»شبابيك الدنيا كلها شبابيك.. والسهر والحكاية والحواديت..كلها دايرة عليك والكلام كان عليك.. دي عنيك شبابيك والدنيا كلها شبابيك» كلمات أغنية للفنان محمد منير لكن يبدو أن وضع الشبابيك في مصر اختلف من حكايات السهر والفرح إلي حكايات »العكننة» والتعب التي ترويها ملامح المصريين في انتظار قضاء مصالحهم أمام الشباك منذ يخرج للحياة،وعبر كل مراحل عمره،ويتولي ذووه من بعده الوقوف علي شباك اثبات خروجه من الدنيا. داخل الحواري بيوتًا صغيرة تفتحت منها شبابيك كثيرة، فجلس »ع الشباك» رجل مسن ينظر إلي المارة في الشارع، يتذكر أيام الصبا، فيما وقفت فتاة بكل زينتها تنتظر »ابن الجيران» الذي آن موعد نزوله إلي العمل لتلقي إليه وردة قطفتها خصيصًا له، وربات منزل وقفن يتسامرن حول أحوال أبنائهن وأزواجهن ويشكين غلاء الأسعار، فيما وقف طفل صغير يقف علي أطراف أصابعه كي ينظر إلي أصدقائه من الشباك. حكايات المصريين لا تنتهي مع الشبابيك، تقصها أعينهم دائمًا في صمت، تمتزج أمامها مشاعرهم معًا، ما بين الحزن والغضب والقاء النكات الساخرة من »العيشة واللي عايشنها»، وبالنسبة إليهم لم تعد كما كانت مقتصرة علي التهوية بل تدعو أحيانًا إلي الاختناق، فكل شيء أصبح يحتاج إلي شباك، وأهمها شبابيك الجري وراء رغيف الخبز، ولبن الاطفال المدعم ايضا دخل موسوعة الشباك لنشاهد طوابير امام الصيدليات بحثًا عن »علبة » واحدة، مرورًا بالمصالح الحكومية وتذاكر وسائل المواصلات. أمام شباك تذاكر مترو الأنفاق، وقفت سيدة مسنة تخطت عامها الستين متكئة علي عصا من أجل قطع تذاكر للركوب بصعوبة بالغة، يمر جميع من حولها بسرعة ولا تستطيع خطواتها العثرة مواكبة الشباب دون أن يلتفت إليها أحد أو يحاول مساعدتها، حتي جاءتها فتاة عشرينية عرضت عليها الوقوف أمام شباك التذاكر بدلًا منها وسط دعوات لا تنقطع من العجوز. يوازي هذا المشهد تكدس المواطنين من جميع المحافظات أمام شباك تذاكر محطة مصر، يحاولون الوصول للشباك من أجل الوصول لأهاليهم في الأقاليم والمحافظات الذين ينتظرونهم بعد طول انتظار وخاصة قبل ايام العيد، يتشاجرون وترتفع أصواتهم بين الحين والآخر، فوقف رجل بدت ملامحه من صعيد مصر يتحدث في هاتفه لحين أوان دوره، فيما صرخت سيدة أربعينية بدا عليها التعب من شدة الحرارة والوقوف لأكثر من ساعتين قائلة »حرام عليكوا هتموتوني ناقصة عمر». مشهد آخر أمام أحد الصيدليات الكبري بوسط البلد، حين اصطف عدد يتخطي 100 شخص في طابور أمام شباك الصيدلية للحصول علي لبن مدعم من أجل صغارهم في ظل ارتفاع أسعار اللبن المستورد الذي تخطت أقل عبوة فيه حاجز الخمسين جنيه،بخلاف الطابور في صالات البنوك. الطلاب أيضًا لم يسلموا من الوقوف أمام الشبابيك، سواء لدفع مصاريف الكليات الجديدة بعد ماراثون الثانوية أو استخراج شهادات تخرجهم، ويصطدمون بالطوابير التي لا تنتهي، حتي أوقات الترفيه يتزاحمون علي شباك تذاكر السينما من أجل مشاهدة فيلمًا خاصة قبل انتهاء الاجازة مما يتسبب في زيادة التحرش والمشاحنات لكثرة الازدحام. ورغم ما تردد حول الحكومة الالكترونية وتطبيق نظام »الشباك الواحد» للتسهيل علي المواطن وعدم وقوفه طوابير من أجل إنجاز الأوراق أو المصالح، إلا أنه لم يطبق حتي الآن، ورغم التأكيدات العديدة علي وجود الحكومة الذكية ومحاولات استخدام التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة للتسهيل علي المواطنين، في حجز القطارات والطائرات وتخصيص الخطوط الساخنة والمواقع لتقديم الشكاوي، إلا أن مظهر الطوابير أمام الشبابيك لا تزال كما هي، وتعلق أمنية مكرم، خبيرة التنمية البشرية، وتؤكد ضرورة استغلال التكنولوجيا قدر المستطاع في التسهيل علي المواطنين، والاعلان بشكل كافي والتوعية عن كيفية استخدام الاجهزة الحديثة حتي يتمكن المواطن البسيط من استغلالها،وأضافت مكرم أن الطوابير تتسبب في حالة ضغط نفسي شديد علي المواطن الذي يرغب في قضاء المصلحة بالإضافة إلي الموظف نفسه لتكدس الناس امامه علي الشباك وتصل للاشتباك والتشاجر أوقاتًا كثيرة، وفي حالات التكدس يجب الالتزام بالهدوء قدر المستطاع وفي حالة وجود خلاف أو تعدي علي الشخص لابد أن يلجأ للمسئول بدلًا من الشجار وذلك حتي اصلاح المنظومة .