنسيين‮) ‬لمصر ذكريات لا تموت،‮ ‬لعلها تفضي يوما ما إلي بعث الفنون والمؤسسات الاجتماعية هناك‮. ‬وعلي أية حال لن يورد التاريخ موارد النسيان ما فعله الفرنسيون لنقل حضارة ومعارف أوروبا إلي هناك‮. ‬وسوف يروي‮ (‬التاريخ‮) ‬بأية درجة من الانضباط حافظوا عليها طوال تلك المدة وقد يأسف علي ضياعها كنائبة أخري ألمت بالجنس البشري‮".‬
ولعل التركة الأساسية التي خلفتها الحملة الفرنسية علي مصر تتلخص في ذلك الإرث العلمي والفكري والأيديولوجي الذي استفادت به مصر حق استفادة‮. ‬ونشير في خاتمة قولنا إلي أن تاريخ مصر الحديث يدين بلاشك إلي هذا الإرث العلمي والفكري البارز الذي يعد ثمرة جهود دؤوبة لعلماء حملة‮ "‬عسكرية‮" ‬وضعت لبنة تصحيح مسار‮ "‬فكري وعلمي‮" ‬لمصر ورسمت خطوات بناء دولة عصرية علي يد محمد علي في جميع المجالات‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.