د. عبدالحليم عمر: ضرورة توفير أماكن للذبح في المدن لتجنب التلوث رغم أن طقوسَ التضحيةِ بالحيوانِ لجلب رضا الإلهِ موجودةٌ في جميع الشرائع السماوية وأساطير الأولين والمذاهب الوضعية علي السواء كنوعٍ من إفراغ طاقة الإنسان العنيفة في الذبح تحت شعار المقدس بحسب آرائهم، وطاعة لأوامر الله ورسوله وإحياء لسنة إبراهيم الخليل بحسب الشريعة الإسلامية؛ فإن هناك أصواتًا غربيةً الآن تُسفّه فكرة الأضحية الإسلامية بدعوي الإشفاق علي الحيوان من ناحيةٍ، واتهامًا للإسلام بأنه دين يُحب سفك الدماء ولو كانت دماء الحيوان من ناحية أخري!.. وهم في ذلك لا يلتفتون إلي أن »الذبح» موجود بقوة في الشعائر اليهودية، بل إن »المذبح» لا يزال جزءًا مهمًّا من بناء الكنيسة المسيحية، ولكن اللوم كله يقع علي الإسلام وحده، تمامًا كأغلب الجوانب الأخري.. ولو نظر هؤلاء إلي التراث النبوي لوجدوا تعاليم نبوية بالرحمة للحيوان تفوق كل ما وصلت إليه العقلية الغربية، ولربما وقعت أخطاء في التطبيق من المسلمين، ولكن يجب ألا ينصرف ذلك إلي الشعيرة ذاتها.. في هذا التحقيق ردٌّ علي هذه الرؤية غير المنصفة، وبيان لكيفية »الذبح» الإسلامية: د. آمنة نُصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، توضح أن الغرب بينه وبين المسلمين عداء قديم مُستحكم لأنهم يطمعون في أرضنا وخيراتنا التي أنعم الله بها علينا، وبالتالي لن يرضوا عن أي فكرة إسلامية وليس فقط فكرة الأضحية كشعيرة إسلامية مهمة، وإلا فإن اليهود يُشاركوننا الاهتمام بشعيرة الذبح فهل رأينا أي مهاجمة للديانة اليهودية؟، بالطبع لا، وإلا فإن تهمة معاداة السامية جاهزة، فالغرب يكيل بمكياليْن ويقلب الباطل حقًّا والحقَّ باطلا في كل شيء خاص بالإسلام ويجب ألا ننتظر منهم خيرًا، ولذلك أري أنه يجب ألا نُعطي مثل هذه الأصوات أي اهتمامٍ، خاصة بعدما أثبت العلم أن عملية صعق الحيوان بالكهرباء تحوي أخطارًا كبيرة وأن الذبح وإراقة دم الحيوان هو الطريقة الفضلي والأصح للاستفادة من الحيوان دون أخطار علي الإنسان. شكل حضاري في الإسلام طريقةُ الذبحِ محددةٌ بشكلٍ دقيقٍ حتي تكون الذبيحة حلالًا ولا تكون ميتة لا يحل أكلها.. هذا ما يؤكده د. عبد الحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، ويتابع أن هذه المحددات الإسلامية ذات شكلٍ حضاري سواء في طريقة الذبح أو اختيار الحيوان، فمثلًا نهي الفقهاء عن الذبح ليلًا لأنه وقت الراحةِ للحيوان، ونهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذبح الشاة أمام الشاة حتي لا نُميتها مرَّتيْن، كذلك في كيفية الذبح نفسها كأن نقطع مجري النَّفس ومجري الطعام كليهما حتي لا يتألم الحيوان، مع سنِّ السكين وتسمية اسم الله عليها، لأنه سبحانه هو من أحلَّ لنا أكلها والاستفادة منها، وأن يكون السلخُ بعد برودتها، أي بنحو خمس عشرة دقيقة علي الأقل من عملية الذبح.. ويشير د. عبدالحليم إلي أنه لا مانع في القرية من الذبح في الأماكن الفسيحة حول البيت، أما المدن فلا يجوز فيها هذا الأمر ويجب توفير أماكن مخصصة للأضحية حتي نتجنب التلوث، وقد فعّلت محافظة الجيزة هذه الفكرة في سنةٍ من السنوات وكانت تجربةً جيدةً وناجحةً. نظرة مُعادية الشيخ فوزي القوصي، مُدير إدارة أوقاف حجازة بقنا، يؤكد أن هذه الدعوات الغربية الحديثة التي تأتي عبر جمعيات الرفق بالحيوان والتي أنشئتْ أول ما أنشئتْ في بريطانيا عام 1926 وقد رفضها اليهود هناك وفي غيرها من البلاد إلا أن وسائل الإعلام لا تذكر ذلك وتُحاول أن تُقنعَ الناسَ أنه لا يُعارض هذه الدعوة غير المسلمين، وربما لتأكيد النظرة المُعادية للإسلام التي تتهمه بالعنف والإرهاب، مع أن المسلمين واليهود يقفون موقفًا واحدًا في عدم جواز قتل الحيوان لأكله إلا عن طريق الذبح فإذا حدث إنكارٌ للفعل فإنما ينبغي أن يشمل الجميع، وهذا ما لم يحدث، وهو ما يؤكد أن الإنكار علي المسلمين مقصودٌ لذاته.. ويتابع الشيخ القوصي: ولننظرْ إلي طريقتهم في قتل الحيوان نجد أنهم يصعقونه بالكهرباء ويُصيبونه بالطلق الناري ويضربونه بالآلات الحديدية علي أم رأسه حتي يخرَّ ميِّتًا، فكيف تكون هذه الطرق الشاذة أفضل من الذبح الذي أثبتت التجارب الحديثة أنه الأصح والأصوب، فذبح الحيوان سنة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، ويُسمي في الفقه الإسلامي بالتذكية الشرعية وهي عبارة عن قطع مخصوص ما بين اللبة وهي أسفل العنق واللحي وهي شَعر الذقن لحيوانٍ مُباح الأكل بنية القصد لله وذكره عليه، ولذلك فالمسلمون يرون أن أي حيوانٍ يموت أو يُقتل بغير الذبح هو ميتةٌ يَحرم أكله، وقد ذكر القرآن هذه الأنواع في سورة المائدة: »حُرِّمَتْ عليكمُ الميتةُ والدَّمُ وَلحْمُ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ والمنخنقةُ والموقوذةُ والمُترديةُ والنطيحةُ وما أكلَ السَّبُعُ إلا ما ذكَّيتمْ وما ذُبِحَ علي النُّصُبِ وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بالأزْلَامِ، ذَلِكُم فِسْق..» فلا تعارض بين الرحمة بالحيوان والامتثال لأمر الله بذبحه للانتفاع الذي أذن الله به ولتحقيق وظيفة هذا الحيوان في الكون التي خلقه الله من أجلها ليحدث التوازن البيئي الكوني.. ويُضيف الشيخ القوصي: أن الأضحية يجب أن تكون في مكان مخصوص لهذا الفعل كالجمعيات والسلخانات وبإشراف طبي حتي نتجنب الأمراض والأوبئة وتلويث البيئة المحيطة وبالتالي انتشار الحشرات الضارة وهذا ما لا يليقُ بالمسلم ولأن دفع الضرر مُقدم، فلا يصح أنه لكي أُقيمَ شعيرةً تقربًا لله أن أعصاه بطريقةٍ أخري. ذبحٌ رحيم يوضح د. عبدالناصر الجعفري، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة أن أعضاء جمعيات الرفق بالحيوان والنباتيون وأشباه هؤلاء الذين يجهلون حقيقة الذبح الشرعي في الإسلام والحكمة الإلهية وراء ذلك، هم من يشجبون هذه الشعيرة الإسلامية، مع أن الله قد أباح لنا ما في الأرض من حيوانات لننتفع بها، ونأكل ما أحله لنا منها بذبحه بالتذكية الشرعية التي بينها لنا رسوله الكريم.. وقد أكدت الأبحاث العلمية التي قام بها هؤلاء المعاندون أنفسهم أن هذا الدم المسفوح من الحيوان يحوي جراثيم خطيرة، ولولا الذبح لأضرت بالإنسان الذي يأكل منه؛ ولدينا تعاليم نبوية بأن يكون الذبح رحيمًا، والحديث: »أن الله كتب الإحسان علي كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُسنّ أحدكم شفرته وليُرحْ ذبيحته..»، فإحداد الشفرة لإسراع القطع، ما قطع الودجين وأنهر الدم، وحديث آخر: »ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ولا تُعجلوا الأنفس حتي تزهق»، فمن يزعمون أن الإسلام دين همجية وقسوة في معاملة الأنعام، خاصة حين يرونها تتحرك بعد الذبح ويظنونها تتألم، لا يفهمون أن هذه الحركة لا إرادية تُساعد الحيوان في إخراج أكبر كميةٍ من الدماء الضارة الفاسدة وهذا به أكبر إفادة للإنسان الطاعم منها.. ويُضيف د. الجعفري أنه ينبغي أن يكون الذبح في مكان مُخصص لهذا منعًا لانتشار التلوث والأمراض، فديننا الذي حض علي التضحية هو نفسه الذي أكد أن النظافة من الإيمان، وأنه لا ضرر ولا ضرار، خاصة أن لدينا مجازر مخصصة لهذا ومن يُخالف ذلك ويذبح في الشارع علينا أن نأمره بالكف عن هذا الفعل الضار. تكافل اجتماعي يشير الشيخ عبد الله محمد حسن إمام وخطيب مسجد الإمام الشافعي إلي أن الأضحية وسيلة مهمة لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين جميعًا، سواء كانوا أغنياء موثرين أو فقراء مُعدمين، أقارب وأهل وجيران أو أباعد لا صلة بينهم إلا الأخوة في الدين، والأضحية هي من الهدي النبوي العظيم في عيد الأضحي المبارك، وقد سُئل النبي صلي الله عليه وسلم عن هذه الأضاحي، فقال: »هي سُنة أبيكم إبراهيم، فقالوا: ما لنا فيها يا رسول الله؟ فقال: بكلِّ شَعْرةٍ حسنةٌ، قالوا: فالصوف؟ قال: بكل شَعْرةٍ من الصوفِ حسنةٌ»، وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »ما عمل آدمي من عملٍ يوم النحر أحب إلي الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع بمكانٍ يتقبله الله قبل أن يقع علي الأرض فطيبوا بها نفسًا».. فالأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله وأصحابه يُضحون عن أنفسهم وأهليهم، وإذا أراد أحد أن يُضحي ودخل شهر ذي الحجة فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئًا من شعره أو أظفاره أو جلده حتي يذبح أضحيته، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: »إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يُضحي فليُمسك عن شَعره وأظفاره»، والحكمة من هذا النهي هي التقرب إلي الله بالذبح ومشاركة الحاج في بعض خصائص الإحرام.. ذلك هو ديننا، وتلك هي أوامر الله، وليس علينا بعد ذلك الالتفات إلي ما يقوله الآخرون، وإن كان لزامًا علي المسلمين القيام بهذه الشعيرة بطريقة حضارية لا تضر أحدًا ولا تلوث البيئة.