تعتبر الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، ومن أعظم القربات والطاعات، وهى دليل على إخلاص العبادة لله وحده، وتنفيذ أوامره ووالانتهاء عن نواهيه، فكانت مشروعية الأضحية فى الإسلام، والأضحية سنة من سنن المرسلين وسنة فى الأمم من قبلنا، ودليل ذلك قوله تعالى " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ " [الحج:- 34] ولقد ضحى رسول الله - ? - بكبشين أقرنين أملحين.وحول أحكام الأضحية فى عيد الأضحى وفضلها ومشروعيتها والأفضل فى الأضحية، كان هذا الحوار مع د 0 أسامة جمال رضوان الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية (بنين) جامعة الأزهر - القاهرة:- ? بداية نود أن نتعرف على الأضحية؟ ?? الأضحية هى ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى. وإحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسّلام والأضحية لغير الحاج. ? للأضحية فضل عظيم نريد التعرف عل ببعض أفضالها. ?? الأضحية لها أثر عظيم فى المجتمع، حيث لم يغفل الإسلام عن الفقير والجائع والمسكين والمحتاج الذين لا يقدرون على شراء الأضحية، حيث ينتظر هؤلاء العيد ليأكلوا ويسدوا جوعهم، لذا أوصى الإسلام بأن تكون لهذه الفئة من المجتمع أن يكون لهم حصة فى الأضحية، كما أنها صدقة للمسلم وتطهيرًا لما له أيضًا، وحتى يشعر بأخيه المسلم الفقير والمسكين، ومن فضل الأضحية أيضا أنها تجوز أن تكون عقيقة عن الولد الذى لم يتم ذبح عقيقة له، فيجوز ذبح العقيقة فى عيد الأضحى المبارك كما أجازها الفقهاء. فالأصل فى الأضحية هى لله تعالى؛ لأن ّالله تعالى لا ينظر إلى دماء أو لحوم الأضحية لكن ينظر إلى تقوى العبد وحرصه إلى التّقرب من الله تعالى، والأضاحى فيها تطهير للنفس؛ لأنّ القيام بذبح الأضحية هو شكر لله تعالى. ويزداد فضلها ظهورا من خلال الحِكَم العظيمة من مشروعيّتها، من ذلك التقرّب إلى الله بالذّبح من بهيمة الأنعام. والتصدّق على الفقراء والمحتاجين. والتودّد إلى الأصدقاء بالهديّة من لحوم الأضاحى. والأكل منها والتّوسعة على النّفس والعيال، قال تعالى:- "فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ". وإظهار شعائر الله تعالى من صلاة، وتضحية، وإعلاء كلمة الله تعالى بها.وانها من سنن الأنبياء إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام وأتباعهما. والتشبّه بالحجّاج، والشّوق إلى ما هم فيه من الخير العميم، والأجر العظيم، وقد سنّ الله لنا أن نكبّر كما يكبّرون، فقال:- "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ". وشرع لنا ترك الحلق وقصّ الأظافر لمن أراد التّضحية. كلّ ذلك للتشبّه بالحجّاج؛ لتحصيل الفضل والثواب لمن فاته الحج وزيارة بيت الله الحرام. ? ما حكم الأضحية فى الإسلام؟ ?? وأما عن حكم الضحية:- فهى سنة مؤكدة فى حق كل قادر عند جمهور العلماء، وأوجبها بعض أهل العلم وقد حض عليها النبى ? قائلًا:- (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم, وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها, وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض, فطيبوا بها نفسا).. ويدل على عدم الوجوب أن أبا بكر رضى الله عنه ترك التضحية, وكذلك عمر وابن عباس وعدد من الصحابة، خشية أن يرى الناس أن التضحية واجبة. وهو ما استدل به من يرى أن ا لأضحية سنة وليست واجبة كالشافعى. ? ما هو ثواب المضحى؟ ?? أوصانا رسول الله ? بالأضحية لما لها من أجر وثواب عند الله تعالى، وثواب الأضحية كما أخبرنا بها رسول الله عليه الصلاة والسلام بكل قطرة دم من دم الأضحية فيها حسنة تكتب لصاحب الأضحية وبكل شعرة من شعر الأضحية سواء صوف الخروف أو وبر الجمل، وشعر البقر بها حسنة فكم من حسنة فى كل شعر من شعر الأضحية .هذا ثواب الأضحية للفرد الذى يتقرب من الله تعالى، وكما قال النبى ? لابنته فاطمة:- (قومى واشهدى أضحيتك فإن الله يغفر لك مع أول قطرة ذنوبك وخطاياك) ? وما حكمها ؟ ?? اختلف العلماء فى حكمها على ثلاثة أقوال:- أنّها واجبة على القادر. أنّها فرض كفاية، والراجح أنّها سنّة مؤكّدة للقادر عليها عن نفسه وعمن يعول وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ?? هل يستدين الرّجل ليُضَحّي؟ وهل يُضَحّى الذى عليه دَين؟ لا يجب عليه أن يفعل ذلك وإن وجد من يُسلفه فليستلف ويشترى بها الاُضحية بشرط إن كان له مال مؤجل ويستطيع الوفاء. ويجوز الذى عليه دَين أن يُضَحّي، بشرط أن يكون غيرَ مطالَبٍ بالوفاء عاجلًا. ? ماذا يجب على المضحى؟ ?? يجب عليه أن يستحضر النيّة، فلا يُضحّى لأجل التّباهى أمام النّاس، ولا لأجل الأولاد. فكيف يقول:- اللهمّ هذا منك ولك، وهو غير مخلص فى قوله ذلك. ومن أراد التّضحية ودخل عليه هلال ذى الحِجَّة حَرُم عليه أن يقلع شيئًا من أظفاره، أو يحلق شيئًا من شعره أى شعرعملا بقول النبيّ ? قال:- (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِى الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ). والحكمة فى ذلك التشبّه بالمُحرِم كما سبقت الإشارة إليه. ? هل يجوز الاشتراك فى الأُضحية؟ ?? لا يجوز الاشتراك فيها إن كانت لأُضحية من الضّأن، وإنّما يصحّ الاشتراك فى الإبل والبقر. ذلك لأنّ الأُضحية عبادة وقُربة إلى الله، فلا يجوز وقوعها إلاّ على الوجه الذى شرعه الله زمنا وعددا وكيفية. يشترك سبعة من البيوت فى البقر والإبل؛ للحديث الذى رواه مسلم عن جابر رضى الله عنه قال:- (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ? عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ). أمّا الشّاة فلا تُجزئ إلاّ عن بيت واحد للحديث السّابق ذكره:- (إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَةٌ كُلَ عَامٍ). ومعنى أهل بيت واحد:- أهل الرّجل الذين هم تحت كفالته ونفقته، ولو كانوا مائة نفس. ? ما هى الشروط الواجب توافرها فى الأضحية؟ ?? يشترط فى الأضحية أن تكون من الأنعام، قال تعالى:- "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ". والأنعام هى:- الإبل، والبقر، والغنم. (والغنم يشمل الضّأن والمعز). وأفضلها الغنم، فالبقر، فالإبل، وفى السنّ فلا يقبل من الإبل والبقر والماعز إلاّ الثّني. عملًا بقَولَ رَسُولُ اللَّهِ ?:- (لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ). والثّنى من الإبل:- هو ما أكمل خمس سنوات، ودخل فى السّادسة. والثّنى من البقر والمعز:- هو ما أكمل سنتين ودخل فى الثّالثة. أمّا الضّأن [الكبش والنّعجة] فيجزئ فيها الجَذَع:- وهو ما استكمل سنةً على الصّحيح. " والجذع من الضأن:- ما له سنة تامة، هذا هو الأصح وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم. أمّا فى الوصف فالأفضليّة الخالية من العيوب التى تردّ. ? وما أفضل الأضاحى ؟ ?? وأفضل الأضاحى الضّأن (والكبش أفضل من النّعجة). ويستحبّ أن يكون سمينا عظيما قال الله عزّ وجلّ:- {وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقوَى القُلُوبِ}، قال ابن عبّاس رضى الله عنه:"تعظيمها:- استسمانها واستحسانها". لذلك قالت عائشة:- "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُضَحِّى بِكَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ". لهما قرون. أملحين:- الأملح هو الأبيض الذى يخالطه سواد فى عينيه وسواد فى قوائمه. ? ما هى العيوب التى تردّ بها الأضحية؟ ?? لا يجوز التّضحية بالعوراء الواضح عَوَرُها، ولا العمياء، ولا العرجاء الواضح عرجها، ولا المريضة الواضح مرضها، ولا المكسور عظمها. فقد سُئِلَ النَّبِيَّ ?:- مَاذَا يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا ؟ فأشار بيده وقال:- (أَرْبَعًا:- الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِى لَا تُنْقِي). ويلحق بهذه الأربع ما كان مثلها أو أولى منها بعدم الإجزاء، فلا يُضَحَّى بها ومنهاالعمياء. والمبشومة - وهى التى انتفخ بطنها ولم تستطع إخراج ما فى بطنها حتّى تخرج فضلاتها. ولا يجوز المبالغة فى تتبّع العيوب. ? ما هى آداب الذّبح ؟ ?? من آداب الذّبح اختيار آلة حادّة، حتّى لا يُعذّب الحيوان، فإنّ الله قال:- {وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ}. وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:- (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ فِى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَليُرحْ ذَبِيحَتَهُ). ويجب الرّفق بالحيوان أن لا يشحذ السّكين أمام الأُضحية، ولا يذبحها بحضرة أضحية أخرى، ولا يجرّها بعنف للذّبح. فقد مَرَّ رَسُولُ اللهِ ? بِرَجُلٍ يَشْحَذُ سِكِّينَهُ أَمَامَ الأُضْحِيَةِ، فَقَالَ:- (أَفَلاَ قَبْلَ هَذَا ؟ أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتََتيْنِ، هَلاَّ حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا ؟). وتوضع الأُضحية على جانبها الأيسر، ويضع الذّابح قدمه اليمنى على جانبها الأيمن. ويوجّه وجه الأُضحية إلى القبلة، وعن جابر رضى الله عنه قال:- "كَانَ النَّبِيُّ ? إِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَتَهُ وَجَّهَهَا" أى إلى القبلة. ويقول عند الذّبح :- (بسم الله، والله أكبر، اللهمّ هذا منك ولك، اللهمّ تقبّل منّي)، لذلك على المسلم أن يُراعى ذكرَ اسم الله. ولا يجوز أن يشرع فى سلخها وكسر عظمها قبل خروج روحها، فقد قال عمر بن الخطّاب رضى الله عنه:- "لاَ تَعْجَلُوا الأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ"، ولا بدّ من مراعاة وقت الذّبح:- وهو بعد صلاة العيد يوم الأضحى إلى آخر يوم من أيّام التشريق. وهى ثلاثة بعد يوم العيد، فتكون أيّام الذّبح أربعة، ويجزئ الذّبح ليلا، والذبح فى النهار أفضل، وأفضله يوم العيد، ثم ما بعده على التّوالي. ولا تصحّ الأضحية قبل وقتها، ولا بعده إلا بعذر شرعى كالإحصار مثلًا. ? كيف تُقسَم الأُضحية ؟ ?? المضحى لابد أن يقتدى برسول الله ?. فقد جاء فى صحيح مسلم عن سلمةَ بنِ الأكْوَع رضى الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:- (كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا).. وأنه ?" أمر ببضعة من كل بدنة، فوضعت فى قِدْرٍ، ثم أكل من لحمها وشرب من مَرَقها ". من أجل ذلك استحبّ العلماء أن تقسّم الاضحية ثلاثة أثلاث:- ثلث يأكل منه أهل البيت، وثلث يُتَصدّق به، وثلث يطعم به الأضياف والجيران، ويستحب أن يطعم منها الفقراء أيضًا، ويستحب ألا ينقص الصدقة عن الثلث. ? ومن لم يستطع الأُضحية هل يستدين ليُضَحّى؟ وهل يُضَحّى الذى عليه دَين؟ ?? ومن لم يستطع الأُضحية لفقر أو عجز، فلا يحزن، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضحّى عمّن لم يضحّ من أمّته ممّن شهد لله تعالى بالتّوحيد، ولنبيّه ? بالتّبليغ. فقال:- (بسم الله والله أكبر, اللهم هذا عنى وعمّن لم يضحّ من أمتي)، ولا يجب عليه أن يستدين ليُضَحّى وإن وجد من يُسلفه فليستلف ويشترى بها الاُضحية بشرط إن كان له مال مؤجل ويستطيع الوفاء. ويجوز الذى عليه دَين أن يُضَحّى، بشرط أن يكون غيرَ مطالَب بالوفاء عاجلًا.