استجابة سريعة منه لم تستغرق إلا أيامًا قليلة، بعد البحث والتدقيق فيما نشرته »آخر ساعة» بعددها قبل الأخير، تحت عنوان »مكامير الفحم.. الموت مرضًا أو جوعًا»، قرر وزير البيئة، الدكتور خالد فهمي، عقد حوار مفتوح مع أصحاب المكامير، وكذلك المصدرين، وممثلي العمال، بحضور رئيس تحرير مجلة »آخر ساعة»، عضو مجلس إدراة مؤسسة أخبار اليوم، الكاتب الصحفي، محمد عبدالحافظ، والمهندس أحمد أبوالسعود، الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، وعدد من القيادات المعنية بالوزارة، بمقر المركز الثقافي التعليمي »بيت القاهرة». ساعتان متواصلتان كان عمر اللقاء الذي جمع »آخر ساعة» مع الوزير وأصحاب المشكلة، وكان الاجتماع أشبه بالجلسات العرفية التي تدور في قري الصعيد، فكل صاحب حق يطلبه وكل من له مظلمة عرضها، وكل من له حق سيرد له. »آدي الجمل وآدي الجمال»، الحقيقة باتت واضحة تماما لنا فجميع أطراف المشكلة حاضرون، الوزير يعرض وجهة نظره، وكذلك المتضررون من قرار وقف التصدير، ونحن ما علينا سوي نقل الصورة الكاملة للقارئ دون تحيز لأي طرف علي حساب الآخر. استهل الوزير حديثه عن دور الإعلام المؤثر في حل مثل تلك المشكلات، مؤكدًا ضرورة هذا الاجتماع ليبقي الأمر علانية أمام الجميع، فالوزارة لا تتخذ قرارات تعسفية ولا تخطط لشيء دون علم أصحابه، ودلل علي ذلك قائلا: »ما عمر المشكلة التي نحن بصدد طرحها الآن؟»، فرد الحاضرون: »عام ونصف العام»، فقال: »إذن هي ليست وليدة اللحظة ونجري فيها مشاورات ومفاوضات كثيرة». وقال الوزير، إن أزمة أصحاب المكامير ظلت لأكثر من خمسة عشر عامًا، وما يحدث الآن نتاج طبيعي لتحسين الأوضاع وإصلاحها، وإنه لولا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء برئاسة المهندس شريف إسماعيل، بوقف التصدير إلا من منشأة متوافقة بيئيًا، ما كان لأزمة أصحاب المكامير حل علي الإطلاق. غرامات صارمة وجوب توفيق الأوضاع، هو الأمر الذي اتفق عليه الجميع سواء وزارة البيئة ومعها الجهات المعنية، وكذلك أصحاب المكامير، والكرة الآن أصبحت في ملعب المتضررين، والحكومة في انتظار مبادرتهم لتوفيق الأوضاع. »لن نترك أولادنا وأولادكم لمثل هذا التلوث الذي يدمر صحتهم ويفتك بهم»، كلمات قالها الوزير لأصحاب المكامير، مشيرًا إلي أنهم أول المتضررين، ومهما كان النشاط أو التجارة يدران دخلاً فهم يتضررون صحيًا من الأسلوب الذي تدار به المكامير، مضيفًا: »رغم أنكم قطاع غير منظم فمنكم كثيرون لا يدفعون الضرائب إلا أن تكلفة الربح والاستثمار لن تكون مثل الذي تتكلفه الدولة في الإنفاق علي صحة المواطن وعلاجه ورعايته صحيًا». فهمي، قال أيضًا: »لن نسمح بمخالفة القانون وسنطبقه بكل صرامة»، وسنسير وفق القوانين البيئية المتبعة في كل دول العالم، فمن يثبت تورطه بإحداث تلوث يدفع غرامة مالية ضخمة قد تصل للحبس، وفي مصر الغرامة تبدأ من 5 آلاف جنيه وتصل إلي 100 ألف جنيه. القرار النهائي، الذي لن يتراجع عنه وزير البيئة الدكتور خالد فهمي، هو تصدير منتج من مصر مخالف بيئيًا، فهو متمسك بعدم مخالفة التشريعات والقوانين المصرية مهما كلفه الأمر، وعلي المتضرر من هذا القرار التقدم بدعوي في القضاء الإداري، قائلًا: »سأقبل بحكم القضاء مهما كان». القياسات البيئية 5% فقط من المنتجين هم من يدفعون الضرائب والباقي متهربون، فمن يملك 500 جنيه يقوم بشراء أخشاب ويحفر ويحرق ويبيع، هذا ما قاله محمد ذو الفقار، رئيس جمعية مصدري ومنتجي الفحم بالشرقية، والذي أكد ضرورة الخضوع لخطة توفيق الأوضاع، مشيرًا إلي أنه دفع ضرائب هذا العام 38 ألف جنيه، مضيفًا: »أنا شاهد من أهلها، وأوافق علي قرار توفيق الأوضاع، وتقدمت بتراخيص للمحافظة، وحصلت علي موافقة تنمية صناعية من المركز الإقليمي البيئي بالشرقية، وحصلت أيضًا علي تقييم أثر بيئي، ولدي بطاقة ضريبية، وسجل تجاري، وانتظر الآن اللجنة التي ستقيم المكامير المطورة». ورد عليه الوزير قائلاً: »تسهيلًا للإجراءات، ولكي لا تكون هناك لجنة من كل وزارة في المحافظة، تم التنسيق مع وزارات الري، والزراعة، والتجارة والصناعة، والتنمية المحلية، لبحث عمل لجنة في كل محافظة تقوم بالقياسات البيئية المطلوبة، وكل الوزارات معنية بذلك فهناك بعض التعديات علي الأراضي الزراعية، وهناك تعديات علي أراضي طرح النهر، وتم البدء بعمل تلك اللجان في محافظاتالجيزة، والقليوبية، والبحيرة، والمنوفية، ويتقدم أصحاب المكامير لتلك اللجنة، وسيكون هناك ممثل للبيئة في كل منها لحل أي مشكلة، وتذليل المعوقات أمام الجميع. فهمي، أوضح أيضًا أن القياسات لا تتم بين عشية وضحاها، فالقياس يستمر لمدة شهر، واليوم الواحد يتكلف 5 آلاف جنيه تحملتهم وزارة البيئة، ودفعت لكل مطور 100 ألف جنيه، فالهدف الذي ترجوه الوزارة هو المحافظة علي صحة المواطنين دون المساس بمصدر رزقهم. القلق بات واضحًا علي وجوه أصحاب المكامير، عقب حديث الوزير عن اللجنة المشكلة لتقييم الأثر البيئي، والتخوفات التي كانت لديهم شعر بها الوزير دون أن يتحدثوا، فقال لهم: »أنا متفهم موقفكم، طبعًا أصحاب المكامير لديهم قلق من أنه بعد انتهاء فترة السماح التي سنمنحها للمصدرين، وتزامنًا مع غلق المكامير من الآن، وحتي انتهاء شهر ديسمبر، أن اللجنة لا تتخذ قرارًا واضحًا بشأن الراغبين في توفيق أوضاعهم فالجميع يخشي طول مدة الإجراءات التي قد تسبب خسائر فادحة للمنتجين، لكنني أطمئنكم عن أنه سيتم وضع خطة زمنية محددة وعاجلة للفصل في طلب صاحب المكمورة، وسيكون لك الحق في التظلم أمام لجنة أخري برئاسة مستشار في مجلس الدولة إن لم يخرج القرار لصالح مكمورتك، والقرار لن يكون فرديًا ممثلًا في وزارة البيئة وحدها، بل قرار وزاري جماعي يشمل وزارات العدل، والصحة، والتجارة والصناعة، والاستثمار، والتنمية المحلية، والري، والزراعة، فهذا القرار سيكون قرارًا سياديًا، وأعدكم بالتدخل المباشر بشخصي حال وقوع أي مشكلات طارئة». الأفران المطورة وحول ما تم تناوله في ملف »آخر ساعة» عن »مكامير الفحم»، حول إجبار المطورين علي استخدام الفرن الأوكراني الذي تصل تكلفته إلي 700 ألف جنيه، أكد الوزير أنه غير دقيق، نافيًا اتباع الوزارة لسياسة الإجبار نهائيًا، وقال للمنتجين: »قُم بتطوير أي نموذج من النماذج الأربعة المطروحة وأنا سأوافق عليه، أو قُم بتصنيع نموذج خاص بك أو اخترع ما يحلو لك وأعمل به بشرط أن تكون الانبعاثات الصادرة عنه متوافقة بيئية». فهمي، أكد أن مجلس الوزراء وافق علي تعديل اللائحة التنفيذية، وصدر قرار مجلس الوزراء رقم »2019» بتاريخ 25/7/2016، والخاص بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون البيئة الصادرة بقرار من المهندس شريف إسماعيل، ويحمل رقم 338 لسنة 1995، فيما يخص المعايير الخاصة بالانبعاثات الغازية لمكامير الفحم النباتي، وذلك بما يضمن الالتزام بتطبيق أفضل الممارسات المُتاحة »Best Available Practices» في السوق المصري للنماذج المطورة لمكامير الفحم النباتي، والتي يُمكن تطبيقها كمرحلة أولي، وصولاً إلي أفضل التكنولوجيات المتاحة »Best Available Technologies» في المستقبل. وأدي هذا التعديل إلي إمكانية استخدام 4 نماذج مطورة لمكامير الفحم النباتي، والمتوافقة من الناحية البيئية طبقًا للقرار المشار إليه، والتي سبق أن تقدمت بطلبات للقياسات البيئية خلال فترة التقييم السابقة، والتي قامت بها الوزارة من بين 6 نماذج قُدمت للوزارة، كما يمكن قبول أي نماذج مطورة أخري »محلية» أو »مستوردة» مستقبلًا بشرط توافق انبعاثاتها مع المعايير الواردة باللائحة، وطبقًا للاشتراطات الصادرة من جهاز شئون البيئة في هذا الشأن علي أن يلتزم الراغبون في الحصول علي الترخيص بعمل تشغيل تجريبي لمدة ثلاثة شهور، يتم خلالها تقديم قياسين للانبعاثات للنموذج المطور بعد تركيبه من أحد المعامل التي تنطبق عليها الاشتراطات الصادرة من جهاز شئون البيئة مثل »معمل جامعة عين شمس» أو »الحرب الكيماوية»، ويؤكد مطابقة القياسات البيئية للمعايير الواردة باللائحة. منح للمطورين الجانب المادي وارتفاع أسعار الأفران المطورة، أمر نال حيزًا كبيرًا من الدراسة والتنفيذ، حيث اجتمع وزير البيئة الدكتور خالد فهمي، مع رئيس الهيئة العربية للتصنيع، وكذلك وزير الإنتاج الحربي، لبحث إنتاج الصوبة الزراعية، وهي الاختيار الأفضل لدي المطورين، والتي تصل تكلفتها الآن إلي 250 ألف جنيه، ولفت الوزير في هذا الصدد إلي أن جانبًا من الربح سيحصل عليه صاحب براءة الاختراع، وما تتحصل عليه الوزارة من تمويل سيكون من حق المطور، فيزداد المطورون وبالتبعية ستزيد الصناعة. الوزير، أوضح أيضًا، أن وزارته وضعت آلية تمويلية، وتم توقيع بروتوكول تعاون بين الوزارة والصندوق الاجتماعي، ووزارة التنمية المحلية، تتضمن تمويلاً بفائدة 5% متناقصة، تُسدد علي 5 سنوات، وذلك للراغبين في الحصول علي تمويل لتنفيذ النماذج المطورة، كما تُقدم الوزارة منحة بقيمة 20% من ثمن النموذج المطور يتم منحها بعد التحقق من الأداء البيئي من خلال تقارير ربع سنوية تُقدم إلي وزارة البيئة، وتُفيد تحقيق المؤشرات البيئية المطلوبة من تنفيذ المشروع. »ما نفعله لن ينتهي وهفضل مساندكم إلي النهاية»، رسالة طمأنة وجهها الوزير خالد فهمي، لأصحاب الأزمة لافتًا إلي أنه سيعاملهم معاملة المصنع الذي تم اكتشاف شيء لديه جعله ملوثا بيئيًا، فسأرسل له وأعطيه مُهلة شهرا حتي يُصلح الخطأ المشار إليه، وسيتقدم بخطة عاجلة لحل تلك المشكلة البيئية وسأجعله يعمل وفق الخطة الزمنية التي وضعها لنفسه، وأُراقبه وأُفتش عليه طول فترة عمله إلي أن تنتهي المدة المُحددة، وسأقيس في النهاية من خلال البحث الأثر البيئي الناتج، مضيفًا: »هذا ما سأتبعه مع أصحاب المكامير في فترة توفيق أوضاعهم». فتح التصدير فهمي، أكد أن مدة الإجراءات لن تطول، وسيتم إصدار منشور رسمي من رئاسة الوزراء بالمُدة المُحددة التي سيستغرقها توفيق الأوضاع، ومن يوفق أوضاعة سيسمح له بالتصدير فورًا. وفي نفس الوقت، لم يغُض وزير البيئة الطرف عن الأزمة الفعلية التي يعيشها المصدرون، والتي قد تؤدي بهم إلي السجن إن لم يسددوا ديونهم ويلتزموا بإجراءات التعاقد، فهم بالتأكيد مُقصرون في عدم الضغط علي أصحاب المكامير للتطوير، وهم أيضًا علي شفا حفرة من الإفلاس بسبب قرار وقف التصدير إلا من منشأة متوافقة بيئيًا، حيث قال الوزير في هذا الشأن: »خاطبت بالفعل رئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، بشأن أزمة المخزون المُتراكم لدي المصدرين، وأوصي بالتعاون المشترك بيني وبين وزير الصناعة والتجارة، لوضع خطة عاجلة مدروسة ووضع ضوابط لفتح التصدير». فهمي، أضاف قائلًا: »أنا أعمل للصالح العام، ولا أعمل لجهة معينة، وأنا وزيركم كلكم سواء عُمال أسمنت أو مكامير، ولن أنحاز إلا للحق، وبدلًا من أن أضع الضوابط لفتح التصدير بنفسي دون مشاورتكم دعيتكم منذ أسبوع لعرض خطة فعلية ولم يتقدم أحد بشيء». الوزير، شدد علي أن فتح التصدير العشوائي أمر مرفوض نهائيًا، ولا نقاش فيه، فلن أضع مصر في محل مخالفة لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية التي تُجرم عمالة الأطفال، وتجرم الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية لما تنتجه من غازات سامة تدمر صحة المواطنين. احرق وخزِّن التشديد الوزاري بشأن فتح التصدير بضوابط لن يفهمه البعض، ولكن تبسيطًا للأمر، قال الوزير: »حال إصدار رئيس الوزراء قرارًا بفتح التصدير دون معايير سيبدأ كل العاملين بمجال الفحم بالتصنيع والحرق في وقت واحد، ونحن نواجه الآن أزمة السحابة السوداء فسيكون الأمر في غاية الصعوبة ولن نسيطر عليه، لذا قررنا أن من لديه مخزونا عليه التقدم بورقة مكتوبة تفيد بعدد ما تحويه مخازنه من أطنان، وأرقام مقربة لإنتاجه العام الماضي، وسأرسل لجنة في خلال 48 ساعة لمعاينة المخازن للتأكد من وجود الفحم فعليًا الذي سبق حرقه وانتهت مشكلته البيئية». فهمي، أشار إلي أن وزارة البيئة أرسلت لجنة لقرية أجهور الأسبوع الماضي لتجد جميع المكامير تعمل بكامل طاقتها دون توقف والانبعاثات لم ترحم أحدا، استعدادًا لفتح التصدير، وقال: »هذا الأمر مرفوض نهائيًا»، وتسهيلًا للمسألة أصدر الوزير قرارًا يقضي بتقديم الأوراق في اليوم التالي للقاء المفتوح، الأربعاء الماضي، لمن لديه حجز مستعجل علي الموانئ أو الشاحنات. ما تم عرضه خلال هذا الاجتماع المطول الذي انفردت به »آخر ساعة»، بعد ملفها بعددها قبل الأخير، عن »مكامير الفحم»، يُبرهن علي تفهم الوزير وقبوله لحل المشكلة من أساسها، فلم يكتف الدكتور خالد فهمي، بإرسال ردًا مكتوبًا لوزارته، بل انتهي الأمر بأنه دعا أصحاب الشأن في حضور »آخر ساعة» ليصبح الأمر علانية أمام الجميع. والآن، باتت الكرة في ملعب أصحاب المكامير وكذلك المصدرين، فمن يرغب في التصدير والربح عليه الشراء من مكامير متوافقة بيئيًا، ومن يرغب في التصنيع والحرق عليه توفيق أوضاعه، لحماية نفسه قبل غيره.