الجلاد: على مسؤوليتي.. تغيير 60 % من أعضاء "مستقبل وطن" بالبرلمان المقبل    بدء الجلسة العامة للشيوخ لمناقشة ملف التغيرات المناخية    إجازة عيد الأضحى المبارك 2025 في مصر للقطاعين الخاص والحكومي والبنوك    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    استعدادات مكثفة لمياه أسيوط والوادي الجديد لاستقبال عيد الأضحى    البنك الزراعي المصري يعيد افتتاح فرعه الاسلامي بالمهندسين بعد تطويره    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    وزيرا الاتصالات والتضامن الاجتماعي يشهدان توقيع مذكرة تفاهم وبروتوكولين لدعم الشمول الرقمي والمالي    النائب محمود القط يطالب الحكومة بتوضيح خطط التكيف الخاصة بالمناطق الساحلية    محافظ القاهرة: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    ضمن الاحتفال بيوم البيئة العالمي 2025.. «فؤاد» تفتتح معرض «إعادة التدوير»    مصدر في الوفد الأوكراني إلى محادثات السلام في إسطنبول: كييف مستعدّة لاتخاذ "خطوات كبيرة نحو السلام"    وزير الخارجية: التصعيد العسكري لا يخدم استقرار المنطقة    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    محمد سيحا: الانضمام إلى الأهلي لا يحتاج للتفكير.. وأتمنى حصد ميدالية بكأس العالم للأندية    "غصبًا عن الرابطة".. جدو يوجه رسالة بعد فوز بيراميدز بدوري الأبطال    ترتيب الكرة الذهبية بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري الأبطال.. مركز محمد صلاح    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    كواليس تسريب امتحان الجبر للشهادة الإعدادية في أسيوط.. وقرارات التعليم كاملة    قيمتها 190 مليون جنيه.. القوات البحرية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة عبر سواحل البحر الأحمر    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة أبوتيج فى أسيوط    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    الحكم على المنتجة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف الفنانة هند عاكف 23 يونيو    في ذكرى ميلاده.. محمود ياسين أشهر جندي بالسينما المصرية    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    قبل طرحه.. ماذا قال محمود حجازي عن فيلم "في عز الضهر"؟    "الإغاثة الطبية" بغزة: الاحتلال يستهدف كل شىء بلا تمييز ولا مكان آمن بالقطاع    الأربعاء.. قناة الوثائقية تعرض الجزء الثاني من فيلم «الزعيم.. رحلة عادل إمام»    دعاء للأم المتوفية في العشر الأوائل من ذي الحجة «ردده الآن» ل تضىيء قبرها    بعد عقود من "الرعب".. وزير الصحة يتحدث عن إنجاز السيطرة على الفيروسات الكبدية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    "الكورة اللي بيلعبوها اختفت".. مالك وادي دجلة ينتقد طريقة لعب بيراميدز    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    الخانكة التخصصي تنقذ حياة رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    قرار جديد من الزمالك بشأن المدرب الجديد.. مدحت شلبي يكشف    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق التراث‮.. ‬الفريضة الغائبة
التوجه الأكاديمي الخاطيء تسبب في قلة الدافعية لتحقيق التراث 1- 4
نشر في أخبار الحوادث يوم 02 - 07 - 2016

‎أسماء برزت وتحقيقات أخرجت ما في بطون الكتب من أسرار،‮ ‬فتحت هذه
‎التحقيقات الأبواب أمام قراءة صحيحة لتراثنا في مختلف المجالات،‮ ‬وتحملت
‎أجيال هذا العبء الهام،‮ ‬الذي‮ ‬يبرز الاسهامات المتعددة لكتاب ومؤرخين
‎وعلماء،‮ ‬أثاروا بكتاباتهم أمورا كانت خفية جرت في حقب تاريخية بعيدة،‮
‎‬وجاءت التحقيقات لتيسر لنا قراءة ما كتب في الماضي‮.‬
‎لكن بدلاً‮ ‬من
‎أن تستمر مدرسة التحقيق المصرية والعربية في مسارها الصحيح،‮ ‬تكاد تتلاشي
‎الآن،‮ ‬لذا بدءاً‮ ‬من هذا العدد نفتح المجال أمام المتخصصين ليدلوا
‎برأيهم حول سؤال أساس هو‮: ‬لماذا أنهارت مدرسة التحقيق المصرية،‮ ‬ووصلت
‎إلي حد قول د.محمود فهمي حجازي‮ "‬الجهود فردية وقليلة وليست مؤسسية‮".‬
‎في
‎هذا العدد‮ ‬يبين لنا ثلاثة من الأساتذة الكبار‮: ‬د.محمود فهمي حجازي،‮
‎‬د.حسين نصار،‮ ‬د.عبدالحكيم راضي،‮ ‬فكرة تحقيق الكتب وتطورها وأهم
‎اعلامها،‮ ‬وكذلك‮ ‬يرصدون أسباب الانهيار الحادث الآن في هذا المجال‮.‬
‎البداية مع ماهية التحقيق كصناعة لغوية،‮ ‬وعنها يقول الدكتور‮ ‬محمود فهمي حجازي،‮ ‬وهو أحد رواد التحقيق في الحقل الأدبي‮:‬
‎ارتبط
‎التحقيق بالطباعة،‮ ‬لأن الكتب قبل عصر الطباعة في أوروبا والشرق،‮ ‬كانت
‎تتداول في شكل المخطوط،‮ ‬وبعض الكتب منها مئات المخطوطات،‮ ‬ولكن في بعض
‎الأحوال نجد مخطوطا واحدا‮. ‬بدأت الطباعة العربية في أوروبا في القرن
‎ال16،‮ ‬وبدأت معها طباعة الكتب العربية دون تحقيق في النص،‮ ‬وبعد ذلك
‎تطورت فكرة تحقيق النصوص في أوروبا،‮ ‬وذلك بمقارنة مخطوطات الكتاب
‎الواحد،‮ ‬وتفضيل مخطوط علي آخر من حيث‮: ‬القدم،‮ ‬الصحة،‮ ‬الكمال‮
‎(‬تمام النص‮)‬،‮ ‬واجتهد علماء من ألمانيا،‮ ‬وفرنسا،‮ ‬وبريطانيا،‮
‎‬وايطاليا في طباعة النصوص العربية بدقة،‮ ‬وازدهر هذا العمل في القرنين
‎ال18‮ ‬،‮ ‬ال19،‮ ‬ثم انتقل إلينا في أواخر القرن ال19،‮ ‬وبعد مدة
‎اكتشفنا أن هذا النوع من العمل العلمي له أصول عربية‮ - ‬مثل أشياء كثيرة‮ -
‎‬وازدهر هذا العمل في مصر بشكل محدود في أواخر القرن ال19.‬
‎وعن
‎أعلام فن التحقيق،‮ ‬يقول د.حجازي‮: ‬منهم الشيخ نصر الهوريني‮ (‬نسبة إلي
‎قرية اسمها هورين شمال الدلتا‮)‬،‮ ‬لكن استقرار المنهج،‮ ‬قبل الحرب
‎العالمية الأولي بجهود مثقف مصري كبير هو‮ (‬أحمد زكي باشا‮)‬،‮ ‬وبدأت
‎الإفادة من الخبرة الأوروبية،‮ ‬ثم دخل في هذا المجال علماء مصريون يمثلون
‎الخبرة الشرقية منهم‮: ‬أحمد شاكر،‮ ‬وكان قاضيا،‮ ‬لكنه كان مهتما بالتراث
‎اللغوي العربي،‮ ‬ومن هذه الأسرة،‮ ‬محمود شاكر،‮ ‬درس في الآداب ثم
‎تركها،‮ ‬ومن هذه الأسرة‮ - ‬أيضا‮ - ‬عبدالسلام هارون‮ (‬ابن خالته‮)‬،‮
‎‬ومن هذه الأسرة‮ - ‬أيضا‮ - ‬محمد محيي الدين عبدالحميد،‮ ‬هؤلاء الأعلام
‎اهتموا بالتحقيق في اطار انتماء عربي ثقافي،‮ ‬وحبا في التراث،‮ ‬وأضيف إلي
‎هؤلاء،‮ ‬أعلام مصريون آخرون مثل السيد أحمد صقر،‮ ‬محمد أبوالفضل
‎ابراهيم،‮ ‬عبدالستار فراج،‮ ‬وغيرهم‮ ‬،‮ ‬وهؤلاء كلهم ازدهروا في الربع
‎الثاني من القرن العشرين،‮ ‬وبعضهم امتد به العمر بعد ذلك،‮ ‬فحققوا مئات
‎الكتب المهمة في التراث العربي،‮ ‬وبعد ذلك دخل في ميدان التحقيق علماء من
‎البلاد العربية‮.‬
‎‮ ‬هل معني ذلك أننا أخذنا التحقيق عن الغرب؟
‎‮-
‎‬نصر الهوريني عاش في فرنسا عدة سنوات،‮ ‬ولما عاد إلي مصر بدأ العمل في
‎المطبعة الأميرية،‮ ‬أحمد زكي باشا،‮ ‬له تكوين علمي حديث،‮ ‬وأدخل المنهج
‎الأوروبي،‮ ‬يلا ذلك جيل أحمد شاكر،‮ ‬ومحمود شاكر،‮ ‬وعبدالسلام هارون‮..
‎‬فاتضح لنا أن أصول هذا المنهج عربية‮.‬
‎‮ ‬وكيف نؤكد ذلك؟
‎‮-
‎‬أولاً‮ ‬كان العلماء العرب‮ (‬في القرن الرابع الهجري وبعد ذلك‮)‬،‮
‎‬يقارنون النسخ المخطوطة ويعرفون أقدار كل نسخة،‮ ‬ويعرفون قدر المخطوط
‎الذي قريء علي المؤلف،‮ ‬ويعرفون أن بعض المخطوطات رديئة،‮ ‬لأنها‮ ‬غير
‎دقيقة في الكلام،‮ ‬أو ربما حدث بها حذف،‮ ‬فعندئذ،‮ ‬كأن بضاعتنا رُدت
‎إلينا،‮ ‬وهذا واضح في مقدمات كتب كثيرة نشرت في مصر،‮ ‬في هذا الجيل‮.‬
‎‮ ‬علي أي أساس تقوم فكرة تحقيق النص؟
‎‮-
‎‬فكرة التحقيق تقوم علي تقديم النص بصورة أقرب إلي الصورة التي ألفها
‎المؤلف،‮ ‬وهذا يقوم علي أساس مقارنة المخطوطات وإضافة الشروح أحيانا،‮
‎‬وعمل الفهارس في كل الأحوال،‮ ‬والتحقيق هنا لا يقتصر علي النص بصفة
‎عامة،‮ ‬بل يتناول‮ - ‬أيضا‮ - ‬أسماء الأشخاص،‮ ‬أسماء الأماكن،‮ ‬الحوادث
‎إلي آخره،‮ ‬حتي يصبح النص واضحا،‮ ‬ويعتمد عليه‮.‬
‎‮ ‬وماذا عن جيل المحققين‮ ‬غير المصريين؟
‎‮-
‎‬بعد ما شهدته مصر من انجازات في التحقيق،‮ ‬بدأت الاهتمامات في الدول
‎العربية بالتحقيق ونصف المحققين العرب لهم صلة بمصر،‮ ‬لأنهم درسوا في
‎جامعة القاهرة،‮ ‬منهم‮: ‬ناصر الدين الأسد،‮ ‬وهو شخصية أردنية مرموقة،‮
‎‬كان وزيرا عدة مرات،‮ ‬ورئيس جامعة عدة مرات،‮ ‬وعمل سنوات طويلة في
‎المنظمة العربية للثقافة والعلوم بالقاهرة،‮ ‬ومنهم كذلك‮: ‬د.شاكر الفحام‮
‎‬،‮ ‬درس في القاهرة حتي درجة الدكتوراة،‮ ‬وكان في سوريا وزيرا لسنوات
‎طويلة،‮ ‬ورئيسا للمجمع اللغوي السوري،‮ ‬ومنهم أعلام آخرون في العراق
‎والسعودية واليمن،‮ ‬وتونس‮ ‬،‮ ‬والمغرب،‮ ‬وباقي الدول العربية‮..
‎‬اهتمام هؤلاء بالتحقيق كان في إطار الاهتمام بتاريخ بلدانهم بعد الاستقلال
‎إلي جانب الاهتمام بالتراث العربي بصفة عامة،‮ ‬والمحزن أن هذا الجيل
‎انتهي تقريبا‮.‬
‎‮ ‬في رأيك ما مشكلة التحقيق؟
‎‮- ‬التحقيق عمل
‎تطبيقي،‮ ‬وليس عملا ابداعيا،‮ ‬وفي الجامعات المصرية والجامعات العربية
‎الأخري،‮ ‬لا يعد التحقيق من المقومات الأساسية للترقية،‮ ‬بل يعد في أحسن
‎الأحوال نشاطاً‮ ‬علمياً‮ ‬مكملاً،‮ ‬وهذه المشكلة نراها ايضاً‮ ‬في
‎الترجمة‮.‬
‎‮ ‬كيف يمكن تدارك هذا الوضع،‮ ‬واصلاحه؟
‎‮- ‬يكون
‎ذلك بتعديل اللوائح،‮ ‬علي أن يكون من شروط الترقيات بحوث مبتكرة بعدد
‎محدد،‮ ‬ثم عمل تطبيقي،‮ ‬يكون في تحقيق كتاب أو ترجمته أو ما يماثل ذلك،‮
‎‬ونشاط ثقافي آخر بمعني وضع التحقيق في مكانة تليق بالمجهود المبذول فيه،‮
‎‬وكذلك الترجمة‮.‬
‎‮ ‬هل تقوم الجامعات المصرية،‮ ‬بفرض منهج دراسي عن التحقيق؟
‎‮-
‎‬في أكثر الجامعات المصرية،‮ ‬يوجد في أقسام اللغة العربية،‮ ‬وبعض
‎الأقسام الأخري،‮ ‬مقرر في التحقيق،‮ ‬لكن في مرحلة الدراسات العليا‮
‎(‬الماجستير‮) ‬وقد يكون هذا المقرر مما يختاره الطالب أو لا يختاره،‮ ‬وفي
‎معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة،‮ ‬قسم للتحقيق،‮ ‬المهم‮ - ‬هنا‮
‎- ‬أن نذكر أن التحقيق ليس مقصورا علي اللغة والأدب،‮ ‬بل إن كتب التاريخ
‎تمثل كما هائلا من التراث المخطوط،‮ ‬وأهميتها‮ ‬غير مقصورة علي مصر وبلاد
‎الشام،‮ ‬بل لكل العالم الإسلامي،‮ ‬هي أيضا مهمة بالنسبة لدولة آسيا
‎الوسطي‮. ‬أما التراث العربي في العلوم المختلفة‮: ‬الطب مثلا فهو تراث
‎كبير جدا،‮ ‬يستحق تحقيقا علميا دقيقا لتصحيح الوعي،‮ ‬فالجهود التي بذلها
‎العلماء العرب في هذه المجالات تتكامل مع كل المجالات الأخري‮.‬
‎يضيف
‎د.حجازي‮: ‬ان الثنائية الموجودة في الوعي المصري الحالي ضارة جدا فالتراث
‎العربي فيه الدين،‮ ‬والأدب،‮ ‬والعلم والتاريخ،‮ ‬والطب وغير ذلك والتقدم
‎في أوروبا وأمريكا فيه كل هذه المجالات‮.‬
‎لماذا لا تهتم كليات العلوم بالجامعات المصرية بتحقيق الكتب العلمية القديمة الخاصة بالكيمياء والفيزياء والفلك وغيرها؟
‎الجهود
‎فردية وقليلة،‮ ‬وليست مؤسسية لأن،‮ ‬كليات العلوم،‮ ‬ليس فيها قسم خاص
‎بتاريخ التراث العلمي،‮ ‬للأسف الشديد،‮ ‬ليس عندنا اهتمام رسمي بتاريخ
‎العلم أو تاريخ العلوم العربية والإسلامية،‮ ‬ولذلك ليس له صاحب،‮ ‬ونفس
‎الأمر ينطبق علي العلوم الطبية،‮ ‬وأذكر هنا أن د.عبدالحليم بدر منتصر‮
‎(‬عميد علوم عين شمس‮) ‬كان مهتما بتحقيق الكتب العلمية،‮ ‬وأصدر منها
‎كتابا باسم‮ (‬تاريخ العلم‮).‬
‎اما شيخ المحققين الدكتور‮ ‬حسين نصار،‮
‎‬رئيس مركز تحقيق التراث بدار الكتب السابق،‮ ‬والمستشار الحالي له،‮
‎‬فيقول‮: ‬إن التحقيق هو عملية إرجاع المخطوط إلي الصورة التي خرج بها من
‎يد مؤلفه ويتطلب هذا قراءة سليمة للمخطوط،‮ ‬وأي كتاب قديم في حاجة إلي
‎التحقيق لأنه بعد فترة‮ (‬قرنين أو ثلاثة‮) ‬يكون قد تعرض لتغيير،‮
‎‬والتحقيق هو‮ ‬محاولة تبرئة المخطوط‮ ‬من حذف أو إضافة قد تمت له‮.‬
‎ويوضح
‎أن المحقق يحاول من جانبه أن يكمل السقط الذي حدث فيأتي به من نسخ أخري،‮
‎‬حيث إن الكتاب له أكثر من نسخة،‮ ‬فيقابل بين النسخ المختلفة،‮ ‬ودائما ما
‎نحذر بألا يكون التحقيق علي نسخة واحدة،‮ ‬المقابلة تكمل الساقط،‮ ‬وتبين
‎المضاف علي الكتاب،‮ ‬إذا كانت هناك كلمات بخط الناسخ الأول يمكن للنسخ
‎الأخري أن توضحها،‮ ‬ولذلك نؤكد بأن المقابلة تكون بين النسخ المتعددة‮.‬
‎ويؤكد
‎د.نصار علي أن المؤلف الأول يجب عليه قراءة ما كتب أكثر من مرة وإن لم
‎يقرأ،‮ ‬فلابد أنه قد ترك بعمله خطأ ما،‮ ‬وإذا استمر المخطوط‮ (‬من قرن
‎إلي قرن‮) ‬دون أن يقابل النسخ ببعضها يتحول إلي لغة أجنبية أي شيء‮ ‬غير
‎مفهوم أي‮ ‬غير عربي‮.‬
‎‮ ‬وماذا عن أدوات المحقق؟
‎‮- ‬طبيعة
‎المحقق أن يكون لديه أمانة مطلقة،‮ ‬وصبر مطلق،‮ ‬وشك في معلوماته،‮ ‬كي
‎يؤكدها في النهاية،‮ ‬ومن هنا فإن الهامش ملك للمحقق،‮ ‬والأدوات اللازمة
‎لهذه العملية والتي يجب أن يكتبها المحقق،‮ ‬أولاها ثقافة واسعة بالتراث
‎العربي،‮ ‬فلو كان المحقق يقوم علي كتاب في النحو،‮ ‬فلابد أن يكون عارفا
‎بالنقد،‮ ‬ومحقق كتب الأدب لابد أن تكون معرفته جيدة بالتاريخ،‮ ‬فالتراث
‎العربي متداخل،‮ ‬ومن هنا فلابد أن يكون المحقق واسع الثقافة ومتعددها،‮
‎‬أداة أخري لابد من توافرها في المحقق خاصة باتصاله الدائم بالقواميس
‎العربية الأصلية‮ (‬لسان العرب‮ - ‬تاج العروس وهذا المعجم الأخير أقرب ما
‎يكون إلي دائرة المعارف‮) ‬وأنا شخصيا أفضل في التحقيق‮ (‬لسان العرب‮).‬
‎‮ ‬لماذا؟
‎‮- ‬لأن محتواه معان لغوية فقط،‮ ‬علي الرغم من أنه عشرون جزءا وهو من أغني الكتب اللغوية،‮ ‬ومن هنا فهو معين للمحقق‮.‬
‎‮ ‬متي بدأ اهتمامك بالتحقيق أو بمعني أصح اتصالك بهذا العلم؟
‎‮-
‎‬بدأت أسمع عن كلمة‮ (‬تحقيق‮) ‬وأنا طالب في السنة الثانية بالجامعة،‮
‎‬كان يدرس لنا النحو،‮ ‬أستاذنا مصطفي السقا،‮ ‬أحد كبار المحققين وكان
‎دائما ما يتحدث عن التحقيق في المحاضرات،‮ ‬فعرفت منه ماهية التحقيق،‮
‎‬وأذكر أيضا د.شوقي ضيف،‮ ‬وهو من أكثر الأساتذة معرفة بأسرار التحقيق‮.‬
‎وفي
‎مرحلة الماجستير،‮ ‬اشترط د.أمين الخولي بأن الرسالة لن تناقش إلا إذا قدم
‎صاحبها شيئا من التحقيق،‮ ‬ولو عشرين صفحة،‮ ‬وهنا وجدت كتابا في النحو من
‎تأليف ابن عصفور الأندلسي،‮ ‬فقمت بتحقيقه،‮ ‬حتي تتم مناقشة الرسالة‮.‬
‎ويشير
‎د.نصار إلي مرحلة أخري من حياته العلمية،‮ ‬تعرف خلالها علي كلمة
‎التحقيق،‮ ‬فيقول‮ - ‬وأنا في السنة الثالثة من دراستي الجامعية وأنا مشغول
‎بسؤال ماذا سأفعل‮.. ‬هل أقوم بالترجمة أم التحقيق أم التأليف؟ فرأيت أن
‎الترجمة ليست في حاجة إلي ثقافة واسعة،‮ ‬وعندما تخرجت وجدت نفسي أتقدم
‎للدراسات العليا للتأليف،‮ ‬فكان اهتمامي بالتأليف في بداية مشواري العلمي
‎وبعد تراكم الثقافات والخبرات بدأت التحقيق‮.‬
‎ويكمل د.نصار‮: ‬لدينا
‎مناهج في التحقيق وليس مدارس والمنهج هو مجموعة المبادئ التي لابد أن يكون
‎عليها المحقق والتي ذكرناها من قبل‮.‬
‎‮ ‬أهم انجازاتك في التحقيق؟
‎‮-
‎‬لدينا شاعر،‮ ‬كان كل الناس يتشاءمون منه وهو‮ (‬ابن الرومي‮)‬،‮ ‬وكان
‎الكل يخاف القرب منه،‮ ‬فقمت بتحقيق انتاجه الشعري في ستة أجزاء،‮ ‬وانتاجه
‎من أكبر الدواوين الشعرية الموجودة،‮ ‬وليس فقط ابن الرومي هو الذي أنجزت
‎تحقيق تراثه الشعري،‮ ‬إنما حققت أيضا شرح لزوميات أبي العلاء،‮ ‬كما قمت
‎بتحقيق كتاب كبير لأحمد تيمور باشا القاموس باللغة العامية المصرية،‮ ‬وكان
‎هذا القاموس لم يضعه صاحبه في الصورة النهائية للقواميس،‮ ‬وإنما كان في
‎صورة مجموعة من الكشاكيل،‮ ‬وكان تيمور باشا يعمل في الديوان الملكي ويحب
‎القراءة،‮ ‬وكان انتاجه معجما كبيرا للعامية المصرية‮ ‬غير مرتب،‮ ‬ولم
‎يأخذ شكل الكتاب الكامل،‮ ‬أخذته ورتبته،‮ ‬ولذلك كتبت علي‮ ‬غلافه أنه من
‎اعداد وتحقيق حسين نصار‮.‬
‎‮ ‬هل يمكن القول بوجود تحقيق معاصر؟
‎‮-
‎‬يوجد في البلاد العربية خبراء في التحقيق ممتازون،‮ ‬وكان السقا أول من
‎خط المنهج الحديث في التحقيق،‮ ‬ثم أحمد زكي باشا،وغيره،‮ ‬وشوقي ضيف،‮
‎‬الآن في جيلي أنا،نجد بشار عواد‮ (‬عراقي ويعيش في الأردن‮)‬،‮ ‬فلو
‎عددناهم نجدهم‮ ‬غير كثيرين‮.‬
‎وعن المؤسسات المعنية بالتحقيق يقول
‎د.نصار‮: ‬عندما أحست الحكومة المصرية أن جيل المحققين بدأ يتساقط واحدا
‎تلو الآخر ولا يظهر من يخلفهم،‮ ‬أنشأت مركزا للتحقيق في دار الكتب،‮ ‬وحدث
‎ذلك أيضا في معهد المخطوطات العربية،‮ ‬ومركز آخر في كلية الآداب جامعة
‎المنيا،‮ ‬ويراد هذا أيضا العام القادم في كلية الآداب جامعة القاهرة حيث
‎ألزمت اللائحة الجديدة القيام بالتحقيق في الدراسات العليا‮.. ‬بدأ مركز
‎تحقيق التراث في دار الكتب عام‮ ‬1966،‮ ‬وكان فيه مصطفي السقا،‮ ‬محمد
‎أبوالفضل إبراهيم،‮ ‬وهما من كبار المحققين،‮ ‬والآن د.فؤاد سيد،‮ ‬والتحقت
‎بالمركز عام‮ ‬1967.‬
‎ولفت د.نصار إلي أن من يقوم بالتحقيق الآن في
‎مركز تحقيق التراث بدار الكتب هم الموظفون باسم باحثين لذلك لا نستطيع
‎القول بأنهم محققون ممتازون‮.‬
‎من جانبه قال الدكتور عبدالحكيم راضي إن
‎علي المحقق أن يمتلك‮ - ‬أيضا‮ -‬معرفته بالخطوط،‮ ‬حيث أكد علي دراسة الخط
‎العربي‮ (‬الكوفي،‮ ‬الفارسي‮ ‬،‮ ‬المغربي‮) ‬وذلك لإجادة قراءة
‎المخطوطات قراءة جيدة،‮ ‬كما يضاف إلي ذلك معرفة المحقق بأنواع الورق‮
‎(‬الأحبار،‮ ‬وطرق الكتابة،‮ ‬والمسافات بين الأسطر‮) ‬كلها طرائق تساعد في
‎الكشف عن عصر المخطوط والبيئة التي خرج منها‮.‬
‎وأرجع د.عبدالحكيم راضي
‎تراجع فن التحقيق وعدم الاهتمام به إلي وجود توجه أكاديمي لعدم احتساب
‎تحقيق التراث عملاً‮ ‬بحثياً،‮ ‬هذا التوجه الأكاديمي قلل الدافعية لتحقيق
‎التراث،وبما أنه لا توجد مؤسسة تتبني تحقيق التراث مثل المركز القومي
‎للترجمة الذي يقترح ترجمات وينشرها،‮ ‬ويدفع مقابلا معقولا علي الترجمة،‮
‎‬إذا قامت مؤسسة بهذه الوظيفة بالنسبة للتحقيق،‮ ‬يمكن أن نتوقع عودة نشاط
‎التحقيق من جديد،‮ ‬أما إذا لم نقم بهذا العمل فلا يوجد دافع للتحقيق في
‎التراث،‮ ‬ولا يعد عملاً‮ ‬بحثياً،‮ ‬وبالتالي يتوقف القادرون علي
‎التحقيق‮.‬
‎واختتم د.راضي بقوله‮: ‬ليس لدينا جيل من المحققين،‮ ‬ولا
‎المدرسين،‮ ‬ليس لدينا مدرسة في التحقيق،‮ ‬ولا توجد مجموعة ترعي العمل
‎التحقيقي‮.‬
‎وضرب د.عبدالحكيم راضي مثالا علي محنة النشر والتحقيق معا
‎عندما قامت دار نشر تونسية بنشر وتحقيق كتاب،‮ ‬ونشرت قصته في‮ "‬أخبار
‎الأدب‮" ‬في‮ ‬27‮ ‬مايو‮ ‬2012‮ ‬وكان العنوان‮: (‬بعد أكثر من‮ ‬70‮
‎‬عاما دار نشر تونسية تنسب لطه حسين ما تبرأ منه‮)‬،‮ ‬فالذي حدث يمثل
‎بالفعل محنة النشر والتحقيق معا،‮ ‬لعدم متابعة ما ينشر والمعرفة بمستجدات
‎التحقيق خاصة ما ثبت عدم صحة نسبته لمؤلفه،‮ ‬أو ثبت عدم صحة عنوانه،‮ ‬كما
‎يمثل عدم المعرفة من جانب الناشرين والقائمين علي التراث في بعض الدول
‎العربية بما يجر ي في بعضها الآخر‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.